التحول الأميركي في سورية: جولة جديدة من حروب الوكالة

18 يناير 2018
واشنطن تستعين بالورقة الكردية في الشمال السوري(ديليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
كشف وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، عن تحول جذري في سياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب تجاه سورية. الاستراتيجية الجديدة التي رسم خطوطها الرئيسية تعكس حدوث انقلاب في الموقف الذي يبدو أنه غادر الالتباس والتمويه ليرسو على الحسم في مسألتين أساسيتين: مصير بشار الأسد والدور الإيراني في سورية.

وتشير النقاط، التي عرضها تيلرسون في خطاب عن سورية ألقاه في مؤسسة "هوفر" للدراسات التابعة لجامعة "ستانفورد" في ولاية كاليفورنيا، إلى أن الإدارة قررت خطة لإقامة عسكرية مديدة في شرق وشمال شرق سورية لمواجهة الرئيس السوري بشار الأسد وطهران في سورية، من خلال الاعتماد على قوة محلية توفر لها التسليح والتدريب مع الدعم بقوات أميركية ميدانية وجوية. انعطافة لا يستبعد أن تؤدي إلى إقامة منطقة حكم ذاتي هناك يكرسها الأمر الواقع إذا ما تعقّد وطال أمد الصراع وتعذر فيه الحسم الكامل والسريع.

قال تيلرسون في خطابه الأول من نوعه، والذي يبدو أنه شكل مدخل استعادته لدوره الخارجي، إنّ "الانسحاب الكامل من سورية تترتب عليه عواقب كارثية. منها ترميم رئاسة الأسد".


واستحضر، في هذا السياق، سيناريو الانسحاب العراقي "الذي لا نقوى على تكراره. لأن من شأنه تعزيز وضع إيران" في الساحة السورية.

وبذلك، ترى الإدارة أن "سورية ما زالت تشكل مصدر تهديد استراتيجي" للمصالح الأميركية، حالة يقول تيلرسون إنها تستدعي "الاحتفاظ بوجود عسكري" أميركي في سورية، من دون تحديده لسقف زمني لهذا التواجد. الوزير ذاته الذي سبق ونأى عن الشأن السوري ومصير الأسد باعتباره "يخص السوريين" لوحدهم، يطرح النقيض اليوم.

الظروف تغيرت والأولويات تبدّلت، الرئيس انكفأ إلى الداخل للتركيز على همومه ومتاعبه التي تهدد رئاسته، وفريقه في البيت الأبيض الذي تعامل مع ملفات خارجية ومنها صهره جاريد كوشنر، فشل في مهماته، الأمر الذي أدى إلى وضع الملفات الساخنة في عهدة رجال المؤسسة الذين تولوا أمر الملف الكوري الشمالي والإيراني. في هذا الأخير، جرى التشديد على ضرورة الفصل بين الاتفاق النووي ووجوب حمايته وبين الدور الإيراني في المنطقة ووجوب التصدي له. ويبدو أنه كان لهذا الفريق ما أراد، إذ تم حمل الرئيس على الموافقة بخصوص الأول وتكليف تيلرسون بالإعلان عن سياسة المواجهة في سورية.

هذه الاستدارة جرى التمهيد والتلميح إليها بصورة أو بأخرى، في الآونة الأخيرة. الوزير تيلرسون بدأ بإعطاء الإشارات، ولو بصوة ملتبسة، عندما قال في أواخر العام الماضي إن "عائلة الأسد لن يكون لها دور في سورية"، ثم تبعه وزير الدفاع، جيمس ماتيس، الذي أوضح أن أميركا باقية هناك بعد الرقة، بصورة مدنية ودبلوماسية وعسكرية"؛ في تلميح إلى نوع من الإدارة المدنية التي تعتزم واشنطن إقامتها.

وكان المتحدث باسم التحالف الدولي لمحاربة "داعش" الإرهابي، الكولونيل توماس فييل، أكثر وضوحاً في هذا الخصوص عندما قال إن العمل يجري "مع "قوات سورية الديمقراطية" لتكوين قوة أمن حدودي وتدريب عناصرها المقرر أن يصل عددها إلى حوالي 30 ألف جندي (معظمهم من القوات الكردية السورية)، يكون من مهماتها العمل على تعزيز الأمن والازدهار في شمال وشرق سورية"، في إشارة إلى إقامة طويلة تتطلب استتباب الأوضاع وتسيير شؤونها بصورة شبه مستقلة. والمعروف أن 2000 عنصر من القوات الأميركية يتمركزون في تلك المنطقة. والعدد مفتوح للزيادة.

شارك أيضاً في تحضير الأجواء القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، دافيد ساترفيلد، من خلال مثوله قبل أيام أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، إذ تحدث باللغة ذاتها تقريباً مع التشديد على أن "استقرار سورية يتطلب غياب الأسد" وأن الإدارة "سوف تتدبر الأمر مع إيران في سورية والعراق واليمن"، مشيراً إلى ضرورة "تقليص حضور مليشيات إيران في سورية".

تشير هذه الأجواء إلى أن سورية مقبلة على جولة جديدة من حروب الوكالة، المرشحة للتوسع ولخطر التحول إلى مصادمات إقليمية ودولية، في ظل التباعد الأميركي الروسي وتراجع احتمالات تسوية الأزمة السورية، وفي ضوء الاستعانة الأميركية بالورقة الكردية وعزم واشنطن على "قصقصة" النفوذ الإيراني في سورية، تتجه الصراعات الجيو ــ سياسية على الساحة السورية نحو المزيد من التصعيد. وضع يدفع بسورية نحو المزيد من التكريس لخرائط الأمر الواقع.





المساهمون