الترقب النفطي... ارتفاع الأسعار ينعش الكويت وأزمات بالسعودية والبحرين

27 أكتوبر 2018
الإيرادات في الكويت تعتمد على النفط(ياسر الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -
يراهن المتعاملون في أسواق النفط، على أن سعر الخام قد يرتفع إلى 100 دولار للبرميل بحلول 2019، على الرغم من تذبذب الأسعار خلال الأسبوع الماضي، وتحذيرات "أوبك" حول تخمة المعروض. سعر يفيد دول الخليج، خاصة التي تعاني من عجز دفع بعضها إلى الاستدانة.

إذ مع تطبيق الجزء الثاني من العقوبات الأميركية على إيران، مطلع الشهر المقبل، والتي ستطاول إمداداتها النفطية، ومع الاختناقات التي تمنع الخام الأميركي من الوصول إلى السوق، ارتفعت موجة أسعار الخام أخيراً لأعلى مستوى في أربع سنوات. أما الأثر المتوقع، فزيادة الإيرادات النفطية بدول الخليج.

وتشير شركة الاستشارات النفطية الأميركية "إنيرجي أسبكت"، إلى أنه في حال تواصلت اتفاقية خفض الإنتاج بين دول "أوبك" وتلك المنتجة للنفط من خارجها، ستواصل أسعار النفط الارتفاع فوق حاجز 75 دولاراً للبرميل، ليكون نقطة انطلاقة نحو 90 دولاراً، وصولاً إلى 100 دولار في الربع الأول من العام المقبل.

آثار إيجابية على الكويت

ويتأثر الاقتصاد الكويتي بارتفاع أسعار النفط، إذ إن الإيرادات النفطية تشكل نحو أكثر من 92% من الموازنة العامة للدولة.

ويقول مصدر مسؤول في وزارة المالية الكويتية لـ "العربي الجديد"، إن التحسن النسبي الذي شهدته أسعار النفط خلال الآونة الأخيرة، يساعد الموازنة العامة بطبيعة الحال على تقليص العجز بنسبة قد تكون جيدة. لكنه في المقابل، لا يعني على الإطلاق أن الكويت عليها أن تتوقف عن برنامج الإصلاح المالي وإعادة هيكلة التركيبة السكانية والمضي قدماً في إعادة هيكلة الدعم للتأكد من وصوله إلى مستحقيه.

وبحسب بيانات حكومية رسمية صادرة في سبتمبر/ أيلول الماضي، اطلعت عليها "العربي الجديد"، يتبين أن موازنة الكويت حققت خلال شهر أغسطس/ آب الماضي فائضاً يقدر بحوالي 200 مليون دينار (660 مليون دولار) لأول مرة منذ عام 2015، مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة الأخيرة، وملامسته حاجز الـ 80 دولاراً للبرميل الواحد.

ومع استمرار الأسعار عند مستوياتها الحالية، فإن الميزانية قد تستمر في تحقيق الفائض بعد أربع سنوات من العجز. ويذكر أن سعر التعادل (هو السعر الذي يوازن حجم النفقات بالإيرادات)، يقدّر بـ 48 دولاراً للبرميل في الموازنة الحالية 2018/2019.

ويشرح الخبير الاقتصادي أحمد الهارون لـ "العربي الجديد"، أن استمرار الموازنة في جني الفوائض خلال الفترة المقبلة، ومع ارتفاع متوسط أسعار النفط عند 80 دولاراً، سيرفع الكثير من الضغوط الملقاة على عاتق الكويت، التي تواجه مأزقاً حقيقياً لتمويل الموازنة، في ظل عدم استطاعة الحكومة تمرير قانون في البرلمان خاص بعقد القروض الحكومية الخاصة بتمويل الموازنة بغرض الاستدانة.

وقدرت الكويت الإيرادات في موازنتها بنحو 13.3 مليار دينار (43.9 مليار دولار) وإجمالي النفقات المتوقعة يبلغ 19.9 مليار دينار (65.6 مليار دولار). ووضعت الكويت في موازنة 2017/2018 سعرا تقديريا لبرميل النفط يبلغ 45 دولاراً.

يؤكد عبد الله الكندري، أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، لـ "العربي الجديد"، أن بلاده لن تتردد في استكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادي والمالي، التي بدأت عجلتها بالدوران قبل أكثر من ثلاث سنوات من خلال تطبيق وثيقة الإصلاح الحكومية، والتي طورتها وزارة المالية لتتواكب مع المعطيات الحديثة للسوق.

ما يبعد البلاد عن أسواق الدين التي تضغط على الوضع الاقتصادي الكويتي. وذلك، بعدما باعت الكويت سندات دولية بثمانية مليارات دولار في مارس/ آذار 2017، في إطار خططها للسيطرة على عجز الموازنة وإصلاح المالية العامة.

