تذهب الكتابات التي تُعلّق على واقع الترجمة ومخرجاتها عربياً إلى إطلاق انطباعات عابرة حول النصوص المنقولة من لغات أخرى؛ إيجاباً وسلباً، أو الإشارة المزمنة إلى ضعف حركة الترجمة قياساً بثقافات أخرى تصدر عشرات أضعاف ما يُنتجه العرب، وإلى عدم وجود مشروع حقيقي ضمن رؤية تضمن تفاعلنا مع ما يستجدّ من معارف وعلوم وتقنيات.
قضايا عديدة تُطرح عبر الصحافة الثقافية أو في ملتقيات الترجمة التي تُعدّ على عجلٍ وتُركن توصياتها في الأدراج، من دون التفكير بأدوات ومعايير يُمكن من خلالها تقييم المشهد بصورة كليّة، وتحديد قيمة ما يتمّ ترجمته من أعمال أدبية وفلسفية وعلمية وغيرها، ما يُلزمنا الإجابة عن سؤال: هل لدينا نقد علمي وموضوعي للترجمة؟
وهنا ينبغي التذكير أن نقد الترجمات لم يعد يرتبط بالنقد ونظريات الترجمة كما كان سابقاً، عبر الحديث عن تكافؤ النصّين (المُترجم والأصل) على مستوى اللغة والمعنى والدلالة والسياق والأسلوب وحياد المترجم فحسب؛ إنما يتطلّب معرفة واطلاعاً كافييْن على مجمل التحوّلات والتغيرّات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي ينتمي إليها النص الذي يراد نقله وموقعه في سياقها الأدبي أو التاريخي أو الفكري، وإلاً بقينا نترجم "حدوتة" الرواية لا نصّها، و"فحوى" الشعر لا جوهره، و"تنظيراً مجرّداً" لا بوصفه جزءاً من مشهد فلسفي أو فكري كلّي، و"مختارات سردية أو شعرية" تعكس صورة مجزؤة عن ثقافة شعب أو منطقة ما، وهكذا.
الأخطاء الكبرى التي رافقت ترجمة الكتابات التي تُنظّر لـ"الشعر الحر"، و"شعر التفعيلة"، و"قصيدة النثر" ترتبط أساساً بجهل معرفي واضح، حيث كانت الأكاديميات والجامعات العربية بأساتذتها وباحثيها مغيّبة عما يُنتج من إبداع وفكر وعلوم في الغرب وفي العالم كلّه، لذلك جاءت ترجمة "الحداثة الشعرية" في منتصف القرن الفائت قاصرةً في الفهم والتلقّي وسبّبت خللاً والتباسات، وعلى مستوى كتابة الشعر ونقده في العالم العربي لا تزال سارية إلى اليوم.
الحال نفسها تنطبق على مجالات أخرى، إذ تراكمت ثغرات في تلقّي كتابات فلسفية وفكرية أساسية ومؤثّرة في واقعنا الراهن، كما جرى في ترجمات فرويد وسارتر وشترواس وماركس ورولان بارت وغيرهم، أو كما جرى في مرّات عديدة حين نُقِل إلى العربية كتاب أو أثر لفيلسوف أوروبي نتيجة عشوائية في الاختيار أو استسهال للترجمة وأُهملت بقية آثاره ما أنتج قراءةً مجزوءة لمشروعه، مثلما حصل مع الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر الذي حُصر بأعماله الوجودية وتأخرّ نقل مشروعه عقوداً ثلاثة، ناهيك عن إخفاق ترجمات كثيرة بفعل نقلها عبر لغات وسيطة.
نقد الترجمة يستدعي العودة إلى أحد أدوار الجامعة التي اشتقّ اسمها باللاتيني منه وهو تعميم المعرفة الحديثة، بدلاً من اللهاث وراء معارف متفرقّة من دون رؤية أو أهداف محدّدة.