مثقفو جمهورية تتارستان يحاولون أن يحافظوا على تعليم لغتهم، لكنّ قراراً مركزياً روسياً بإلغاء اللغة التتارية، كمادة إلزامية في مدارس تتارستان، يهدد مساعيهم، مع رفضه تدريس أيّة لغة قومية على حساب الروسية
بعد استبعاد اللغة التتارية من المناهج الإجبارية لمدارس جمهورية تتارستان الروسية، يتخوف التتاري رسلان أبدرييف من تسارع وتيرة الاستبدال الكامل للغة التتارية بالروسية، في كلّ مجالات حياة الجمهورية التي تعرف على مستوى روسيا كنموذج للتعايش السلمي والاحترام المتبادل بين مختلف القوميات والديانات.
يقول أبدرييف، وهو أب لابنين، في حديث لـ"العربي الجديد" من تتارستان: "بصفتي تتارياً، أعارض استبعاد اللغة التتارية من المناهج الإجبارية، لكنّني أعتبر أنّ دراستها يجب أن تكون إلزامية للتتار فقط. جمهورية تتارستان متعددة القوميات، وإلى جانب التتار، تقطنها نسبة كبيرة من الروس والتشوفاشيين والموردوفيين (من جمهوريتي تشوفاشيا وموردوفيا الروسيتين)، ويجب أن تكون دراسة اللغة التتارية اختيارية لهم. في المقابل، يجب تدريس مادة إلزامية حول تاريخ الشعب التتاري وثقافته وتقاليده وأدبه. أعتقد أنّ مثل هذا النهج سيزيد من الصداقة بين الشعوب الشقيقة في الجمهورية وروسيا بأسرها".
وحول التداعيات المتوقعة لاستبعاد اللغة التتارية، يضيف: "سيسرّع ذلك من عملية الاستبدال الكامل للغة التتارية بالروسية. لا يؤدي ذلك إلى الاستبعاد من المنهاج فحسب، إنّما أيضاً إلى عدم اهتمام جيل الشباب بالتحدث بلغتهم الأم. يجب تغيير سياسة تدريس اللغة التتارية بشكل كامل، وذلك من خلال الكشف عن كلّ خبايا اللغة حتى يزداد إقبال الشباب على دراستها، ويصبح نقلها من جيل إلى جيل من شعائر الشعب التتاري، مثل الحفاظ على الثقافة والتقاليد والحرف اليدوية".
في نهاية العام الماضي، أثار قرار إلغاء اللغة التتارية كمادة إلزامية في مدارس تتارستان، جدلاً واسعاً في روسيا بين من رأى أنّه يصبّ في تطبيق نظام تعليمي موحد في كلّ أنحاء البلاد، وبين من اعتبره يتعارض مع دستور تتارستان الذي ينص على أنّ الروسية والتتارية هما اللغتان الرسميتان في الجمهورية، وأنّ القرار سيزيد من الانقسام بين سكانها. وقد وقّع مئات من مثقفي تتارستان رسالة طالبوا فيها بعدم إلغاء تدريس التتارية، إلاّ أنّ السلطة المركزية في موسكو لم تتراجع.
اقــرأ أيضاً
خلال مؤتمره الصحافي السنوي الكبير في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أرجع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هذا الإجراء، إلى مبدأ عدم تدريس لغات الأقليات القومية على حساب الروسية المعتمدة للتواصل بين مختلف القوميات وبالجامعات الرائدة في البلاد، مذكّراً أنّ التتار يشكلون نصف سكان الجمهورية فقط.
من جهته، يعتبر مدير مدرسة "الشمس" في قازان، بافيل شماكوف، أنّ تدريس اللغة التتارية في حدود ساعتين أسبوعياً، يجب أن يكون إلزامياً للروس والتتار على حد سواء. ويقول شماكوف لـ"العربي الجديد": "يجب معرفة واحترام ثقافة الشعب الذي تعيش إلى جانبه، مع التركيز على عبارات الترحيب والأغاني الأكثر شعبية والشعر، أكثر من قواعد اللغة، حتى يكون تعلمها مشوّقاً وبجودة عالية. لكن لا يجب أن يذهب الطفل التتاري إلى درس اللغة، بينما يلعب الطفل الروسي كرة القدم في ذلك الوقت".
