التراويح في المغرب ... نفحات إيمانية وسلوكيات مسيئة
الرباط
العربي الجديد
تتعلق أفئدة المغاربة بصلاة التراويح أداء ومواظبة واهتماماً أكثر من أي شيء آخر في شهر رمضان الفضيل. وتمتلئ المساجد والمصليات بملايين المصلين، ويقصد كثيرون مساجد يؤم فيها قراء معروفون بأصواتهم الحسنة. لكن أجواء الإيمان تعكرها بعض السلوكيات المسيئة لأجواء الصلاة والخشوع.
وتستقطب آلاف المساجد في مدن وبوادي المغرب ملايين المصلين منذ أول ليلة في رمضان لأداء التراويح. وتتدفق إليها أمواج بشرية هائلة، في مشاهد وصفها عديدون بأنها "تقشعر لها الأبدان" نحو بيوت الله لتأدية هذه السنّة المؤكدة. إذ عُرف المغاربة بحرصهم على التمسك بهذه الصلاة، تحديداً في الشهر الكريم.
ويقول حسن حميسة، وهو متقاعد وأب لأربعة أبناء، لـ "العربي الجديد"، إنه دأب طوال شهر رمضان على اصطحاب زوجته وأولاده إلى أحد المساجد البعيدة عن مسكنه، للاستماع إلى إمام قارئ معروف بصوته الرخيم، كما تطيب لهم الصلاة خلفه تحسباً للأجر وطلباً للخشوع.
ويشير إلى أن صلاة التراويح بالنسبة إليه باتت أمراً مقدساً لا يتعين التأخر عنه، على الرغم من الكثير من المشاغل والمغريات التي تقف أمام أفراد أسرته، من قبيل البرامج الرمضانية التي تغري بالجلوس في المنزل. ولفت إلى أنه كان يصرّ على مرافقة أسرته كلها إلى المسجد لحضور الخير في صلاة التراويح.
ويشتهر أئمة شبان في المغرب بأصواتهم العذبة، ويصلي خلفهم آلاف المصلين كل ليلة في التراويح. ومن بينهم القارئ عمر القزابري الذي التصق اسمه بالمسجد الضخم الحسن الثاني بالدار البيضاء، لكن وعكة صحية هذا العام منعته من الإمامة بالصلاة. وهناك عبد الرحيم النابولسي إمام أحد مساجد مراكش، والعيون الكوشي في الدار البيضاء، وعبد العزيز الكرعاني، وغيرهم من القراء المشاهير.
وفي مدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط، ينتصب أحد أكبر المصليات في البلاد، وهو مصلى حيّ الانبعاث، يمتد على مساحة شاسعة ويضم مكاناً للرجال وآخر للنساء. ويبدأ بإعداد المصلى شباب إحدى الجمعيات قبل شهر من حلول رمضان، كذلك يدلف إليه كل ليلة آلاف المصلين، ويحقق رقماً قياسياً بعدد المصلين في العشر الأواخر من الشهر الكريم.
أحد المشرفين على مصلى الانبعاث قال لـ "العربي الجديد" إن السبب وراء شهرة المصلى وجذبه مئات المصلين كل ليلة هو التنظيم المحكم من طرف الشباب المتطوع، ووجود خيرة القراء الشباب الذين يتناوبون على الإمامة بالناس، والذين منّ الله عليهم بأصوات حسنة تحدث السكينة والخشوع في النفوس.
ورأى الخبير في الشأن الديني الدكتور إدريس الكنبوري، في تصريح لـ "العربي الجديد"، "أن الإقبال على صلاة التراويح في رمضان أصبح عادة اجتماعية وطقساً دينياً"، مورداً أن "الإقبال على المساجد يزيد عشر مرات في هذا الشهر، فمثلاً مساجد الرباط لا تكاد تجمع سوى 4 أو 5 صفوف من المصلين، ويبقى المسجد شبه فارغ، خصوصاً في صلاة الصبح، لكن في رمضان تمتلئ المساجد كلها، بما في ذلك ساحاتها الخارجية، والشوارع القريبة".
وتابع الكنبوري "كما المبالغة في الإقبال على الأكل والشرب والملذات في رمضان، كذلك الإقبال على المساجد، فهو شهر انفجار اللاوعي الفردي والجماعي، وشهر انفجار التناقضات".
لكنه تساءل مستنكراً "إذا كان مئات الآلاف يقبلون على المساجد للتعبد في رمضان، وأداء صلاة التراويح والإنصات للقرآن، وغالبيتهم موظفون ومسؤولون وعاملون، فلماذا لا يزال الفساد ينخر جميع القطاعات في البلاد؟".
واعتبر أن الفساد يظهر في سلوكيات عدد من المصلين خلال التراويح، لا سيما في مساجد ومصليات النساء، حيث تكثر ظواهر سلبية مسيئة، وتخدش روحانية ليالي رمضان وصلاة التراويح.
عن تلك المظاهر المسيئة، قالت الحاجة ربيعة لـ"العربي الجديد" إن "المصلى الخاص بالنساء خلال ليالي رمضان يزدحم بأعداد تفوق سعة المكان، ما يؤدي إلى حدوث ضجيج وجلبة وصراخ أحياناً كثيرة، وكل واحدة تنشد مكاناً قريباً ومريحاً، لتحصل الاصطدامات بين المصليات". وتابعت "إن كثيرات منهن يجلبن معهن أطفالاً صغاراً لم يصلوا بعد إلى السن الواجبة للصلاة، فيتحول المكان إلى شبه حضانة يكثر فيه الصراخ والبكاء والعويل بين الأطفال والمواليد الجدد أحياناً".
وأوضح الواعظ الديني إبراهيم بن الكراب، لـ "العربي الجديد"، أن "حضور الأطفال صلاة التراويح يعتبر أمراً محمودا ومحبذاً، شرط أن يكون الطفل مدركاً ومميزاً، وألا يسبب حضوره فتنة أكثر لأمه وللمصليات اللائي يجاورنها في المسجد". وتابع "إحضار أطفال صغار ورضع إلى المساجد والمصليات ليس سلوكاً محموداً، وقد يؤذي مشاعر وحرمة المكان، بل يُفقد المصلين الخشوع للصلاة ويُذهب برونق التراويح"، معتبراً أن "المسؤولية تتحملها الأم باعتبار أنه يصعب على المشرفين على المصليات فرض عدم إحضار الصغار، إلا من باب الوعظ والتوجيه فقط".