التضخم يلتهم زيادات أجور السودانيين: قفزة في أسعار الغذاء

18 مايو 2020
غلاء قياسي للسلع الغذائية (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

 

ارتفع التضخم في السودان بمعدلات قياسية إلى نحو 99 بالمائة في إبريل/ نيسان الماضي، مقابل 82 بالمائة في مارس/ آذار، بسبب استمرار ارتفاع أسعار الغذاء، بحسب بيان للجهاز المركزي للإحصاء، وسط توقعات بمواصلة التضخم قفزاته في الفترة المقبلة.

ويأتي ذلك، في الوقت الذي بدأت فيه الحكومة تطبيق زيادات كبيرة للأجور خلال شهر مايو/ أيار الجاري، إلا أن قفزات التضخم المتتالية جعلت السودانيين لا يشعرون بتحسن رواتبهم، حسب مراقبين تحدثوا لـ"العربي الجديد".

وقال الجهاز المركزي للإحصاء، أول من أمس، وفقاً لوكالة "فرانس برس"، إن "معدل التغيير السنوي (التضخم) سجل في إبريل/ نيسان الماضي 98.81 بالمائة، مقارنة بنحو 81.64 بالمائة في مارس/ آذار، بارتفاع قدره 17.17 بالمائة".

وعزا الجهاز الحكومي ارتفاع معدل التضخم إلى استمرار زيادة أسعار الغذاء، مثل الزيوت والحبوب واللحوم والبقوليات واللبن والخبز.

وحسب تجار ومواطنين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، واصلت أسعار السلع ارتفاعها بصورة كبيرة في أسواق الخرطوم عقب تنفيذ زيادات الأجور، ما يرجّح مواصلة التضخم قفزاته خلال الشهر الجاري إلى مستويات قياسية جديدة.

وشهدت أسعار الزيوت والدقيق زيادات غير مسبوقة وصفها التجار بالعادية لجهة ارتفاع أسعار النقل والدولار.

وتوقع التجار موجة جديدة من الزيادات مع اقتراب عيد الفطر، وقدّر بعضهم الزيادات بنسبة 60 بالمائة، حيث بلغ سعر لتر الزيت 1250 جنيهاً بدلاً من 950 جنيهاً، فيما ارتفع جوال البصل إلى ألفي جنيه مع ثبات في أسعار السكر واللحوم.

وانتقد مراقبون زيادة الرواتب، في وقت يتجه فيه كل العالم إلى تخفيض المرتبات وتقليص العمالة بسبب حالة الركود التي ترتبت عن جائحة فيروس كورونا.


ولم يتفاءل كثيرون بتطبيق قرار زيادة أجور العاملين، ويرى مختصون أنه سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الأسعار وارتفاع مستوى التضخم إلى قياسات كبيرة.

وتوقع الخبير الاقتصادي، السماني هنون، في حديثه لـ"العربي الجديد" ارتفاعاً في أسعار السلع بالفترة المقبلة أكثر من نسبة الزيادة في الأجور. واقترح الاستفادة من الأموال المستردة من النظام السابق من أجل تحسين مستوى معيشة المواطنين.

من جانبه، أكد الرئيس السابق للغرفة التجارية، حسن عيسى، لـ"العربي الجديد"، أن تطبيق زيادة الأجور دون دراسة وضع الأسواق والسلع، وخاصة بعد زيادة الدولار الجمركي، سيؤدي إلى نتائج عكسية ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السلع كافة.

ويعاني السودانيون منذ أشهر للحصول على الخبز ووقود السيارات والغاز المنزلي، وتشهد منافذ هذه السلع طوابير انتظار طويلة.

وطالب الخبير الاقتصادي، محمد الزين، بمراقبة الأسواق وضبطها وإنهاء فوضى ارتفاع الأسعار حتى لا تلتهم الزيادات التي أقرتها وزارة المالية.

ووصف الزين، خلال حديثه لـ"العربي الجديد" زيادة المرتبات للقطاع الحكومي "بغير المسبوقة وتكاد تكون الأعلى في تاريخ البلاد، وبذلك يصل الحد الأدنى إلى 3 آلاف جنيه، والأعلى إلى 50 ألف جنيه (الدولار = نحو 55 جنيهاً)، وهذه الزيادات الكبيرة وغير المسبوقة قد تتطلب تعديلات في الموازنة في بند مرتبات العاملين، نظراً لأن الزيادة الجديدة تجاوزت 569 في المائة".


وظل الحد الأدنى للأجور في السودان البالغ 425 جنيهاً، ثابتاً دون زيادة منذ عام 2013. وتخوف اقتصاديون من تمويل زيادة الأجور بطباعة العملة أو تغطية الزيادات من عملية التمويل بالعجز، مؤكدين الآثار السلبية لزيادة الأجور على أسعار السلع ومعدلات التضخم. 

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الخرطوم، محمد النعيم، لـ"العربي الجديد" إن من شأن زيادة الأجور أن تكون لها أثر إيجابي إذا ارتبطت بالرقابة والتحكم في الأسواق، وإن كانت محسوبة بزيادة الإنتاج.

ولكنه يرى أن الدولة غير قادرة على التحكم والسيطرة في السوق والأسعار، وبالتالي أي زيادة في الأجور ستمتصها زيادة الأسعار ومعدلات التضخم.

لكن الخبير الاقتصادي، أوهاج السيد، وصف زيادة الأجور بالأمر الطيب والمنصف للعاملين، وبالأخص بعد الزيادات الكبيرة في مستوى الأسعار، ولكنه تساءل: من أين ستموَّل تلك القفزة الهائلة في مستوى الأجور.

ونبه السيد إلى أنه إذا فكرت الحكومة في تمويل زيادة الأجور بالتوسع في زيادة الضرائب، فسيقود ذلك إلى زيادة في المستوى العام للأسعار. وأضاف أن مشروع الموازنة المقدمة الذي أُجيز، لم يكن يتضمن تكهنات بمثل هذه الزيادة.

ويواجه السودان أزمة اقتصادية مالية خانقة، منذ انفصال الجنوب عن السودان في 2011، ويشهد الاقتصاد ارتفاعاً متواصلاً لمعدّلات التضخم وتراجع قيمة الجنيه السوداني إثر فقدان عائدات نفطية كبيرة.