تمكن شماكوف من مواصلة تدريس اللغة التتارية بمدرسته، وذلك من خلال التنسيق مع أولياء الأمور والزيادة التدريجية لعدد الساعات الاختيارية لتعلم اللغة والأدب والثقافة التتارية لكي يستمر تدريسها حتى نهاية العام الدراسي، ويشير في هذا السياق إلى ضرورة الحفاظ على وظائف مدرسي اللغة التتارية أثناء العام الدراسي لإظهار الاحترام لهم أمام الأطفال. وحول آثار إلغاء تدريس التتارية، يتابع: "إلغاء اللغة التتارية يعني إساءة للتتار، وتقسيماً للفصول إلى تتارية وروسية، كما كانت الحال في عهد الاتحاد السوفييتي. بين الحين والآخر، أنظم زيارات إلى القرى التتارية للتلاميذ، وأطلب منهم الترحيب بالتتارية لإظهار الاحترام لهذه الأرض والسكان المحليين".
وعلى عكس التوترات في الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة في شمال القوقاز، عُرفت تتارستان على مدى نصف قرن مرّ على تفكك الاتحاد السوفييتي، بالتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين، وبين التتار والروس، وعلاقاتها الطيبة مع السلطة المركزية في موسكو التي منحتها قدراً كبيراً من الاستقلالية، وصل إلى حدّ تمثيل مستقل في الخارج من خلال مراكز ثقافية وغيرها.
لكنّ رفض موسكو تمديد اتفاق تقاسم الصلاحيات بين روسيا الاتحادية وجمهورية تتارستان، الذي انتهى عام 2017، أثار مخاوف من نشوب توترات بين قازان والكرملين، إلاّ أنّ رئيس تتارستان، رستم مينيخانوف، قبل بالأمر الواقع في نهاية المطاف، معتبراً أنّ جمهوريته قد نالت بالفعل قدراً كبيراً من الاستقلالية.
وبحسب بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" عن عام 2015، يبلغ عدد سكان تتارستان نحو 3.9 ملايين نسمة، يتركز حوالى 1.2 مليون منهم في العاصمة قازان. وتقدر نسبة التتار بين سكان تتارستان بـ53 في المائة، بالإضافة إلى الروس البالغة نسبتهم قرابة 40 في المائة. ويوجد في تتارستان نحو 1400 مسجد بالإضافة إلى أكثر من 300 كنيسة أرثوذكسية.
اقــرأ أيضاً
بعد استبعاد اللغة التتارية من المناهج الإجبارية لمدارس جمهورية تتارستان الروسية، يتخوف التتاري رسلان أبدرييف من تسارع وتيرة الاستبدال الكامل للغة التتارية بالروسية، في كلّ مجالات حياة الجمهورية التي تعرف على مستوى روسيا كنموذج للتعايش السلمي والاحترام المتبادل بين مختلف القوميات والديانات.
يقول أبدرييف، وهو أب لابنين، في حديث لـ"العربي الجديد" من تتارستان: "بصفتي تتارياً، أعارض استبعاد اللغة التتارية من المناهج الإجبارية، لكنّني أعتبر أنّ دراستها يجب أن تكون إلزامية للتتار فقط. جمهورية تتارستان متعددة القوميات، وإلى جانب التتار، تقطنها نسبة كبيرة من الروس والتشوفاشيين والموردوفيين (من جمهوريتي تشوفاشيا وموردوفيا الروسيتين)، ويجب أن تكون دراسة اللغة التتارية اختيارية لهم. في المقابل، يجب تدريس مادة إلزامية حول تاريخ الشعب التتاري وثقافته وتقاليده وأدبه. أعتقد أنّ مثل هذا النهج سيزيد من الصداقة بين الشعوب الشقيقة في الجمهورية وروسيا بأسرها".
وحول التداعيات المتوقعة لاستبعاد اللغة التتارية، يضيف: "سيسرّع ذلك من عملية الاستبدال الكامل للغة التتارية بالروسية. لا يؤدي ذلك إلى الاستبعاد من المنهاج فحسب، إنّما أيضاً إلى عدم اهتمام جيل الشباب بالتحدث بلغتهم الأم. يجب تغيير سياسة تدريس اللغة التتارية بشكل كامل، وذلك من خلال الكشف عن كلّ خبايا اللغة حتى يزداد إقبال الشباب على دراستها، ويصبح نقلها من جيل إلى جيل من شعائر الشعب التتاري، مثل الحفاظ على الثقافة والتقاليد والحرف اليدوية".
