لم يكن تركيز بعض المرشحين في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، في الدورة الأولى، على مغازلة أتباع الديانات عبثاً. هكذا، سبقت الانتخابات مجموعة من المواقف التي سُجلت باسم المرشحين، جميعها يصبّ في خانة مغازلة أصوات المتدينين. ومن بين هذه المواقف ــ المحطات: إشهار المرشح اليميني، فرانسوا فيون، تديّنه الكاثوليكي، وحديث مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، عن جدتها المسيحية القبطية وعن الجذور المسيحية في الحضارة الفرنسية، وأيضاً خطاب المرشح الوسطي إيمانويل ماكرون عن بعض "التفهّم" لشعور المسيحيين الذي صدمهم إقرار فرنسا لقانون "الزواج للجميع"، واستعادات المرشح، نيكولا دوبون انيان، للمرجعيات المسيحية، وطمأنة مرشح اليسار الراديكالي، جان لوك ميلانشون، والاشتراكي، بونوا هامون، مسلمي فرنسا وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى.
وحسب استطلاع فرنسي جديد أجراه معهد أيفوب لمجلة Pèlerin المسيحية، فإن 46 في المائة من الفرنسيين الكاثوليك المتدينين صوّتوا لصالح فيون في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بينما صوّت نحو 37 في المائة من المسلمين لميلانشون. في حين أن البروتستانت صوّتوا لصالح ماكرون بنسبة 30 في المائة.
هذه الدراسة كشفت، أن حزب "الجمهوريون" حقق نتائج جيدة لدى الكاثوليك المتدينين، كما حصل فيون على 55 في المائة من مجمل أصوات الناخبين الكاثوليك المتدينين وغير المتدينين. أما ماكرون ولوبان فقد حصلا على نسبة متعادلة، أي 22 في المائة. في حين أن ميلانشون حاز على نسبة 14 في المائة من أصوات الكاثوليك. ثم جاء بعده المرشح نيكولا دوبون انيان بنسبة 6 في المائة، متقدّماً على الحزب الاشتراكي.
أما الناخبون المسلمون، فقد منحوا، حسب معهد أيفوب، ميلانشون نسبة 37 في المائة، وجاء ماكرون ثانياً بنسبة 24 في المائة، ولم يحصل مرشح اليسار بونوا هامون، الذي ضاعف من خطابات الود تجاههم، لدرجة افتخاره باسم "بلال"، سوى على 17 في المائة، وبعده حصل فيون على 10 في المائة، الذي تعهّد بوضع الشأن الديني الإسلامي تحت سيطرة الإدارة الفرنسية، مثيراً غضب العديد من ممثلي الديانة الإسلامية، من أصوات مسلمي فرنسا، ثم أخيراً جاء نيكولا دوبون انيان بـ4 في المائة من أصواتهم. وحاز ماكرون على "مبايعة" البروتستانت بنسبة 30 في المائة، في حين أن فيون ولوبان حصل كل واحد منهما على نسبة 20 في المائة من أصواتهم، فيما جاء ميلانشون، رابعاً، بنسبة 16 في المائة.
ومع كل استحقاق انتخابي يُطرَح سؤال "الصوت المسيحي"، و"الصوت الكاثوليكي" و"الصوت الإسلامي" و"الصوت اليهودي". ولكن الباحثين في الشأن المسيحي في فرنسا، لا يتفقون حول تعبير "التصويت المسيحي" في الانتخابات الفرنسية. بعضهم يقر بوجوده، في حين أن بعضهم الآخر يتحدث عن "طريقة مسيحية" في التصويت، وهو رأي مديرة مجلة Pèlerin المسيحية آن بُونْس. فهي ترى أنه لا يوجد "تصويت مسيحي" بمعنى أنه "لا يوجد أي مرشح ولا أي حزب سياسي يدعي الاستجابة لكل الإكراهات الإنجيلية". وتضيف: "التصويت حق، وهو أيضاً واجب مدني"، كما هو مكتوب على بطاقة التصويت. وترى أنه "بعيداً عن المرجعيات الدينية، يجب التركيز على الشعار الجمهوري: الحرية، المساواة والأخوة. وهو ما يعني تحكيم الضمير والحس السليم".
