يتحول النزاع التجاري الشرس بين واشنطن وبكين تدريجياً من مجرد خلافات حول الرسوم الجمركية وخلل التجارة وفائض الميزان التجاري، إلى حرب شاملة لا ينقصها سوى المواجهة العسكرية.
ويأتي النزاع بين الطرفين الأقوى اقتصاديا في العالم ضمن التنافس على صياغة ورسم خريطة النظام الرأسمالي العالمي الجديد على أنقاض النظام الحالي الذي يعمل بآليات العولمة ومنظمة التجارة والمؤسسات الدولية متعددة الأطراف.
ويدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا الصراع ضمن شعار "أميركا العظيمة وأميركا أولاً" الذي دشن به رئاسته في يناير/ كانون الثاني في عام 2017. في حين تدخله الصين بطريق الحرير ومحاولة الهيمنة على حركة التجارة الدولية.
وبناء على ذلك، يتوقع خبراء غربيون أن تخوض أميركا حربا شرسة لبناء النظام العالمي الجديد خلال السنوات المقبلة، خاصة إذا فاز ترامب بدورة رئاسية ثانية، وعلى جميع الصعد، عدا العسكرية، أي في أنشطة التجارة والمال والتقنية والعملات وجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال.
ويسعى ترامب ومنذ تبرئته من تحقيقات روبرت مولر، إلى كسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانبه في هذا الصراع الذي يخوضه ضد الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، اقترح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، خلال لقائه قبل أسبوعين بالرئيس الروسي، فتح صفحة جديدة في العلاقات.
ويرى خبراء تحدثوا للصحيفة الأميركية، أن الهدف من رحلة بومبيو الأخيرة إلى موسكو، كان التحضير للاجتماع المقبل بين الرئيسين، الأميركي والروسي، الذي أعلن ترامب عن انعقاده على هامش قمة العشرين في أوساكا.
وفي هذا الصدد، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة موسكو الحكومية، أندريه مانويلو، في تصريحات نشرتها صحف روسية، إن مثل هذا الاقتراح من جانب ترامب ممكن تحققه تماماً، في الوقت الحاضر، إذ إن هناك الكثير من القضايا الشائكة في العلاقات الروسية الأميركية والتي لا يمكن لروسيا والولايات المتحدة حلها دون لقاء.
وتشير التصريحات التي أدلى بها ترامب، مساء الأحد الماضي لقناة "فوكس نيوز" إلى تطور نوعي في الصراع التجاري الحالي، إذ أعرب عن رضاه من الحرب التجارية المندلعة بين بلاده وبكين، فيما شدد على أن الصين لن تصبح أكبر قوة عظمى في العالم خلال رئاسته.
وقال ترامب خلال مقابلة مع "فوكس نيوز"، ردا على سؤال عن موعد نهاية الحرب التجارية، إن الولايات المتحدة تجني مليارات الدولارات من الحرب التجارية على عكس الصين، التي ليست في وضع جيد.
وبحسب خبراء غربيين، فإن تعليقات ترامب تدل على نيته نقل الصراع من الفائض التجاري إلى مسارات تقنية ومالية ضمن استراتيجية "عودة العظمة لأميركا" مرة أخرى، ودللوا على ذلك بما حدث مع شركة هواوي الصينية.
كما توقعت المنظمة أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2% فقط هذا العام، لأن حجم التجارة العالمية تقلص إلى النصف تقريباً مسجلاً 2.1%. وبالتالي، ستكون هذه الحرب مكلفة على أميركا والصين معاً وليس كما يتوقع ترامب.
وعلى صعيد خسارة المواطن الأميركي، تقول صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية، في تحليل أمس الثلاثاء، إنه "من المحتمل أن يدفع المواطنون الأميركيون أكثر إذا استمر ترامب في فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع الصينية".
ويعد السوق الاستهلاكي الأميركي الأكبر في العالم، والذي يقدر بنحو 11 تريليون دولار سنوياً، أداة الابتزاز الرئيسية التي يستخدمها ترامب مع شركائه وأعدائه معاً. وبالتالي هو يستغل حجم السوق الأميركي الضخم لمعاقبة الدول والشركات التي لا تتجاوب مع فلسفته بالحرمان من تسويق منتجاتها فيه.
لكن تبدو نقطة الضعف الأميركية في أن البلاد غارقة في الديون، إذ بلغت ديونها 22 تريليون دولار حالياً، وتعتمد في تمويلاتها على بيع سندات الخزانة للدول الغنية، وتمثل الصين واليابان أكبر زبائنها.
من جانبها، تعد الصين لاحتمال انتهاء شهر العسل بينها وبين واشنطن منذ سنوات، خاصة وأن أعوام الأزمة المالية ساهمت كثيراً في تعزيز نفوذها التجاري والمالي.
والصين قوة اقتصادية صاعدة يقدر حجم اقتصادها بقرابة 11.5 تريليون دولار، بينما يقدر حجم الاقتصاد الأميركي بنحو 20 تريليون دولار، لكن لكل اقتصاد نقاط ضعفه وقوته في حرب صياغة "عالم ما بعد العولمة"، المتوقعة بين العملاقين، إذ إن الصين تعتمد على رخص بضائعها في الأسواق العالمية مقارنة بنظيرتها الأميركية.
كما أنشأت مجموعة من البنوك متعددة الأطراف شبيهة بصندوق النقد والبنك الدوليين من بينها بنك التنمية الجديد، ومقره شنغهاي برأسمال 100 مليار دولار، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومقره بكين، برأسمال أولي قيمته 50 مليار دولار ومصرح به 100 مليار دولار.
كما أسست كتلة "بريكس" التي تضم الدول الاقتصادية الكبرى بين الاقتصادات الناشئة، وعلى رأسها الهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا. كما تسعى بكين لإنعاش مشاريع "الحزام والطريق" التي تتعثر حالياً في آسيا وأفريقيا.