يفضل الدنماركي من أصول باكستانية جمال خان التصويت لمرشحي الحزب الوطني الدنماركي في الانتخابات المحلية، كونه الحزب الأقرب لظروف ومصالح الدنماركيين من أصول باكستانية، إذ أسسه مواطنه أحمد كاشف قبل ثلاثة أعوام بعد أن تخطى عقبة عدم القدرة على جمع تواقيع 20 ألف مواطن التي حرمته من المشاركة في انتخابات عام 2015، ما مكنه من الدفع بمرشحين أغلبهم من الدنماركيين ذوي الأصول الباكستانية في انتخابات اختيار أعضاء مجالس البلديات والأقاليم (المحافظات) التي بدأت اليوم الثلاثاء.
على ذات المنوال يؤكد ناخبون دنماركيون من أصول عربية من بينهم الأربعيني عبدالله طه تصويتهم وفقا "لنصائح أئمة وخطباء المساجد الذين يحثونهم على التصويت لأحزاب بعينها ولشخصية عربية مرشحة على قائمتهم في المدينة التي يسكنون فيها"، وهو ما تراه الباحثة في مجال الانتخابات والناشطة في حزب البديل اليساري في مدينة آرهوس ترينا يوهانسن مشكلة، إذ إن "الاختيار الديمقراطي يتحول إلى التصويت للمرشح فقط لأنه من جماعتنا، وهو ما يضر بالاندماج والديمقراطية الدنماركية"، كما تقول لـ"العربي الجديد".
ولا يقتصر حق التصويت في الانتخابات المحلية أو البلدية على المواطنين فحسب إذ إن قانون انتخابات البلديات والمحافظات الصادر في عام 1981 ينص على أنه "يحق لكل من هو فوق الثامنة عشرة (وغير حاصل على الجنسية) المشاركة في الانتخابات المحلية تصويتا وترشحا بشرط الإقامة المتواصلة في البلد لمدة ثلاثة أعوام. ويستثنى من هؤلاء كل من يقيم إقامة "البقاء بقصد الترحيل عن البلد" أو هؤلاء المحكومون بالإبعاد بحسب قوانين الهجرة أو هؤلاء الموجودون في البلد بقصد قضاء محكومية سجن أو من حكمت عليهم المحاكم الدولية بقضاء العقوبة في سجون البلد".
ويقدر مركز الإحصاء الدنماركي أعداد الأجانب ممن يحق لهم التصويت بـ 350 ألفا، بزيادة كبيرة عن أعدادهم في عام 2005 إذ كانوا وقتها 200 ألف، فيما يسعى اليمين المتشدد المتمثل بحزبي الشعب والبرجوازية الجديدة حديث التأسيس، إلى طرح مشاريع قوانين تحرمهم من المشاركة السياسية، حتى لو ولدوا في البلد، طالما أنهم لا يحملون جنسية الدنمارك، وإلى جانب تلك الأعداد يصل عدد حاملي الجنسية من أصول مهاجرة إلى ما يقارب نفس الرقم، ما يعني أنهم يشكلون ثقلا انتخابيا يسعى اليمين المتطرف للحد منه.
إيذاء الديمقراطية
ويلقى توجيه المشاركين في الانتخابات المحلية للتصويت لصالح مرشحين يتفقون معهم فقط في أصولهم الإثنية معارضة شديدة من قبل مهاجرين عرب منهم العشرينية الدنماركية من أصل عربي سوزان سعيد، التي ستصوت للمرة الأولى في الانتخابات الحالية بعد إتمامها 18 عاما، والتي قالت لـ"العربي الجديد" أن: "تبني خطباء مساجد عملية الدعاية لمرشحين، دون معرفة من يكونون، وما هو توجههم لاحقا، يحول دون اختيار المرشح الأفضل للدفاع عن قضايا المجتمع بشكل مستقل، وهي من الأمور البديهية التي ينطلق منها المواطنون في المجتمع الديمقراطي" كما تقول.
وتؤيد ترينا يوهانسن ما ذهبت إليه سوزان، مؤكدة على ضرورة معرفة الناخبين، ما هي برامج الأحزاب والشخصيات المرشحة؟ وكيف سيعملون لصون المصالح المشتركة لمواطني المجتمعات المحلية؟ غير أن الخمسيني الفلسطيني معروف محمد يرى أنه من الطبيعي اختيار من "نراه أقرب إلى مصالحنا، فالمرشح العربي يكون متفهما لطبيعة مشاكلنا أكثر من مرشح دنماركي قد لا يتفهم تفاصيل حاجات التجمعات السكانية من أصول عربية مهاجرة" كما يقول.
مقابل هذا التناقض يرى عضو البرلمان عن حزب المحافظين المثير للجدل بين الدنماركيين والمهاجرين ناصر خضر بأن "المشاركة في الانتخابات بأية طريقة ووسيلة ترشيحا وتصويتا، هي الأهم بين كل هذا الجدل"، موضحا في إفادته لـ"العربي الجديد" أن: "المطلوب من المشاركين في التصويت هو الإيمان بالمشاركة الديمقراطية".