اقــرأ أيضاً
ولا يعكس تصويت المسلمين، وفقاً لاستطلاع أيفوب الأخير، أي انزلاق ديني أو انطواء ضمن الجماعة، فهم كغيرهم من الفرنسيين مندمجون في المجتمع الفرنسي، وتذهب أصواتهم لمختلف المرشحين الفرنسيين "العلمانيين". كما يدل على ذلك منح معظم أصواتهم لميلانشون وماكرون، في حين أنهم "عاقبوا" فيون بسبب دفاعه عن خطاب متشدد تجاه الإسلام والمسلمين، بعد أن كانت أغلبيتهم تتمنى لو يكون آلان جوبيه هو مرشح اليمين. أما المرشح الاشتراكي، بونوا هامون، فقد "عُوقب" بسبب الحصيلة الكارثية للرئيس الاشتراكي، فرانسوا هولاند، وخيانات وعوده. وينسى كثيرون أن المسلمين منحوا هولاند أكثر من 90 في المائة من أصواتهم، سنة 2012.
ولا تقول دراسة أيفوب أكثر من أن اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي أمرٌ مُنتهٍ منه. ولا شيء أكثر إيلاماً لمسلمي فرنسا من تذكيرهم بالأمر. وهو ما عبر عنه بشكل واضح المفكر إيمانويل تود، حين كتب في مؤلفه "من هو شارلي؟": "إن المسلمين أكثر اندماجاً مما يزعمه كثيرون، بل وأكثر اندماجاً من كثير من المتهجمين عليهم من اليهود الفرنسيين، كآلان فيلكلكروت وإيريك زمور وغيرهما".
كما جاء هذا الاستطلاع، الذي أجري يوم 23 أبريل/نيسان الحالي، ليؤكد ما هو معروف من قبل، وهو أن أغلبية الكاثوليك تصوّت بشكل تقليدي، لصالح اليمين. فالناخب الكاثوليكي خزان استراتيجي لليمين الجمهوري. وهو ربما ما سيجعل لوبان، بسبب ميول ماريون ماريشال لوبان الكاثوليكية، تستفيد في الدورة الثانية من بعض أصوات الكاثوليك، الذين يترددون في اللحاق بماكرون، على عكس ما جرى سنة 2002 حين حظي مرشح اليمين جاك شيراك بأصوات اليسار أيضاً.
وعن حقيقة "الصوت الانتخابي الإسلامي في فرنسا"، يقول الباحث الفرنسي في جامعة سنغافورة، محمد علي عدراوي، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يُمكن أن نتحدث عن المجموعة الإسلامية في فرنسا، إنما هي موجودة في نظر من ينظر إليها من خارجها"، لافتاً إلى أن "طائفة من مسلمي فرنسا بدأت تعتبر نفسها كذلك، منذ أن بدأت وسائل الإعلام والسياسيون يتحدثون عن هذه المجموعة الإسلامية".
ويشير إلى "وجود نقاش حول الموضوع، ولكن من زاوية علم الاجتماع لا تشكل قوة، فمثلاً لا يوجد اليوم صوت إسلامي في فرنسا، في حين أن كل علماء الاجتماع الجدّيين يُجمعون على وجود ناخب مسيحي في فرنسا، أي يوجد شكلٌ من التصويت الكاثوليكي"، موضحاً أنه "كلما كان المرء ممارساً للديانة المسيحية كلما صوَّت لصالح اليمين، بينما الأشخاص الذين يمتلكون إرثاً إسلامياً، لا تحصل ممارستهم الانتخابية على ضوء علاقتهم مع انتمائهم الديني، بل وفق وضعيتهم الاجتماعية".
