وهذا الأمر يعتبر من التحديات التي تواجه المعلم في إيصال أهمية التربية البدنية للطالب الذي اعتاد على اللعب في "حصة الرياضة"، فغياب الثقافة التربوية البدنية التي لا تنفصل عن الفعاليات الرياضية عقبة في تطوير المفهوم في الوطن العربي، فهي جذع مشترك واحد وهي الحركة الهادفة التي تربي الإنسان تربية بدنية شاملة ومتزنة في كافة النواحي البدنية والعقلية والنفسية والتربوية.
تحديات ومعوقات
وفي هذا الشأن، كان لـ"العربي الجديد" حديث مع معلم التربية البدنية مصعب مهيدات، لسؤاله عن التحديات والمعوقات التي تواجهه كمعلم. يقول مهيدات إن تخصص التربية الرياضية سابقاً كان محصوراً في إشغال وظائف في التربية والتعليم فقط (معلم)، أما اليوم فتطور التخصص ليصبح (تربية بدنية ورياضية)، ويستطيع الخريج أن يعمل في نوادٍ رياضية كمدرب ومعلم في وزارة التربية والتعليم، وأصبح التخصص بمجالاته الوظيفية أوسع وأفضل مما كان عليه،
ولكن ما زالت التحديات التي نواجهها كمعلمين في المدارس الحكومية بشكل خاص كثيرة، ومنها عدد حصص الرياضة التي تُفرغ في الخطة الدراسية والتي لا تتجاوز الحصة الواحدة فقط في الأسبوع لكل صف، وهذا الأمر غير فعال في تطبيق البرنامج الرياضي الذي يعتمد على "الوحدات" والذي يتطلب تفريغ ثلاث حصص أسبوعية لكل صف، أي ما يعادل ثلاث ساعات لكل وحدة تدريبية، لشرح وتعريف وتطبيق المهارات الرياضية لكل وحدة، فمن الصعب أن أقوم كمعلم أو مدرب بتعليم الطالب مهارة كرة السلة في حصة أسبوعية؟
ويستطرد قائلاً: من الأمور التي واجهتني في إحدى الحصص أن الطلاب لم يفرقوا بين كرة السلة وكرة القدم. ويُكمل إن عدد الطلاب المتواجدين في الصف الواحد يفوق 43 طالبا، وهذا بحد ذاته تحد لنا، فلا نستطيع ضبط وتطبيق الوحدة التمرينية على هكذا عدد، بينما من الأنجع لكي يستفيد الطلبة أن يكون عددهم في كل حصة رياضية 15 طالبا فقط لتحقيق الفائدة المرجوة لهم.
كما أن هناك شحٌ في البنية التحتية، من ملاعب وأدوات ومساحات ومناطق أمان، التي تتطلبها مواصفات الوحدة البدنية، ومن هنا كيف أستطيع أن أدرب 50 طالبا في ساحة غير مجهزة ومساحتها لا تتعدى الأربعة أمتار؟
المحترفون الرياضيون
وبسؤاله عن البطل الأولمبي في رياضة التايكواندو أحمد أبو غوش وحرمانه من فصل كامل في الجامعة الأردنية على أثر تغيبه عن محاضراته بسبب تدريباته ومشاركاته الأولمبية، يقول مهيدات: الجامعة الأردنية تسمح بمعدل 15% تغيب عن المواد وبعد ذلك يُحرم الطالب من المادة.
وفي حالة أبو غوش، سمحت الجامعة الأردنية بـ25% له بالتغيب، وقد تجاوز أبو غوش الحد المتفق عليه نظراً لتدريباته الصباحية والمسائية، وكان هنالك تقصير في التنسيق بين الطرفين، علماً أنني أؤمن بأن الرياضيين المحترفين في الوطن العربي محترفون بالفطرة وليس بجهد تعليمي أو أكاديمي، فإذا نظرنا إلى دول أوروبا وأميركا فهم يخصصون للطلبة المتميزين في الرياضة أستاذا جامعيا خاصا يذهب إليهم لمنازلهم لمتابعة تدريباتهم، ويقومون بتفريغ الطالب خاصةً إذا كان "بطلا أولمبيا"، لذا أعتقد أن قضية أبو غوش ليست عادلة، حيث إن مفهوم الدعم للرياضيين مختلف تماماً عن دول الغرب.
وبسؤاله عن الجهة المسؤولة عن فقر الدعم الثقافي والمعنوي والبنيوي للتربية الرياضية، يقول مهيدات: إن الثقافة تبدأ بالبيت وتنمّى في المدارس وتنتهي عند رئاسة الجامعات التي من الأولى أن تشجع الطالب المتميز، وتطالب بمنح رياضية له ودعم مادي ومعنوي لتحقيق مهاراته.
وبالختام، يقول مهيدات إنه لتحقيق ثقافة التربية البدنية نحن بحاجة إلى وعي مجتمعي بأهميتها وإلى دعم مؤسساتي للبنى التحتية وتطبيق مناهج موجودة بالأصل لدى وزارة التربية والتعليم.
حصة واحدة
أما مديرة إحدى المدارس الخاصة في عمان، تمارا الزبن، فتقول لـ"العربي الجديد": التربية البدنية والرياضية لم تأخذ حقها في نصاب الحصص، حيث إنهم كمدرسة خاصة يفرغون حصتين فقط لكل صف من الصفوف الثلاثة إلى الصفوف العليا، أما الصفوف الأولى فتخصص لهم حصة واحدة أسبوعية.
وتكمل الزبن حديثها بأنهم ليسوا مغيبين عن أهمية التربية البدنية والرياضية ولكنهم يولون اهتماماً أكبر للحصص الدراسية، حيث إن مستقبل الطالب يكمن في تخصصه العلمي وليس ببراعته بالرياضة.
وتضيف الزبن أنهم كمدرسة خاصة ذات إمكانيات مالية محدودة لا يملكون القدرة المالية لبناء ملاعب ومسابح وتوظيف مدربين وذوي اختصاص لتدريب الطلبة وتعليمهم، حيث إن الأهالي يعترضون على أي كلفة إضافية على القسط المدرسي، ونكتفي بالأنشطة اللامنهجية، مثل المسرح والشعر وبعض الألعاب الرياضية البسيطة، ضمن المقبول للكلفة الخاصة بالدراسة، ونقوم بإشراكهم في مسابقات رياضية كجائزة الملك عبدالله.
وتستطرد قائلة إن في الأردن مدارس كثيرة وذات إمكانيات مالية عالية تملك جميع مقومات البنية التحتية لإنشاء الملاعب والمسابح وتعزز المفهوم التربوي البدني لأنها تملك القدرة المالية لذلك، ولا يتضرر الأهالي من زيادة كلفة التعليم.
أما والدة إحدى الطالبات، السيدة نهى الدعجة، فتقول لـ"العربي الجديد"، إنها تعوض غياب التربية البدنية والرياضية في المدرسة لأبنائها من خلال الاشتراك في نوادي سباحة ورقص الزومبا، في محاولةٍ منها لجعل أبنائها دائمي النشاط والحيوية، وذلك بالطبع ضمن "ميزانية" العائلة.