التراث الفلسطيني وصراع البقاء

29 يناير 2015
+ الخط -

لا يختلف اثنان على أن تحرير الأرض والمقدسات لا يأتي إلا من خلال القوة وفوهة البندقية، وأن من دونهما لا يمكن استرجاع ما سلب بغير حق في عامي 1948 و1967، وما يسلب، الآن، من أيدينا المكبلة بفعل صمت عربي ودولي صارخ.
لكن، مع مرور الأيام، ومع اتضاح حجم التواطؤ العربي الغربي مع العدو الصهيوني، وما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون في دول الشتات من مشاريع توطينية، وعدم مقدرتهم على الانخراط في العمل المسلح في وجه العدو الصهيوني، لاسترداد حقوقهم وكرامتهم ومواطنتهم الأصلية، أخذ الفلسطينيون يفكرون بأساليب جديدة، تحاكي العمل المسلح مقدرة ونفعاً في عملية البقاء والتحرير، فكان لا بد من محاربتهم بسلاح "العودة" من خلال الحفاظ على كل ما يرمز للوطن من تراثيات وعادات والعمل على إحيائها في كل زوايا الانتشار الفلسطيني. فالجميع على إدراك كامل بأن الحرب ضد الصهيونية هي حرب وجود، وهذا الوجود يشمل الأرض والثقافة والفكر والأدب والتراث وكل ما يتعلق بالأرض.

والاحتلال الصهيوني، منذ وجوده على أرض فلسطين، وهو يسخر كامل جهوده، ليزيل أي صلة وصل بين الفلسطيني وأرضه، فقد سعى إلى ربط تاريخ المهاجرين الأوروبيين وثقافتهم بالتاريخ الفلسطيني، واصفاً هجرة أولئك اليهود بأنها "عودة الشعب الأصلي إلى أرض الميعاد" بعد ألفي سنة تشرد.

وقد حاول الاحتلال الصهيوني سرقة عناصر مختلفة من التراث والثقافة الفلسطينية، مراراً وتكراراً، ومنها الشال الفلسطيني المعروف بألوانه "الأبيض والأسود"، ليجعله باللونين "الأبيض والأزرق"، تيمناً بعلم "إسرائيل" و"نجمة داود". وللثوب المطرز يدويّاً، أيضاً، نصيب من هذه السرقات، حيث يسوق الاحتلال الصهيوني الثوب في الدول الأوروبية والأميركية على أنه من التراث "اليهودي" وعمره آلاف السنوات، وكانت زوجة موشي دايان، وزير الحرب الصهيوني، قد ارتدت ثوباً فلسطينيّاً في مناسبة عالمية في ستينات القرن المنصرم، زاعمة أنه تراث يهودي!
والأخطر من ذلك كله هو جمع الاحتلال الصهيوني بعض الصناعات الشعبية الفلسطينية، ومنها التطريز والفخار الزجاجي والصناعات الخشبية والمعدنية والجلدية، وإعدادها من أجل إصدار كتب عن "الفلكلور الإسرائيلي"، وتوزيعها في المدن الأوروبية والأميركية.
واستعرضت الكاتبة الأميركية، نينا بيرليه، في كتابها "التجارة غير المقدسة"، عمليات التزوير التي يقوم بها الصهاينة للتراث الفلسطيني، والطرق المتبعة، ومنها قصة اكتشاف الصندوق الصخري- الذي يعتقد اليهود أنه يحتوي على رفات يعقوب أخ المسيح، عليه السلام، حيث نقش عليه "يعقوب بار يوسف أخوي دي يشوع" "يعقوب بن يوسف أخو يشوع"- في العام 2002، وقد أحدث هذا الاكتشاف جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة الأميركية، حيث شكك باحثون في هذا الادعاء، خصوصاً أولئك المهتمين بالنقوش، وكان الشك في طبيعة النقش وشكله وطريقة كتابته، ليكتشفوا، بعد ذلك، أن الصندوق قديم، لكن النقش جديد.

"الكبار يموتون والصغار ينسون" قاعدة يرتكز عليها الاحتلال، في استهدافه المنظم للإنسان الفلسطيني، بكل ما يمت له بصلة، بغرض تفريغ الذاكرة الفلسطينية من مخزونها الثقافي والفكري والتراثي. ولذلك، أمام الشعب الفلسطيني تحد كبير، ومعركة ثقافية لا هوادة فيها، تستدعي العمل على نشر التراث والمحافظة عليه، في ظل عمليات طمس الهوية التي يتعرض لها الفلسطيني من عدوٍّ، لا يربطه بالتراث الفلسطيني أي رابط.

 

avata
avata
محمد أبو ليلى (فلسطين)
محمد أبو ليلى (فلسطين)