التدخل الروسي في سورية: حصيلة 3 سنوات دموية

30 سبتمبر 2018
جندي روسي في حلب (أندريي بورودولين/فرانس برس)
+ الخط -


على مدى ثلاث سنوات منذ بدء تدخلها المباشر في سورية  الذي تحل ذكراه، اليوم الأحد، تراوحت أعمال موسكو بين تعزيز تحركاتها العسكرية لدعم قوات النظام وتمكينه من جهة، وتكثيف المساعي الدبلوماسية عبر مفاوضات أستانة فسوتشي من جهة أخرى، لإخضاع المعارضة لشروط التسوية التي تراها.

في هذا الإطار، اعتبر الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيميونوف، أن "التدخل العسكري الروسي أرغم المعارضة السورية على حوار السلام بعد أن تخلى اللاعبون الإقليميون عن دعمها". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حوار السلام ألحق بالمعارضة السورية خسائر أكبر من العملية العسكرية في حد ذاتها. بعد اتفاقات أستانة، تم تفتيت المعارضة وإخضاعها للقوى الخارجية، وتحديداً تركيا شمال غربي البلاد والولايات المتحدة جنوب غربها. وحُرمت المعارضة من الرد بشكل منسق على الأعمال العسكرية لنظام الأسد، مثلما كان عليه الحال في بداية عام 2017، حين كانت ترد على تقدمه بجبهة بتقدم بجبهات أخرى".

وحول دور مناطق خفض التصعيد في إضعاف المعارضة المسلحة وموقف القوى الإقليمية من ذلك، رأى "بعد إقامة مناطق خفض التصعيد، تمكن نظام بشار الأسد من تركيز جميع قواته ضد أي من مناطق المعارضة دون خطر اندلاع أعمال القتال بجبهات أخرى. لذلك تحديداً تمكن الأسد من القضاء على جيوب المعارضة في الغوطة الشرقية وحمص وجنوب سورية. أما القوى الخارجية، فرفضت دعم المعارضة، بل كانت تقنعها بقبول المصالحة مع النظام، مثلما كانت تفعل السعودية والإمارات. لولا تآمر روسيا والدول الداعمة للمعارضة، لما كان لموسكو أن تحقق حلاً عسكرياً إلا بزيادة مجموعة قواتها في سورية بمقدار أضعاف". ورأى أن "النجاح الرئيسي للعملية الجوية الروسية هو إرغام المعارضة على بدء المفاوضات في أعقاب عملية حلب (نهاية عام 2016) بعد أن أخرجت تركيا المسلحين منها للمشاركة في عملية درع الفرات".

وعكس سعي النظام السوري وإيران لتحقيق نصر عسكري كامل، عملت روسيا خلال فترة تدخلها على تعزيز التقدم العسكري بجهود دبلوماسية لحفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي وفي محاولة لاستنساخ تجربة الحرب الشيشانية الثانية التي بدأتها عام 1999، حين منحت الجمهورية المتمردة بعد النصر العسكري، درجة كبيرة من الاستقلالية وقدمت دعماً مالياً هائلاً، وحتى تسنت إعادة دمج قسم من الانفصاليين السابقين وانضمامهم إلى القوات الموالية.



إلا أن سيميونوف أشار إلى أن "السيناريو الشيشاني في سورية غير قابل للتطبيق إلا بحق قوات سورية الديمقراطية (قسد) الكردية"، مضيفاً أنه "ليس من المستبعد أن يتم دمج هذه القوات بشروط خاصة ضمن مليشيات الأسد لاستخدامها لمواجهة المعارضة. أما باقي أطياف المعارضة، فلا تحتاج إلى مثل هذا السيناريو، حيث يمكنها، تحت مظلة تركية، الاستمرار بالمطالبة في إشراكها في إدارة البلاد والانتقال السياسي".

من جهته، رأى نائب مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا في موسكو، مكسيم شيبوفالينكو، أن "التحديات الرئيسية التي تواجهها روسيا في سورية بعد ثلاث سنوات من بدء التدخل، هي حسم الوضع في إدلب، فالشروع في العملية السياسية وإعادة دمج الأكراد في النظام المستقبلي للدولة".

وقال لـ"العربي الجديد"، إنه "باتت لروسيا قاعدتان في حميميم وطرطوس، ويمكن زيادة عدد أفرادهما حسب الوضع. طال الزمن أو قصر، سيتم حسم الوضع في إدلب سواء بطريقة سلمية أو باستخدام القوة. لأن النزاعات الحديثة تتميز بانعدام فاعلين واضحين، بل هي حروب هجينة تشارك فيها قوات تابعة للدول وأخرى غير نظامية".

وحول أسباب عجز روسيا عن استنساخ التجربة الشيشانية، رأى شيبوفالينكو أن "الشيشان هي جمهورية داخل روسيا، بينما سورية هي مسرح وراء البحار والوضع فيها أكثر تعقيداً في ظل تشابك مصالح ما لا يقل عن ثلاث قوى إقليمية. كما أن روسيا تدخلت في النزاع في مرحلة متأخرة، ما يعني أن فترة التعافي ستكون أطول".

وكانت روسيا ما بعد السوفييتية قد خاضت حربين مدمرتين في الشيشان، أسفرت أولاهما (1994 - 1996) عن تكبد موسكو خسارة سياسية وسط عجزها عن السيطرة على الجمهورية ذات الأغلبية المسلمة، الواقعة في شمال القوقاز. إلا أن الحرب الثانية التي بدأها فلاديمير بوتين بعد تعيينه رئيساً للوزراء عام 1999، أتاحت للكرملين استعادة السيطرة على الجمهورية بعد تعيين أحمد قديروف (والد الرئيس الحالي رمضان) الذي انحاز إلى جانب السلطات الفدرالية، حاكماً لها.

أما التدخل العسكري في سورية الذي يعد أول عملية عسكرية تقودها روسيا خارج فضاء الاتحاد السوفييتي السابق منذ تفككه عام 1991، فبدأ في 30 سبتمبر/أيلول 2015، بعد موافقة مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي بالإجماع على طلب الرئيس فلاديمير بوتين استخدام القوات المسلحة بالخارج.