25 يونيو 2018
التطرف والتعايش
رعد تغوج (الأردن)
قدْ يبدو العنوان مُشابهاً لسرديّة آلان دُو بُوتون في الفلسفة، والتي جعلَ عنوانها الفرعيّ نصاً موازياً (حسب تعبير جاك دريدا) يُقرأ بمُحاذاة المتن الرئيس، هُو: "كيف تُساعدنا الفلسفة في الحياة"، حيُثُ تنطلقُ معظم خطابات التأريخ للفلسفة والفكر من أنساق ثقافيّة مُشبعة بالإيمان في صيرورات التحوّل نحو الدولة المدنية والتطوّر والتقدم، مَفادها أنّ الفلسفة والفكر والآداب هي التي قادت تلك الصيرورة وأوصلتها إلى التفوق.
أمّا التعايشُ وعزاءاتهِ عربياً، فقد أُفردتْ الأسفارُ وأُشبعتْ التنظيرات غير المُتساوقة مع التطيبق والواقع العربيّ المعيش، ولم يتطوّر إلى الآن مُؤشرٌ كميّ يقيسُ خطابات الكراهيّة إمبريقياً، ويضعُ نموذجاً (على غرار نموذج أوليفر رامسبوثام) لرصد تحوّلات الصراعات الداخلية في الدول، حيثُ يحتلُ "الإستقطاب" المشهد في الدول المُستقرة نسبياً. وتأتي هذه المرحلة، بحسب رامسبوثام أيضاً، بعد مرحلتي الإختلاف والتناقضات البنيوية في المجتمع، وهذا يُنذر بتحول بعض الدول إلى حرب أهلية في المدى القريب.
تطوير مُؤشرات لقياس خطابات الكراهيّة ومُمارسات الإقصاء والتهميش من المُؤسسة البطرياركية (حسب تعريف هشام شرابي) كفيلٌ بأن يقدّم نموذجاً للإنذار المُبكر قبل وقوع الأزمات والكوارث، وهو ما تفعله مؤسسات ومنظمات دوليّة، تضعُ قواعد للبيانات ومؤشرات للحوادث اليومية المرصودة من الفضاء السبرانيّ المفتوح، لعل أشهرها ما قدّمته جامعة أبسالا في السويد من دراسات حول الصراعات والنزاعات، وما يقدمه معهد سبري حول التسلح وأفاقه عالمياً.
أصبحَ البحثُ في هذه المؤشرات الإمبريقيّة يخضعُ لفرق بحثٍ، وعلى المستوى الكليّ، حيثُ يقوم باحثون، ومن مُختلف التخصّصات بدراسة التأثيرات المُتبادلة لقضيةٍ مثل التطرف، ومحاولة التسديد والتقريب للمتغيرات الحافة بهذه الظاهرة، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وأيكيولجياً، عبر ما باتت تعرف بمصفوفة التأثير المُتبادل، واستخدام تقنيات مُعتبرة عند أهل النظر، مثل تقني ديلفي للدراسات المُستقبلية، أو تقنية الإسقاط المُستقبليّ أو الدولاب.
دراسة الفكر وحده في مسألة التعايش والتطرف والكراهيّة، غير مُجدية، وهذا ما ذهب إليه عزمي بشارة أيضاً في بحثه "في ما يُسمّى التطرف"، لأنّ التنظيرات المُختلفة للتعايش المُتهالك عربياً لم تُقدّم للآن الإجابة عن بعض الأسئلة الحرجة، حول الحواضن الأيكولوجيّة للتطرف والعُنف، كمياً ورقمياً، أو عن الدوافع السيكولوجية لتبني خطاب التطرف عند طلبة بعض التخصّصات التي تُعتبر علميّة مثل الهندسة والطب، وغيرها من الأسئلة.
فككت دراسات عربية مفهوم التطرف، والإشتغال على مُستوى "تحليل الخطاب" للبحث عن الأنساق الثقافية والفكريّة المُضمَرة والقارة خلف تلك الخطابات الموصوفة بالتطرّف، ومنها دراسة عبد اللطيف الخمسي، بيدَّ أنّ "عُقم" استخدام لفظة العُنف مفهوماً لهُ حدَّ منطقي مضطرد في الزمان والمكان، يُجّمِدُ من محاولة تفكيك هذا المُصطلح، ويُزيل الشرعية في طريقة استخدامه وتوظيفه إعلامياً وسياسياً.
تقومُ بعضُ المؤشرات الكمية والإمبريقيّة بدراسة التعايش، لكنها تَغفل عن إرادة الدولة في تدشينها للوهم بأصل التعايش وفصله، وهُو ما نشهده في الميدياً مراراً حول صدور قرار أمني بإقامة الصلاة في كنيسة مثلاً، أو التهليل الإعلاميّ بحفل زواج بين ديانتينِ وسط مُباركة الأهل، وإن كانَ ذلك في سبيل "ضمان الإستقرار" داخل الدولة، ورعايتها "للوحدة الوطنية" لكنه غيرَ كافٍ لتدشين نظام إنذار مُبكر يعتمد على المعلومات المُتدفقة على مدار اللحظة لرصد وتطوير إجراءات المنع الوقائيّ للصراعات والأزمات الداخلية الناجمة عن التطرّف والعنف.
