أسئلة، وقراءة لمناهج تعليمية لا يزال بعضها يُدرَّس، وأخرى طوى الزمان صفحاتها بعدما ثارت عليها "نزعة التقاليد والأعراف"، إلا أن ذلك لم يمنع "العربي الجديد"، من إعادة طرق العديد من الأبواب للوصول إلى أفكار يمكن أن تعزز من أهمية المناهج التعليمية في التوعية الجنسية، شريطة أن تكون هناك حالة من التكاملية ما بين "المنهاج والمدرس والبيئة الحاضنة".
اقرأ أيضا:دليل الإجابة على أسئلة أبنائنا الجنسية
يتبادر إلى الذهن دوماً توقيت وكيفية طرح الثقافة الجنسية في المناهج التعليمية خوفاً من أن يؤدي الاجتهاد في اختيارهما إلى خلق حالة عكسية، وهو ما يعززه الدكتور سهيل صالحة، أستاذ المناهج وطرق التدريس في جامعة النجاح بالضفة الغربية، من خلال حديثه عن بعض المحددات في هذا الإطار.
يقول صالحة لـ"العربي الجديد"، إن المحدد الأول في توقيت طرح هذا الموضوع يتطلب أن يكون في مرحلة "مبكرة لدى الأطفال لخلق حالة من الوعي بالنوع الاجتماعي، وتغيير الصورة النمطية المألوفة عن مصطلحي الجنس والغريزة، فالعملية المعرفية تمر بحالة من البناء منذ السنوات الأولى لعمر الطفل ونظرته لمفهوم الحياة التي تجمع الذكر والأنثى، وهي مرحلة لا يتطلب الخوض فيها للحديث عن التركيبة الفسيولوجية للجسم وإنما في تنمية الحالة الثقافية للمجتمع".
ويضيف بالقول، قد يكون من الصعب اختيار سن معينة، لكن هناك حالة تعليمية توازي كل مرحلة عمرية، قد يختلف المسؤول عن تقديم التوجيه فيها، فمثلا المراحل الأولى للطفل تكون الأسرة، ومن ثم الأسرة والمدرسة والمجتمع، ومن ثم المدرسة والأسرة والمجتمع والشخص ذاته من خلال البحث والاطلاع بالإضافة إلى الوسائل المعرفية الأخرى، سواء الإعلام أو الكتب والمجلات والشبكة العنكبوتية.
لذا يرى الدكتور صالحة، إن توضيح الاختلافات البيولوجية، وعرض الخصائص النمائية المرافقة لكل مرحلة تطور يتطلب إيجاد منهج تعليمي ينطلق من الأسرة ولا ينتهي بالمدرسة.
الدكتور عيسى الحسنات، أستاذ المناهج وأساليب التدريس بالجامعة العربية المفتوحة فرع الأردن، يرى بدوره أن تعليم الثقافة الجنسية ينطلق من وعينا للمفهوم الذي يتمثل في "اكتساب معلومات وتشكيل اتجاهات واعتقادات حول الجنس والهوية الجنسية والعلاقات العاطفية، وتطوير مهارات الأفراد حتى يحصلوا على معلومات صحيحة تساعدهم على حماية أنفسهم ضد الاستغلال والاغتصاب والعلاقات غير المشروعة والأمراض المنقولة جنسيًا".
فالتَّربية الجنسيَّة، كما يوضحها الحسنات في حديثه لـ"العربي الجديد"، لا يقصد بها تعْليم الجنس؛ بل توجيه كلا الجِنْسَين من منظور ديني وأخلاقي نحوَ المسائل الجنسيَّة، والتغيُّرات الجسميَّة التي يُفاجأ بها الأبناء والبنات، والابتعاد عن التعلُّم الاعتباطي الكيْفي، أو التَّجارب الخاطِئة التي يقع فيها أوْلادنا".
الأصالة والمحاكاة
الدكتور مسعود صبري، الباحث في الموسوعة الفقهية، ومدرّس الشريعة في جامعة الكويت، يستعرض بدوره ضرورة التفريق ما بين "أصالة المناهج التعليمية التي يجب أن تدرس في مدارسنا العربية، وما بين محاكاة المناهج التعليمية المستقاة من الثقافة الغربية".