التسابق على أصوات المهاجرين العرب
مع فتح مراكز الاقتراع في محافظات وبلديات الدنمارك، الصغيرة منها والكبيرة في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، بدأ التسابق على أصوات المهاجرين العرب والمسلمين، كما تقول المعلمة وعضو لجان شباب اليسار أميليا هانسن التي تتفهم اختيارات المصوتين لممثليهم، مؤكدة أنه من الطبيعي أن "يصوت مجموعات المجتمع لممثليهم الأقرب"، لكنها ترفض التصويت على أساس عرقي قائلة "أرفض التقوقع من قبل الناخبين والمرشحين، كل في منطقته باعتباره مجتمعا خاصا، بل يجب أن يكون هناك حوار يشمل الجميع لتمثيل ديمقراطي حقيقي"، وهو ما يؤكده الباحث السياسي الدنماركي جون أوسترغوورد، والذي قال لـ"العربي الجديد" بأن "بعض الأحزاب ساهمت في عزوف شباب من أصول مهاجرة عن المشاركة، إذ عمدت إلى سياسات ترشيح الدنماركيين من أصول مهاجرة في مراتب متدنية بقوائمها، مستعملة إياهم كمغناطيس جذب للأصوات ليس إلا".
وتابع: "إن عشرات الآلاف من أصوات المهاجرين تعتبر مكسبا للأحزاب، وخصوصا مع وجود من يمكن أن نصفهم بـ"حزب الكنبة" الدنماركيين والذي يتزايدون أكثر من السابق"، مشيرا إلى أن هذه الانتخابات بمثابة "البروفة" لانتخابات برلمانية طاحنة يمكن أن يتقدم فيها اليمين المتشدد بحسب استطلاعات الرأي المتخصصة والتي ساهم في تحليل نتائجها البرفيسور المختص في العلوم السياسية في جامعة آرهوس يورغن إلكيلت.
اليسار الأقرب للعرب والمسلمين
يشكل المسلمون الدنماركيون كتلة صلبة ويعمدون إلى التصويت للأحزاب اليسارية بنسبة تتجاوز الـ80% من بين المصوتين من بينهم، وفقا لما يؤكده البروفيسور إلكيلت، مرجحا أن يصوت الناخبين المسلمين والمهاجرين ليمين الوسط في حزب فينسترا الليبرالي الحاكم الذي بات يعي أهمية أصوات المهاجرين.
ويتضح من خلفيات مرشحي الأحزاب بأن يسار الوسط، الممثل في الحزب الاجتماعي الديمقراطي، بات الأقرب لأصوات الجالية التركية، سواء في الانتخابات المحلية أو البرلمانية وفقا لنتائج الاستطلاعات الرأي، كما يقول البروفسيور إلكليت، فيما يتجه ناشطون وناخبون من أصول عربية نحو حزب "راديكال فينتسرا" من يسار الوسط، الذي برز في السنوات الأخيرة كمعارض للتشدد الموجه ناحية المسلمين، إلى جانب حزب "أنهيذس ليستا" (اللائحة الموحدة) اليساري المعروف بأنه الأكثر قربا لقضايا الجاليات العربية، وهو ما يؤكده الدنماركي من أصل لبناني أحمد بدور، مشيرا إلى أن مواجهة اليمين المتشدد، يأتي من خلال التصويت لأحزاب تتفهم مصالح المهاجرين العرب والمسلمين.
تحريض على أساس إثني
يلعب اليمين الدنماركي المتشدد، المتمثل في "حزب الشعب الدنماركي"، على وتر الإثنية عبر التحريض على المرشحين والناخبين من أصول مهاجرة باتهامهم بـ"تشكيل مجتمعات موازية لا تعترف بالديمقراطية، ولكن فقط تستغلها للدفع بمرشحين من ديانة معينة" حسبما يقول مقرر شؤون الدمج في البرلمان عن ذات الحزب مارتن هينركسن.
التشدد اليميني المتطرف شهد تطورا خطيرا، بعد أن تلقى زعيم الحزب الوطني الدنماركي أحمد رسالة بريدية متضمنة قرآنا يحوي قطعاً من لحم الخنزير، الأمر الذي ينم عن تقدم للفكر المتطرف كما يقول الناشط الحزبي اليساري في كوبنهاغن توماس بيورن لـ"العربي الجديد".
وعانت الجاليات العربية في الدنمارك تشتتا لأصوات الناخبين في الانتخابات السابقة، حسبما يقول الناشط السياسي الدنماركي من أصل لبناني نبيل معتوق لـ"العربي الجديد".
ويرى معتوق ضرورة الاتفاق على إنجاح مرشحين محددين، مشيرا إلى أن المشاركة الفاعلة ستدفع الأحزاب إلى قراءة التصويت كثقل انتخابي، "ما يجبرهم للقدوم إليك والتحاور حول مصالح الجاليات، وهذا لا يتم إلا من خلال التوجه الكثيف نحو صناديق الاقتراع وعدم المقاطعة كما حدث في البدايات باعتبارها حراما".
ويتفق السوري فواز البني، الذي يحق له اليوم التصويت بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على الإقامة في الدنمارك مع معتوق، مشيرا إلى أن هذا الفعل الديمقراطي يشعره بأهمية الديمقراطية التي خرج الشعب السوري للمطالبة بها ضمن ثورة الباحثة عن الحرية منذ عام 2011، مشيرا إلى أن أعداد السوريين، الذين انضموا مؤخرا إلى بقية الناخبين باتت تغري الأحزاب الذين يبحثون عن كل صوت يمكن أن ينجح مرشحيهم، لكن الأربعيني السوري يامن مسعود يرى أنه من الخطأ المشاركة في الانتخابات الأولى "كسوريين على طريقة انتخابات مجلس الشعب السوري، إذ يطلب بعضهم من الناخبين السوريين منح الأصوات لشخص بعينه، كما يتم الدفع بالتصويت ككتلة واحدة لمرشحين محددين".