يلجأ بعض المتسولين في موريتانيا الذين يعرفون بـ"المتسولين المحترفين"، إلى أساليب مختلفة لاستجداء الناس، كأن يشوهوا أجسادهم عمداً أو يدّعون المرض. وفي شهر رمضان، يُكثرون من الحِيَل، مستغلين إقبال المواطنين على مساعدة المحتاجين. وغالباً ما يجد المارة صعوبة في التفريق بين المحتاجين الحقيقيين، وبين من يتخذون من التسوّل وسيلة للحصول على المال.
الخيار الأول بالنسبة إلى المتسولين المحترفين، هو "التمثيل" وتقمّص شخصيات عدة للفوز بالمال. ونادراً ما يخسرون الزبائن، الذين يغيب عن بالهم احتمال أن يكون المتسوّل نصّاباً. يجلس البعض على أرصفة الشوارع، ويتظاهرون بالشلل، فيما لا يتوقف آخرون عن الكلام وإخبار المارة عن قسوة الحياة التي جعلت من التسوّل خيارهم الأخير. كذلك، يستخدمون عبارات على غرار "ليس من عاداتنا مدّ أيدينا لأحد".
وفي السياق نفسه، تروي سعاد بنت الخرشي وهي موظفة في إحدى المستشفيات الحكومية، أنها "في إحدى المرات، صادفت فتاة في موقف للحافلات تطلب من الركاب مساعدتها لإعالة أخواتها اليتيمات. وبطبيعة الحال، لم يتردد أحد في مدها بالمال". تضيف: "بعد أيام، توجهت الفتاة عينها إلى المستشفى وهي تحمل رضيعاً ملأ صراخه المكان. راحت تتنقل بين الناس وتروي لهم قصة طفلها اليتيم الذي لا يكف عن الصراخ بسبب الجوع".
وتتابع سعاد: "حينها لم أحتمل أن يقع غيري ضحيّة هذه المتسولة التي تجيد التمثيل، فطلبت منها الجلوس لترتاح، وهاتفت الشرطة التي تولت التحقيق معها، ووجدت أن لها سوابق في قضايا نصب واحتيال".
بدوره، يلفت الحسن ولد مربيه وهو وسيط تجاري، إلى أنه "وقع ضحية متسوّل محترف حين اقتنع بإصابته بالفشل الكلوي، فبادر إلى مساعدته. وبعد أيام، صادف المتسوّل ذاته يدعي الإصابة بمرض السرطان، ويطلب المساعدة لاستكمال علاجه".
برعاية سماسرة
القصص كثيرة. تختار بعض الفتيات التظاهر بأنهن يتيمات ويرفضن الانحراف، فلجأن إلى التسول. أو تقول نساء أخريات إنهن أرامل يسعين لإطعام أطفالهن بعدما لم يجدن فرص عمل. كذلك، يدعي البعض أنهم سجنوا ظلماً، وقد تم الافراج عنهم لكنهم لا يملكون ثمن بطاقة السفر للذهاب إلى عائلاتهم. حيلة أخرى باتت رائجة بين المتسولين، تتمثل في أن يطلب مجموعة منهم المال من المواطنين للإعداد لجنازة ميّت وهميّ.
يقول الباحث الاجتماعي محمد ولد العابد إن "الشارع بات يعرف حالات تسول جديدة. كأن يعلن متسول أنه تاب عن السرقة وملّ الاعتداء على الناس، وبات يفضل أن يعطيه المواطنون أموالهم عن طيب خاطر، حتى لا يسلبها إياهم بالقوة". ويلفت إلى أن "عالم المتسولين يخضع إلى تدبير محكم، ويرعاه سماسرة على دراية بالمناطق الاستراتيجيّة. حتى أن بعض العصابات التي تحمي المتسولين تتنافس على استغلال الأماكن الأكثر ربحاً".
ويضيف العابد أن "ثمّة أمثلة عدة عن أشخاص ميسورين يملكون عقارات وأراض وورشاً لصناعات تقليدية مربحة، إلا أنهم يتمسكون بالتسوّل الذي كان مصدر رزقهم الأول". ويدعو إلى "محاربة التسوّل الاحترافي الذي يعتمد على استدراج عطف وسخاء المحسنين بادعاء المرض واستغلال الأطفال والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة"، لافتاً إلى أن "هذه الظاهرة باتت مقلقة في المجتمع، نظراً لتزايد عدد المتسولين".
ويرى العابد أن "توعية المجتمع ومساعدة المتسولين على إيجاد عمل، ووضع قوانين لتجريم التسول الاحترافي، جميعها كفيلة بمعالجة هذه الظاهرة".