التحرش في تونس

08 أكتوبر 2015
العديد من الفتيات يفضلن الصمت لتفادي الفضائح (فرانس برس)
+ الخط -
جرّم المشرّع التونسي التحرّش الجنسيّ ، منذ عقود فقد أقر في العام 2004 قانون عدد 73 تحديدا في الفصل 226 ثالثا والفصل 226 رابعا من المجلة الجزائية بشأنه، تصل فيه العقوبات إلى السجن سنتين، وذلك بغية حماية النساء في أماكن العمل والأماكن العامة. 
ويعرّف المشرع التحرّش الجنسيّ على النحو التالي: "كل إمعان في مضايقة الغير بتكرار أقوال أو أفعال أو إشارات، من شأنها أن تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدي لتلك الرغبات".

كما يعاقب القانون التونسيّ لمدة عام سجنا وغرامة ماليّة قدرها ثلاثة آلاف دينار مرتكب التحرش الجنسي، ويضاعف العقاب إذا ارتكبت الجريمة ضد طفل أو غيره من الأشخاص المستهدفين بصفة خاصة، بسبب قصور ذهني أو بدني يعوق تصديهم للجاني.

ولكن رغم وضوح القانون في المسألة لحماية المرأة فإن العديد منهم ما زالوا يفضلون الصمت على التشهير بمثل هذه المضايقات بعلة تفادي الفضائح أو الخجل، وهذا السكوت يسمح بزيادة التمادي في الظاهرة ويكون بمثابة الأرضية الخصبة لتكاثر المتحرشين جنسيا بوسائل النقل العمومية.

لم يتمكن هذا القانون من منع استفحال ظاهرة التحرش الجنسي في وسائل النقل العمومية باعتباره ليس إجراء وقائياً في المجتمعات الشرقية التي تعاني ترهلاً في منظومة العادا،ت فقد أصبحت القيمة الأخلاقية أوهن من بيت العنكبوت في ظلّ معاشرة حياة معاصرة دون قيود.

فقد تحولت وسائل النقل العمومي في تونس إلى كابوس مزعج بالنسبة إلى العديد من النساء، وذلك لما يتعرضن إليه من مضايقات ومنغصات، فاستخدام وسائل النقل شرّ لا بدّ منه، وعلى الرغم من أنه يتعذر عليك في تونس إيجاد إحصائيات رسمية في خصوص التحرش، ولئن كان عدد قضايا التحرش الجنسي كبيرا ومفزعا، فإن ما يتم الإبلاغ عنه إلى السلطات المختصة هو نسبة ضئيلة مقارنة بالحالات الحقيقية نتيجة حالة السرية والصمت التي تحيط بهذا النوع من الاعتداء وهو ما يؤكّد أنّ الأرقام والاحصائيات لا تعكس سوى جانب بسيط من تلك المعاناة التي تعيشها المرأة العاملة في تونس اليوم.

الخوف من الإفصاح
جل المتضررات من التحرش الجنسي لا يلجأن إلى القضاء بسبب صعوبة الإثبات، لكن من الناحية العملية ورغم وجود نصوص قانونية تجرم هذا الفعل، فإن تطبيق هذه النصوص يبقى حديث التشريع، ذلك أن الكثير من المتضررات لا يستطعن إثبات ارتكابه، لأنه غالبا ما يتم في الخفاء بطريقة مبتذلة يصعب توثيقها، إضافة إلى صعوبة إحضار شهود عيان على ذلك، كما أن أغلبهن لا يملكن الجرأة لتوجيه شكاية ضد الجناة لكون الأمر يدخل في إطار العيب فالمجتمع الشرقي غالباً ما يحدث خلطاً بين التحرش الجنسي والاغتصاب ناهيك عن النظرة التفاضلية التي تقبل المحرّمات وتشرعها لجنس الذكور وتدحضها وتستعملها حجة لإدانة المرأة.

الأسباب
أولاً: تعود الظاهرة إلى وجود حقل مشجع على هذه الممارسة، فتلاصق الأجسام في وسائل النقل يشجع على كل أنماط الانحرافات، كما أنّ صمت من يقع عليه الفعل خشية الفضيحة يشجع على مزيد انتشارها وتمادي الجاني.

ثانياً: تهرؤ المنظومة القيمية، وغياب الوعي الديني، فالقيم التقليدية لم تعد لها نفس القوة الكابحة والضابطة للسلوك، ولم تعد تتأسس إلى أنماط أخلاقية جديدة تقوم بهذا الدور.

ثالثاً: عزوف الشباب عن الزواج أو تأخر سنّ الزواج الناتج عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية الرّاهنة ساهم في ارتفاع منسوب "الكبت الجنسي" الذي يعتبر من أحد أهم أسباب التحرش الجنسي.

التحرش الجنسي جريمة منتشرة في كافة أنحاء العالم، ولكنها بدأت تتزايد وتظهر بحدة في كثير من مجتمعاتنا العربية، لذا يجب علينا التوعية بها والعمل على مواجهتها ويحتاج المجتمع جرعات واقية من ظاهرة التحرش على أن نجنب شبابنا من آثاره وذلك بتيسير إشباع الإحتياجات الإنسانية بطرق مشروعة، والحد من المواد الإعلامية والإعلانية المثيرة للغرائز، كما يجب على النواة الأسرية والتربوية أن تزرع فى أبنائها ضوابط الضمير والضوابط الاجتماعية والضوابط القانونية للحفاظ على التوازن الصحي الأخلاقي الاجتماعي والديني.

(تونس)
المساهمون