هذا الاحتمال تعزز بعد اختيار إليوت أبرامز، أحد مهندسي تلك الحرب آنذاك، ليكون المبعوث الخاص لإدارة ترامب في الأزمة الفنزويلية، ثم بدا في الأيام الأخيرة وكأنه أخذ شحنة من الزخم بعد عدم تجاوب الجيش الفنزويلي مع الدعوة الأميركية للانشقاق عن الرئيس نيكولاس مادورو والانقلاب ضده. تبدّى ذلك في الاحتكاكات الحدودية حول قوافل المساعدات الإنسانية عبر الحدود مع كولومبيا والتي شكك البعض في مقاصدها، مع التحذير من أن يؤدي توجه الإدارة إلى "التحريض على حرب أهلية لا توجد خطة لكيفية وقفها"، كما قال السناتور الديمقراطي كريس مورفي.
كما لفت السناتور والمرشح الرئاسي بيرني ساندرز إلى خطورة "العواقب غير المرئية للتدخل الأميركي"، مشدداً على ضرورة النأي عن قضايا الانتخابات والشؤون الداخلية في فنزويلا "لأن الشعب الفنزويلي مسؤول عنها". وهنا تساءل وبشيء من السخرية: "ماذا عن آخر انتخابات في السعودية؟ لماذا لا يقلق الرئيس ترامب بشأنها؟".
التحذيرات من مغبة التصعيد تواصلت رغم وجود شبه إجماع في واشنطن على إدانة نظام مادورو، وعلى وجوب التحرك لإنقاذ الأوضاع المتردية التي تسبب بها نظامه. لكن غالبية المطالبات في واشنطن تشدد على ضرورة أن تأتي المعالجة بصيغة دولية وليس أميركية منفردة. وكأن هناك ارتياباً من نوايا الإدارة التي رفعت تصعيدها بوتيرة متسارعة في الآونة الأخيرة، خاصة أنه صدرت عنها إشارات تعزز الظن بأن الأمور قد تكون سائرة نحو مواجهة ما.
وزير الخارجية مايك بومبيو لمّح في مقابلاته قبل يومين إلى استعداد الإدارة الأميركية "للقيام بعمل ما"، ولو أنه سارع إلى ربط ذلك بعملية إرسال المساعدات الإنسانية. فالتطورات المتسارعة والصدامات وإن القليلة في مناطق حدودية مع كولومبيا والبرازيل، أثارت تفسيرات وتساؤلات حول الوجهة التي قد تأخذها الأزمة المتفاقمة بين إدارة ترامب والنظام الحاكم في فنزويلا.
وجاءت زيارة مايك بنس، نائب الرئيس، التي بدأها أمس، إلى كولومبيا لتعزز التساؤلات. ذلك أن حدود هذه الأخيرة تحولت، أو في طريقها لتتحول، إلى نقطة انطلاق المواجهة مع نظام مادورو. ولم يكن صدفة أن تتزامن زيارة بنس هذه مع مغادرة ترامب إلى قمة هانوي. الدبلوماسية والسلاسة المتوقعتان في الثانية ولو من غير اختراقات كبيرة، يقابلهما تشدد وهز عصا من جانب بنس في الثانية، فنائب الرئيس صار الناطق بخطاب التصعيد حتى مع الأصدقاء والحلفاء، كما بدا، أخيراً، عبر مشاركته في مؤتمر ميونخ الأمني، "مما أثار عدم ارتياح بومبيو" بحسب معلومات "نيويورك تايمز".
الملف الفنزويلي صار فوق صفيح ساخن؛ ترامب يستند إلى نفور أميركي واسع من نظام مادورو، حتى أكثر من إيران، إذ إن الاتفاق النووي معها لا يزال يحظى بتأييد أوساط أميركية عدة على نقيض الشأن الفنزويلي، ما عدا التحفظات على التدخل المباشر. ومثل هذا التحفظ قد تقوى الإدارة على الالتفاف عليه، إذا اقتضت حساباتها السياسية هذا الأمر.