عاد التأزم بين دول مجلس التعاون الخليجي إلى الواجهة من جديد، عبر بوابة العلاقات القطرية – الإماراتية. ورغم الالتزام الدبلوماسي العلني بالحديث عن علاقات استراتيجية وثيقة؛ إلا أنه لا يزال الجمر متقدا تحت الرماد، جراء تباين المواقف بشأن ثوابت العمل الخليجي المشترك، والثورات العربية، والعلاقة مع إيران، في ظل "غضب سعودي" ووساطة كويتية تطل برأسها من جديد، لكن هذه المرة بين الدوحة وأبو ظبي.
وبدأ فتيل الأزمة المستجدة بين قطر والامارات، مع اتهام رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، خلال خطبة الجمعة قبل الماضية، دولة الامارات "بأنها ضد كل حكم مسلم وتعتقل الإسلاميين". والتصريحات ليست جديدة للقرضاوي حيث وصف في العام 2012 "حكام الامارات بالاستكبار لطردهم رعايا سوريين وملاحقة مواطنين اماراتيين أبرياء". وفي الحالتين كان يشير القرضاوي إلى تعامل حكومة الامارات مع "الخلية 94" المتهمة بالسعي إلى قلب نظام الحكم في أبو ظبي، ومحاكمة "المجموعة "30 المرتبطة، بحسب الادعاء الاماراتي، بجماعة الاخوان المسلمين المحظورة لديهم.
وليس خافيا أن قطر والامارات تنتهجان سياستين مغايرتين تجاه الثورة المصرية بشكل خاص؛ ورغم أن قطر، أكدت مرارا عبر وزير خارجيتها خالد العطية، أنها لا تتعامل مع فصيل مصري، لكنها رفضت ممارسات الحكومة المصرية الحالية، في حين أن الامارات تدعم الحكومة المصرية، وتعتبر "الاخوان المسلمين" جماعة إرهابية.
ولم تتوقف الأزمة القديمة – الجديدة بين قطر والامارات عند حد تصريحات القرضاوي، والردود المعتادة عليها، والتي جاءت من قبل نائب حاكم دبي لشؤون الامن الفريق ضاحي خلفان. إذ قادت مجموعة من الإماراتيين والعرب حملة تحت اسم (من يحكم قطر) على موقع "تويتر"، وهاجمت فيها الدولة القطرية متهمة إياها بأنها قاعدة أميركية ومطبعة مع إسرائيل، وكالت الشتائم بحق والدة الأمير الحالي الشيخة موزة، والقرضاوي نفسه، فيما اتهمت المدير العام للمركز العربي للأبحاث والدراسات عزمي بشارة، المنفي من الأراضي الفلسطينية المحتلة بتهمة التواصل مع تنظيمات معادية لإسرائيل، بأنه الحاكم الفعلي لقطر.
ولتطويق التصعيد الأخير، اجتمع وزير الخارجية القطري خالد العطية مع وزير الداخلية الاماراتي سيف بن زايد على هامش اجتماع ميونيخ للأمن الدولي في ألمانيا، واتفق الطرفان على تأكيد العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، إلا أنه بعد ذلك بيومين استدعت الخارجية الإماراتية السفير القطري في أبو ظبي فارس النعيمي وسلمته احتجاجا رسميا بضرورة قيام الدوحة بوقف القرضاوي عند حده، وشجب تصريحاته.
وليس سفير قطر في الامارات من تلقى وحده هذه الاحتجاج، إذ أرسلت الحكومة المصرية احتجاجا مماثلا للسفير القطري في الدوحة بعد يوم من بيان الخارجية القطرية في 3 كانون الثاني/ يناير الماضي التي تعبر فيه عن رفضها اعتبار جماعة "الاخوان المسلمين" حركة إرهابية.
ولم تستجب الحكومة القطرية لمطالب الإمارات، لكن ذلك لم يمنع من خروج ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد أمس بتصريحات يؤكد فيها على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وأجابه العطية على قناة الجزيرة بإبداء التأكيد نفسه.
تصريحات محمد بن زايد ترافقت مع اتصالات اجراها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، مع نظيره القطري الشيخ تميم بن خليفه آل ثاني. وتدور التكهنات حول وساطة كويتية جديدة، ليست الأولى التي تقوم بها بين بلدان خليجية.
فلقد توسطت الكويت بين قطر والسعودية خلال ما عرف بقمة الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والتي اتفق خلالها على احترام السياسة الداخلية لكل بلد عربي، كما توسطت الكويت بين الرياض ومسقط على إثر رفض الأخيرة رفع مستوى التعاون الخليجي إلى اتحاد عقب الاتفاق الغربي مع إيران، وهو الأمر الذي تسابق مع تغريد عُماني خارج السرب السعودي، بإجراء اتصالات سرية مع إيران طيلة الأعوام الثلاثة الماضية. وتبعه زيارة وزير الخارجية الاماراتي عبد الله بن زايد إلى إيران التي تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، وقابلتها جولة لنظيره الإيراني محمد جواد ظريفي لدول الخليج مستثنيا السعودية والبحرين منها.
والخلاف الخليجي بشأن التعامل مع إيران يظل محدودا مع توافق على الحد الأدنى، وينسحب الأمر على الموقف من سوريا، لكن مساحة الخلاف تتسع بشأن الموقف من الثورة المصرية وانقلاب 3 تموز/ يوليو الماضي، وهو ما سبب الجفاء بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى. ولا يستبعد أن تكون الرياض قد استخدمت أبو ظبي في الأزمة الأخيرة كمخلب قط للتضييق على قطر.
والخلافات بين البلدين بشأن مصر، انسحبت على ملفات داخلية ذات طابع أمني، إذ لا تزال ابوظبي تعتقل منذ عام تقريبا الطبيب القطري محمود الجيدة بزعم تمويله لتنظيم الإخوان في الامارات. كما تتهم الامارات رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم بتمويل منتسبين لما كان يسمى سابقا جمعية الإصلاح الإماراتية، عبر شخصيات سياسية كويتية محسوبة على التيار الإخواني المعترف به رسميا في الكويت باسم الحركة الدستورية.
ويعتقد أن التوتر الذي يطبع العلاقات الإماراتية-القطرية، لن يقف عند حدود البلدين، وأن المعالجات الدبلوماسية العلنية للحفاظ على التماسك الخليجي تخفي تحتها خلافات جوهرية يصعب التكهن بعاقبتها مستقبلا.