وأصدرت الكويت سندات لأجل خمس سنوات بقيمة 3.5 مليارات دولار بسعر 75 نقطة أساس فوق سعر سندات الخزانة الأميركية. كما أصدرت أيضاً سندات لأجل عشر سنوات بقيمة 4.5 مليارات دولار بسعر مئة نقطة أساس فوق سعر سندات الخزانة الأميركية.

واجتذبت السندات بمجملها طلبات شراء بثلاثة أضعاف المعروض، أي نحو 24 مليار دولار. ويعتبر الإصدار الكويتي هو الثالث في منطقة الخليج من حيث الحجم، بعدما أصدرت السعودية سندات دولية بـ 17.5 مليار دولار، وأصدرت قطر سندات مماثلة بـ 9 مليارات دولار، وكلاهما في العام الماضي.

السعودية... آمال وصعوبات

من جهة أخرى، تعاني السعودية من أوضاع سيئة في ميزانيتها وهو ما أظهرته وزارة المالية السعودية في سبتمبر/ أيلول الماضي عندما أعلنت عن بلوغ عجز موازنتها للعام المقبل 2019، نحو 128 مليار ريال (34.1 مليار دولار)، وصعود الدين العام المستحق عليها بنسبة 17.7%.

ولفتت إلى أن توقعات النفقات من موازنة المملكة للعام المقبل تبلغ 1.106 تريليون ريال (294.9 مليار دولار)، وإجمالي إيرادات للعام المقبل 978 مليار ريال (260.8 مليار دولار)، وهو ما يقضي على آمال التوسع الاقتصادي التي كانت تبنيها المملكة خلال السنوات الماضية، وفق محللين اقتصاديين.

ويقول الخبير الاقتصادي سعود النبهان، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن الاقتصاد السعودي يعيش حالة من التخبط وعدم الاتزان، مبيناً أنه مع تأجيل غير محدد المدة لطرح أسهم "أرامكو" للاكتتاب العام، تجد السعودية نفسها أمام تحديات توفير مصادر أخرى لتمويل صندوق الاستثمارات العامة الذي يشكل حجر الأساس في خطتها لتنويع الاقتصاد، والتي أصبحت على المحك.

وكانت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني قالت مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، إن تأجيل الاكتتاب العام يعني ضمناً أن التنويع الاقتصادي الذي تريده الحكومة سيحتاج إما إلى تقليص أو إلى تمويل عن طريق الاقتراض. وارتفعت حدة الأزمات، بعد جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، وما استتبع ذلك من مقاطعة دولية لأبرز مؤتمر استثماري تطلقه السعودية "دافوس في الصحراء"، وتوسع الشكوك باستمرار تدفق الاستثمارات إلى الرياض.

وتلفت نورا بركات الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الخليجية والعربية في واشنطن، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إلى أن الاقتصاد السعودي لن يتأثر كثيراً بارتفاع أسعار النفط نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها حالياً.

وتضيف بركات أن المملكة تعاني من التخبط والعشوائية في القرارين الاقتصادي والسياسي، وهو ما يثير قلق المستثمرين ويضعف الثقة بالاقتصاد السعودي وفي صانع القرار وفي قابلية السياسات الاقتصادية للاستدامة والاستمرار، وهو ما سينعكس على الوضع الاقتصادي للسعودية خلال الفترة المقبلة، خاصة أن جارتها دولة البحرين لديها أزمة اقتصادية وتحتاج إلى دعم سعودي واسع.

وضع متدهور في البحرين

لا يخفى على أحد الوضع الاقتصادي المتدهور التي تعيشه البحرين منذ عام 2014، حين انهارت أسعار النفط، إذ انكمشت العائدات الرئيسية للمملكة واضطرت للتوسع في الاقتراض لسد العجز في ميزانيتها.

مع الأخذ في الاعتبار أن البحرين تفتقر أصلا إلى الموارد النفطية والمالية الوفيرة التي يتمتع بها جيرانها في منطقة الخليج، وسط خشيتها من تنفيذ أي برنامج تقشفي بسبب المعارضة الشعبية. وتحتاج البحرين ما يزيد عن 20 مليار دولار لسداد مديونيتها الآخذة بالتزايد.

ويشير أحمد الراوي، مدير عام المركز الدولي للدراسات الاقتصادية بالكويت، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن ارتفاع أسعار النفط لن يحرك أو يغير الكثير في اقتصاد البحرين الذي يعاني من أزمة مالية صعبة، وإنما عليها تطبيق إجراءات تقشفية وضبط الهدر للخروج من المأزق.
المساهمون