"كنت سأسلم كل ثروتي لإنقاذ حياة زوجتي، التي ماتت من دون سبب"، بهذه العبارة استرسل، محمد فروقان، في رواية قصته مع اليأس والعذاب لإنقاذ زوجته من الموت. "قبل شهرين كانت نور جهان معنا، لكنها ماتت ... لأنها مسلمة"، يتابع محمد، وهو يتسكع في أزقة قرية، شيونغ، الواقعة في شمال غرب سيتوي، في ولاية راخين (غرب ميانمار).
جهان كانت واحدة من آلاف مسلمي الروهينغا، الذين كانوا يعيشون في مناطق متفرقة من راخين، أو مملكة أراكان المسلمة سابقا، ذات الغالبية المسلمة، والتي تعدها الامم المتحدة واحدة من أكثر الاقليات اضطهاداً في العالم. اضطر سكانها الى الهروب من منازلهم خوفاً على حياتهم، لاندلاع العنف الطائفي عام 2012، بعد مجزرة حرق المنازل بمن فيها، التي أودت بحياة المئات. مجازر نفذتها عصابة، بوذية، غوغاء لتهجيرهم من البلاد، بتغطية حكومية، إضافة إلى دعم "حركة 989" البوذية المتطرفة، التي تشجع على سياسة التفرقة، واستخدام العنف ضد المسلمين، والمدعومة من الراهب البوذي، أشين ويراثو، الملقب بابن بوذا، ويدعمه في ذلك مسؤولون كثر. الراهب مدعوم أيضاً من "حركة 969"، التي تنادي بتطهير البلاد من غير البوذيين، ويحظى بإشادة الرئاسة الميانمارية.
وما أشعل شرارة جحيم الروهينغا، كان قرار الحكومة، في عام1982، حرمانهم من حقوق المواطنة، معللة ذلك بأن المسلمين أتوا من بنغلاديش إبان الاستعمار.
جهان، كانت تنتمي الى الطبقة الغنية من سكان ولاية راخين، قبل تلك الاحداث، وكان من الممكن أن ترقد في أرقى مستشفيات البلاد لتلقى العلاج اللازم ضد أمراض كان علاجها بسيطاً، قبل أن تصبح مميتة. لكن الفصل العنصري اضطرها مثل الآلاف من أخواتها المسلمات الى محاربة المرض بعيداً عن أية رعاية صحية على الاطلاق، بعدما تركت ثروتها لمغتصبيها هرباً من الموت، لتلاقيه في مخيم اللاجئين بعد رحلة أنهكت زوجها وأطفالها الصغار. حتى مستشفيات أطباء بلا حدود، التي لجأت إليها جهان، أغلقت أبوابها في وجهها، لتهديدات جماعات الراهب البوذي، أشين، بحرق تلك الحافلات، ما اضطر نزلاءها من المرضى الى الهرب بعيداً، خوفاً على حياتهم. كما أن الصيدلية المؤقتة الوحيدة في المخيم رفوفها شبه خالية من الادوية للحصار وكثرة نقاط التفتيش، التي تعوق وصول أية إسعافات للمسلمين.
وكأن حرب الابادة تلك، لا تكفي لتضييق الخناق على الروهينغا، فقررت الحكومة تحديد النسل، كشرط أساسي للبقاء داخل المخيم، الذي يؤويهم بعد حرق منازلهم وتشريد من بقي حياً.
بعثات الأمم المتحدة، هي الأخرى نالت نصيبها من العنف، حيث اضطرت الى غلق بعض مقراتها الخاصة للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في ميانمار، وغادر المشرفون عليها البلاد، قبل استكمال تحقيقاتهم في أحداث عام 2012، عادوا بعدها لكن بقيود مشددة.
معاناة تاريخية
يبدو أن صمت المجتمع الدولي المخزي تجاه المجازر المتواصلة والممنهجة ضد الروهينغا ليس جديداً، فمنذ عقود دأبت السلطات في ميانمار على تقييد حقوقهم في التنقل والتعليم والتوظيف، زاعمة في ذلك أن عدداً كبيراً منهم أتوا إلى ميانمار "البوذية" من بنغلاديش المجاورة كعمال تحت الحكم الاستعماري البريطاني في القرن التاسع عشر، فيما تؤكد حقائق التاريخ أنهم ينتمون الى مملكة "أراكان" المسلمة في بورما. كما وان التاريخ يعيد نفسه، حيث واجهوا خلال حقبة الاستعمار البريطاني لبلادهم عام "1886-1948" مجازر وانتهاكات واسعة، وطردوا من وظائفهم وأُحلّ البوذيون مكانهم، وصودرت أملاكهم ووزعت على البوذيين، وزج بقادتهم في السجون أو نفوا خارج أوطانهم وحرض البوذيون عليهم، بغطاء بريطاني، أدى الى مذبحة مروعة عام 1942، قضى فيها حوالي مائة ألف مسلم.
ومع استمرار الصمت المخجل يتزايد العدد .. ويشيح محمد، زوج جهان نظره، في ألم ليمسح دمعة حارقة، ولسان حاله يقول: "بأي ذنب قُتلت جهان؟"