ويعطي عدراوي مثالاً آخر، يتعلق "بزواج الأشخاص المتحدرين من عائلات إسلامية، فهم يتزوجون من جماعات أخرى، بنسبة تفوق معدّلات الجماعات الأخرى، ولا يظلون في إطار الجماعة الواحدة، وهذا نقيضٌ لفكر المجموعة ذاتها". وبالنسبة للمسألة الاجتماعية وقضايا الضواحي، فيقول، إن "لها نتائج في الهوية على بعض الأفراد، خصوصاً من الشباب، أو الذين يجدون مشاكل في الاندماج في سوق العمل أو الذين يمكن أن يعانوا من بعض الخطابات السياسية والتمييز".
ويشير إلى أن معهد "مونتين" نشر قبل أيام تقريراً عن التمييز الديني في سوق العمل في فرنسا، وكما يرى هؤلاء الباحثون فإنه يوجد تمييز ذو طبيعة دينية في فرنسا، في ما يتعلق بالاسم وسحنة الوجه والعنوان والأصول، ولكن أيضاً حسب الانتماء الديني، معتبراً أن "هذا يؤثر، بطبيعة الحال، على تكوّن هوية لبعض الأشخاص، ولكن لا يعني هذا أنها القراءة الوحيدة".
اقــرأ أيضاً
هذه الدراسة كشفت، أن حزب "الجمهوريون" حقق نتائج جيدة لدى الكاثوليك المتدينين، كما حصل فيون على 55 في المائة من مجمل أصوات الناخبين الكاثوليك المتدينين وغير المتدينين. أما ماكرون ولوبان فقد حصلا على نسبة متعادلة، أي 22 في المائة. في حين أن ميلانشون حاز على نسبة 14 في المائة من أصوات الكاثوليك. ثم جاء بعده المرشح نيكولا دوبون انيان بنسبة 6 في المائة، متقدّماً على الحزب الاشتراكي.
أما الناخبون المسلمون، فقد منحوا، حسب معهد أيفوب، ميلانشون نسبة 37 في المائة، وجاء ماكرون ثانياً بنسبة 24 في المائة، ولم يحصل مرشح اليسار بونوا هامون، الذي ضاعف من خطابات الود تجاههم، لدرجة افتخاره باسم "بلال"، سوى على 17 في المائة، وبعده حصل فيون على 10 في المائة، الذي تعهّد بوضع الشأن الديني الإسلامي تحت سيطرة الإدارة الفرنسية، مثيراً غضب العديد من ممثلي الديانة الإسلامية، من أصوات مسلمي فرنسا، ثم أخيراً جاء نيكولا دوبون انيان بـ4 في المائة من أصواتهم. وحاز ماكرون على "مبايعة" البروتستانت بنسبة 30 في المائة، في حين أن فيون ولوبان حصل كل واحد منهما على نسبة 20 في المائة من أصواتهم، فيما جاء ميلانشون، رابعاً، بنسبة 16 في المائة.
ومع كل استحقاق انتخابي يُطرَح سؤال "الصوت المسيحي"، و"الصوت الكاثوليكي" و"الصوت الإسلامي" و"الصوت اليهودي". ولكن الباحثين في الشأن المسيحي في فرنسا، لا يتفقون حول تعبير "التصويت المسيحي" في الانتخابات الفرنسية. بعضهم يقر بوجوده، في حين أن بعضهم الآخر يتحدث عن "طريقة مسيحية" في التصويت، وهو رأي مديرة مجلة Pèlerin المسيحية آن بُونْس. فهي ترى أنه لا يوجد "تصويت مسيحي" بمعنى أنه "لا يوجد أي مرشح ولا أي حزب سياسي يدعي الاستجابة لكل الإكراهات الإنجيلية". وتضيف: "التصويت حق، وهو أيضاً واجب مدني"، كما هو مكتوب على بطاقة التصويت. وترى أنه "بعيداً عن المرجعيات الدينية، يجب التركيز على الشعار الجمهوري: الحرية، المساواة والأخوة. وهو ما يعني تحكيم الضمير والحس السليم".