أمّا التعايشُ وعزاءاتهِ عربياً، فقد أُفردتْ الأسفارُ وأُشبعتْ التنظيرات غير المُتساوقة مع التطيبق والواقع العربيّ المعيش، ولم يتطوّر إلى الآن مُؤشرٌ كميّ يقيسُ خطابات الكراهيّة إمبريقياً، ويضعُ نموذجاً (على غرار نموذج أوليفر رامسبوثام) لرصد تحوّلات الصراعات الداخلية في الدول، حيثُ يحتلُ "الإستقطاب" المشهد في الدول المُستقرة نسبياً. وتأتي هذه المرحلة، بحسب رامسبوثام أيضاً، بعد مرحلتي الإختلاف والتناقضات البنيوية في المجتمع، وهذا يُنذر بتحول بعض الدول إلى حرب أهلية في المدى القريب.
تطوير مُؤشرات لقياس خطابات الكراهيّة ومُمارسات الإقصاء والتهميش من المُؤسسة البطرياركية (حسب تعريف هشام شرابي) كفيلٌ بأن يقدّم نموذجاً للإنذار المُبكر قبل وقوع الأزمات والكوارث، وهو ما تفعله مؤسسات ومنظمات دوليّة، تضعُ قواعد للبيانات ومؤشرات للحوادث اليومية المرصودة من الفضاء السبرانيّ المفتوح، لعل أشهرها ما قدّمته جامعة أبسالا في السويد من دراسات حول الصراعات والنزاعات، وما يقدمه معهد سبري حول التسلح وأفاقه عالمياً.
أصبحَ البحثُ في هذه المؤشرات الإمبريقيّة يخضعُ لفرق بحثٍ، وعلى المستوى الكليّ، حيثُ يقوم باحثون، ومن مُختلف التخصّصات بدراسة التأثيرات المُتبادلة لقضيةٍ مثل التطرف، ومحاولة التسديد والتقريب للمتغيرات الحافة بهذه الظاهرة، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وأيكيولجياً، عبر ما باتت تعرف بمصفوفة التأثير المُتبادل، واستخدام تقنيات مُعتبرة عند أهل النظر، مثل تقني ديلفي للدراسات المُستقبلية، أو تقنية الإسقاط المُستقبليّ أو الدولاب.
دراسة الفكر وحده في مسألة التعايش والتطرف والكراهيّة، غير مُجدية، وهذا ما ذهب إليه عزمي بشارة أيضاً في بحثه "في ما يُسمّى التطرف"، لأنّ التنظيرات المُختلفة للتعايش المُتهالك عربياً لم تُقدّم للآن الإجابة عن بعض الأسئلة الحرجة، حول الحواضن الأيكولوجيّة للتطرف والعُنف، كمياً ورقمياً، أو عن الدوافع السيكولوجية لتبني خطاب التطرف عند طلبة بعض التخصّصات التي تُعتبر علميّة مثل الهندسة والطب، وغيرها من الأسئلة.
فككت دراسات عربية مفهوم التطرف، والإشتغال على مُستوى "تحليل الخطاب" للبحث عن الأنساق الثقافية والفكريّة المُضمَرة والقارة خلف تلك الخطابات الموصوفة بالتطرّف، ومنها دراسة عبد اللطيف الخمسي، بيدَّ أنّ "عُقم" استخدام لفظة العُنف مفهوماً لهُ حدَّ منطقي مضطرد في الزمان والمكان، يُجّمِدُ من محاولة تفكيك هذا المُصطلح، ويُزيل الشرعية في طريقة استخدامه وتوظيفه إعلامياً وسياسياً.
تقومُ بعضُ المؤشرات الكمية والإمبريقيّة بدراسة التعايش، لكنها تَغفل عن إرادة الدولة في تدشينها للوهم بأصل التعايش وفصله، وهُو ما نشهده في الميدياً مراراً حول صدور قرار أمني بإقامة الصلاة في كنيسة مثلاً، أو التهليل الإعلاميّ بحفل زواج بين ديانتينِ وسط مُباركة الأهل، وإن كانَ ذلك في سبيل "ضمان الإستقرار" داخل الدولة، ورعايتها "للوحدة الوطنية" لكنه غيرَ كافٍ لتدشين نظام إنذار مُبكر يعتمد على المعلومات المُتدفقة على مدار اللحظة لرصد وتطوير إجراءات المنع الوقائيّ للصراعات والأزمات الداخلية الناجمة عن التطرّف والعنف.