ويوضح صبري، أن حاجة طلاب المدارس والجامعات إلى معرفة الثقافة الجنسية لا تعني استيراد الطريقة الغربية في تعلم الأمور الجنسية، لطبيعة الاختلاف في ثقافة المجتمعات؛ فمثلا المجتمعات الغربية تنظر إلى ممارسة الجنس على أنه سلوك غير ممنوع ولا مجرَّم.
ويتابع حديثه مع "العربي الجديد" بالقول: في مجتمعاتنا لدينا عناية بالتربية الجنسية من خلال تدريس بعض أبواب الفقه، وإن لم تُسمّ بالتربية الجنسية، والحق أن المناهج الدينية في المعاهد والجامعات الدينية كالأزهر في مصر، والزيتونة في تونس، والجامعات الشرعية في المملكة العربية السعودية والمغرب وغيرها تدرّس الثقافة الجنسية.
اقرأ أيضا:احذر حمامات المدارس!
ويستدرك بالقول، إلا أن هذه المعلومات لا تتوفر في مناهج التربية والتعليم المدرسية، وبالتالي لو زادت جرعة الثقافة الدينية في مناهج التعليم في ما يتعلق بالأسرة والعلاقة بين الرجل والمرأة من منظور ديني حتى تكون الثقافة الجنسية جزءا منه لكان أفضل وأولى.
ما يطرحه صبري، يعززه الدكتور صالحة، الذي يضرب مثالا عما ضمّنته وزارة التربية والتعليم الفلسطينية حول قضايا التربية الجنسية في الدليل المرجعي لكتاب التربية السكانية، وهذا ما منح التربية الجنسية أبعاداً أوسع ومجالات ذات صلة بحياة المتعلمين، إلاّ أن ترجمة ما تضمنه الدليل المرجعي في التربية السكانية لم تكن واضحة وممنهجة في الكتب المدرسية.
ويرى صبري أن مرحلة تأهيل الأسر في المجتمعات العربية يمكن أن تبدأ بتقديم مسار تدريسي في الجامعات عن تكوين الأسرة وكيفية اكتساب مهارات الزوجية والأبوة والأمومة، وكيف نؤهل الشباب ليكونوا أزواجا وآباء، فتدخل التربية الجنسية ضمن إطار عام هو إطار الأسرة"، وهذا من شأنه أن يوجد لبنة أساسية لأسرة تقوم على المعرفة تمهد لنشر حالة وعي مجتمعية حول الثقافة الجنسية.
حالة عدم نضج
حالة عدم النضج في المناهج التعليمية العربية، استعرضها الأستاذ محمد الأغبر، أستاذ الثقافة الإسلامية في فلسطين، الذي يرى أن هناك إشكالية مركبة في ما يخص المناهج التعليمية وتتكون من شقين؛ الأول في المناهج ذاتها، ذلك أن التعريج على الثقافة الجنسية في مناهجنا لا يخضع لأسس متكاملة، وإنما يبدو حالة تجريبية أكثر منها منهجية متكاملة، كما أن ما يطرح لا يتناغم والمستويات العمرية التي تقدم له.
ويضيف في هذا الإطار بالقول، هناك تعريج في جزئيات من كتب الثقافة الإسلامية، وكذلك جزئيات في كتاب الصحة والبيئة، وقبلها كان هناك كتاب التربية السكانية، وجميع هذه الكتب تتناول الثقافة الجنسية من مناظير وجزئيات مختلفة، إلا أنها لا تقدم المضمون المتكامل المبني على منهج واضح.
أما الشق الثاني، وفقا لما يراه الأغبر في حديثه لـ"العربي الجديد"، فهو يتمثل في تهيئة الكادر التدريسي لهذه الموضوعات، وهنا يشير إلى أن مادة الصحة والبيئة تعتبر في المنهاج الفلسطيني مثلا كأنها مادة مكملة وليست أساسية، وبالتالي يدرسها المدرسون من مختلف التخصصات، وليسوا مدرسين متخصصين، وهو ما يعني تقديم المعلومات من قبل المدرس وفقا لتجربته الشخصية، وليس من مبدأ التخصص.