في نهاية العام الماضي، أثار قرار إلغاء اللغة التتارية كمادة إلزامية في مدارس تتارستان، جدلاً واسعاً في روسيا بين من رأى أنّه يصبّ في تطبيق نظام تعليمي موحد في كلّ أنحاء البلاد، وبين من اعتبره يتعارض مع دستور تتارستان الذي ينص على أنّ الروسية والتتارية هما اللغتان الرسميتان في الجمهورية، وأنّ القرار سيزيد من الانقسام بين سكانها. وقد وقّع مئات من مثقفي تتارستان رسالة طالبوا فيها بعدم إلغاء تدريس التتارية، إلاّ أنّ السلطة المركزية في موسكو لم تتراجع.
خلال مؤتمره الصحافي السنوي الكبير في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أرجع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هذا الإجراء، إلى مبدأ عدم تدريس لغات الأقليات القومية على حساب الروسية المعتمدة للتواصل بين مختلف القوميات وبالجامعات الرائدة في البلاد، مذكّراً أنّ التتار يشكلون نصف سكان الجمهورية فقط.
من جهته، يعتبر مدير مدرسة "الشمس" في قازان، بافيل شماكوف، أنّ تدريس اللغة التتارية في حدود ساعتين أسبوعياً، يجب أن يكون إلزامياً للروس والتتار على حد سواء. ويقول شماكوف لـ"العربي الجديد": "يجب معرفة واحترام ثقافة الشعب الذي تعيش إلى جانبه، مع التركيز على عبارات الترحيب والأغاني الأكثر شعبية والشعر، أكثر من قواعد اللغة، حتى يكون تعلمها مشوّقاً وبجودة عالية. لكن لا يجب أن يذهب الطفل التتاري إلى درس اللغة، بينما يلعب الطفل الروسي كرة القدم في ذلك الوقت".
تمكن شماكوف من مواصلة تدريس اللغة التتارية بمدرسته، وذلك من خلال التنسيق مع أولياء الأمور والزيادة التدريجية لعدد الساعات الاختيارية لتعلم اللغة والأدب والثقافة التتارية لكي يستمر تدريسها حتى نهاية العام الدراسي، ويشير في هذا السياق إلى ضرورة الحفاظ على وظائف مدرسي اللغة التتارية أثناء العام الدراسي لإظهار الاحترام لهم أمام الأطفال. وحول آثار إلغاء تدريس التتارية، يتابع: "إلغاء اللغة التتارية يعني إساءة للتتار، وتقسيماً للفصول إلى تتارية وروسية، كما كانت الحال في عهد الاتحاد السوفييتي. بين الحين والآخر، أنظم زيارات إلى القرى التتارية للتلاميذ، وأطلب منهم الترحيب بالتتارية لإظهار الاحترام لهذه الأرض والسكان المحليين".
وعلى عكس التوترات في الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة في شمال القوقاز، عُرفت تتارستان على مدى نصف قرن مرّ على تفكك الاتحاد السوفييتي، بالتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين، وبين التتار والروس، وعلاقاتها الطيبة مع السلطة المركزية في موسكو التي منحتها قدراً كبيراً من الاستقلالية، وصل إلى حدّ تمثيل مستقل في الخارج من خلال مراكز ثقافية وغيرها.
لكنّ رفض موسكو تمديد اتفاق تقاسم الصلاحيات بين روسيا الاتحادية وجمهورية تتارستان، الذي انتهى عام 2017، أثار مخاوف من نشوب توترات بين قازان والكرملين، إلاّ أنّ رئيس تتارستان، رستم مينيخانوف، قبل بالأمر الواقع في نهاية المطاف، معتبراً أنّ جمهوريته قد نالت بالفعل قدراً كبيراً من الاستقلالية.
وبحسب بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" عن عام 2015، يبلغ عدد سكان تتارستان نحو 3.9 ملايين نسمة، يتركز حوالى 1.2 مليون منهم في العاصمة قازان. وتقدر نسبة التتار بين سكان تتارستان بـ53 في المائة، بالإضافة إلى الروس البالغة نسبتهم قرابة 40 في المائة. ويوجد في تتارستان نحو 1400 مسجد بالإضافة إلى أكثر من 300 كنيسة أرثوذكسية.