ولا يعكس تصويت المسلمين، وفقاً لاستطلاع أيفوب الأخير، أي انزلاق ديني أو انطواء ضمن الجماعة، فهم كغيرهم من الفرنسيين مندمجون في المجتمع الفرنسي، وتذهب أصواتهم لمختلف المرشحين الفرنسيين "العلمانيين". كما يدل على ذلك منح معظم أصواتهم لميلانشون وماكرون، في حين أنهم "عاقبوا" فيون بسبب دفاعه عن خطاب متشدد تجاه الإسلام والمسلمين، بعد أن كانت أغلبيتهم تتمنى لو يكون آلان جوبيه هو مرشح اليمين. أما المرشح الاشتراكي، بونوا هامون، فقد "عُوقب" بسبب الحصيلة الكارثية للرئيس الاشتراكي، فرانسوا هولاند، وخيانات وعوده. وينسى كثيرون أن المسلمين منحوا هولاند أكثر من 90 في المائة من أصواتهم، سنة 2012.
ولا تقول دراسة أيفوب أكثر من أن اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي أمرٌ مُنتهٍ منه. ولا شيء أكثر إيلاماً لمسلمي فرنسا من تذكيرهم بالأمر. وهو ما عبر عنه بشكل واضح المفكر إيمانويل تود، حين كتب في مؤلفه "من هو شارلي؟": "إن المسلمين أكثر اندماجاً مما يزعمه كثيرون، بل وأكثر اندماجاً من كثير من المتهجمين عليهم من اليهود الفرنسيين، كآلان فيلكلكروت وإيريك زمور وغيرهما".
كما جاء هذا الاستطلاع، الذي أجري يوم 23 أبريل/نيسان الحالي، ليؤكد ما هو معروف من قبل، وهو أن أغلبية الكاثوليك تصوّت بشكل تقليدي، لصالح اليمين. فالناخب الكاثوليكي خزان استراتيجي لليمين الجمهوري. وهو ربما ما سيجعل لوبان، بسبب ميول ماريون ماريشال لوبان الكاثوليكية، تستفيد في الدورة الثانية من بعض أصوات الكاثوليك، الذين يترددون في اللحاق بماكرون، على عكس ما جرى سنة 2002 حين حظي مرشح اليمين جاك شيراك بأصوات اليسار أيضاً.
ويشير إلى "وجود نقاش حول الموضوع، ولكن من زاوية علم الاجتماع لا تشكل قوة، فمثلاً لا يوجد اليوم صوت إسلامي في فرنسا، في حين أن كل علماء الاجتماع الجدّيين يُجمعون على وجود ناخب مسيحي في فرنسا، أي يوجد شكلٌ من التصويت الكاثوليكي"، موضحاً أنه "كلما كان المرء ممارساً للديانة المسيحية كلما صوَّت لصالح اليمين، بينما الأشخاص الذين يمتلكون إرثاً إسلامياً، لا تحصل ممارستهم الانتخابية على ضوء علاقتهم مع انتمائهم الديني، بل وفق وضعيتهم الاجتماعية".
ويعطي عدراوي مثالاً آخر، يتعلق "بزواج الأشخاص المتحدرين من عائلات إسلامية، فهم يتزوجون من جماعات أخرى، بنسبة تفوق معدّلات الجماعات الأخرى، ولا يظلون في إطار الجماعة الواحدة، وهذا نقيضٌ لفكر المجموعة ذاتها". وبالنسبة للمسألة الاجتماعية وقضايا الضواحي، فيقول، إن "لها نتائج في الهوية على بعض الأفراد، خصوصاً من الشباب، أو الذين يجدون مشاكل في الاندماج في سوق العمل أو الذين يمكن أن يعانوا من بعض الخطابات السياسية والتمييز".
ويشير إلى أن معهد "مونتين" نشر قبل أيام تقريراً عن التمييز الديني في سوق العمل في فرنسا، وكما يرى هؤلاء الباحثون فإنه يوجد تمييز ذو طبيعة دينية في فرنسا، في ما يتعلق بالاسم وسحنة الوجه والعنوان والأصول، ولكن أيضاً حسب الانتماء الديني، معتبراً أن "هذا يؤثر، بطبيعة الحال، على تكوّن هوية لبعض الأشخاص، ولكن لا يعني هذا أنها القراءة الوحيدة".