ما طرحة الأغبر، يؤكد عليه أستاذ المناهج وأساليب التدريس في الجامعة العربية المفتوحة فرع الأردن، عيسى الحسنات، خاصة في ما يتعلق بوجود منهج متكامل في الثقافة الجنسية، حيث يرى أن ما هو موجود حتى الآن عبارة عن محاولات تتناثر بين دفات الكتب في مجال التربية الإسلامية، والعلوم واللغة العربيّة (درس مرض الإيدز مثلا في مناهج اللغة العربية في الأردن)، وتأتي في سياق ديني أو علمي.
ويضيف الحسنات أن تضمين كتب التربية الإسلامية والعلوم أو المواد الأخرى التربية الجنسية فكرة جيدة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ولكن يفترض أن تكون هناك خطوط عريضة لهذه التربية، ويتم فيها توزيع الموضوعات والمواد التي ستظهر فيها بشكل متتابع أفقيًّا ورأسيًّا، وليس بحالة عشوائية، وكذلك يفترض وضع خطة إرشادية من قبل المرشدين والمرشدات تتناغم والمضمون الذي تقدمه المناهج".
التقاليد والحاجز المعرفي
لا يمكن أن تُعزل العملية التعليمية عن التقاليد والأعراف والثقافة المجتمعية، هكذا لخص الدكتور سهيل صالحة إجابته حول تأثير التقاليد على أداء المعلمين وتطوير المناهج في ما يخص الثقافة الجنسية.
ويرى صالحة أن المناهج تعتمد على المعلمين بصورة رئيسية في تناول تلك الموضوعات، فمهما كانت أهمية قضايا التربية الجنسية، إلاّ أننا مجتمع محافظ إلى حد كبير، وبالتالي لا يَجدر الانتقال الدراماتيكي بين تناول هذه الموضوعات بشكل مباشر وواضح في المناهج والكتب المدرسية، وبين التزام المجتمع بتقاليده وأعرافه.
بدوره، يرجع الباحث التربوي المصري، ياسر محمود، إهمال التربية الجنسية وعدم إدراجها في معظم مناهج التعليم العربية، وخاصة في المناهج المصرية، إلى أنه يأتي ضمن الفلسفة العامة التي ينصب اهتمامها على حشو عقول الطلاب بالجانب المعرفي فقط، وتجاهل العملية التربوية الأوسع، والتي من أهم خصائصها العناية ببناء جوانب الشخصية المختلفة بشكل شامل ومتوازن.
ويشير في حديثه لـ" العربي الجديد"، إلى دور العادات والتقاليد التي تسود معظم الدول العربية في الوقوف عائقا أمام الاهتمام بعملية التربية الجنسية، إذ يعتبر الكثيرون أن الحديث حول الجنس من الأمور غير اللائقة التي يجب تجنبها بشكل عام وأمام الأبناء بشكل خاص.
ويعزز الباحث التربوي ياسر محمود رؤيته في هذا الإطار بما صرح به المستشار الإعلامي لوزارة التربية والتعليم المصرية، بشير حسن، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 قائلا: "إن الدعوات المطالبة بدخول الثقافة الجنسية إلى المدارس ضد قيم وعادات وتقاليد المجتمع المصري"، ويضيف مستنكرا الدعوات التي تنادي بإدراج التربية الجنسية ضمن المناهج: "هل تقبل أمّ أن تكون ابنتها في الإعدادية أو الثانوية تستمع إلى معلومات عن الجنس؟".
من الرفض إلى المساندة
وفي كيفية تخطي هذا الحاجز، يرى الدكتور صالحة أن أفضل خطوة تأتي في توعية الأهل (الأب والأم) على وجه التحديد من قبل المعلمين، وتستمد هذه التوعية أهميتها من تناغم دور المدرسة مع تقاليد المجتمع من أجل تغييرها وممارستها مع الأبناء بالشكل العلمي الصحي السليم، ففي مرحلة حرجة يلجأ الابن لأبيه والبنت لأمها من أجل الحصول على إجابات بشأن تغيرات جسمية، وهنا تبدأ معتقدات الوالدين تؤثر على تعامل الأبناء مع التغييرات الجسمية.
هذا الطرح يوافقه، الباحث التربوي والمرشد النفسي سامي صنوبر، الذي عمل لأعوام عدة ضمن برامج الدعم الإرشادية مع مؤسسات دولية ومحلية فلسطينية، حيث يقدم حصيلة خبرته في هذا المجال من خلال خطوات عملية يمكن من خلالها تحويل المجتمع إلى جهة مساندة في تعزيز الثقافة الجنسية لأبنائهم عبر المناهج التعليمية.
ويرى صنوبر في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن تحويل المجتمعات من رافضة إلى مساندة تتطلب المرور بثلاث مراحل، أولها مرحلة التعريف، وبهذه الخطوة يتم الجلوس إلى الآباء والأمهات وتقديم الرؤية التي يمكن من خلالها تقبل فكرة تقديم الإرشاد لأبنائهم في ما يخص الثقافة الجنسية وحمايتهم من الاستغلال الجنسي.
أما الخطوة الثانية، كما يوضحها صنوبر، فتتمثل في توعية العائلات والأطفال، وذلك من خلال النشاطات اللامنهجية والتي تلعب من خلالها مؤسسات المجتمع المدني دوراً مهماً في تقديم المعرفة عبر المرشدين الاجتماعيين والنفسيين حتى تستطيع المجتمعات تقبل ما يمكن أن يطرح على أطفالها، وكذلك توعية الأطفال بهذه الثقافة التي يمكن أن يتم تقبلها في المدارس.
أما الخطوة الثالثة، فتتمثل في حملة "الدعم والمناصرة، لتعزيز أهمية وجود مناهج التثقيف الجنسية في المجتمعات العربية، وهذه يمكن أن تشكل حالة تشاركية بين عدة قطاعات في المجتمع، إذ يقوم كل قطاع بدوره، وهذا من شأنه أن يعزز المفهوم الوطني في حالة التثقيف الجنسي وينزع المفهوم "الغربي" الذي ترى فيه المجتمعات العربية محاولة لفرض الرؤية الغربية على الثقافة العربية المحافظة.
خطوات التثقيف الجنسي بالمدارس
أولاً: تصميم مصفوفة موضوعات التربية الجنسية وفق المراحل العمرية، بحيث يظهر تطور الموضوع بشكل يراعي المرحلة العمرية، ويتكيف مع متطلباتها السيكولوجية والنفسية.
ثانياً: عمق الموضوع؛ وهذا يمكن أن يشكل حالة من الوعي لطبيعة المعلومة التي تقدم وإلى أي درجة سيتم تناول الموضوع عند طرحه، ففي كل مرحلة يمكن أن يطرح المضمون وفق عمق معين يمكن استيعابه.
ثالثاً: تحديد الأنشطة المرافقة لتعليم الموضوعات، وهذا الأمر يجعل المادة المعرفية المقدمة غير مجردة، وإنما تقدم من خلال أنشطة توضيحية تبسطها، وتجعل المتلقي يضعها في نطاقها السليم وعدم فتح باب الافتراضات الخيالية.
رابعاً: تدريب المعلمين على تدريس موضوعات التربية الجنسية، وذلك من خلال عقد ورش العمل، وتقديم التدريبات اللازمة بالتنسيق مع مرشدين تربويين ونفسيين، وكذلك التعرف على احتمالات ردود الفعل التي قد تواجههم أثناء تقديم المعلومات، إلى جانب كيفية اختيار المداخل السليمة.
خامساً: بناء الأدوات اللازمة لتقويم فهم الطلبة لموضوعات التربية الجنسية.
سادساً: وضع آليات يمكن من خلالها تمهيد الأهل في المجتمعات المحافظة لتقبل المناهج التعليمية في الثقافة الجنسية وذلك من خلال التدريب والتوعية، وعمل دليل يخص الأهل لإرشاد الأبناء في التربية الجنسية، والتواصل المستمر بين الأهل والمدرسة.
اقرأ أيضا:كيف اكتشف تعرض أطفالي للتحرش؟