تركيا:
في السياق، أكدت رئاسة المجلس الأعلى للشؤون الدينية التركي، أخيرا، أن استخدام "بيتكوين" لا يجوز شرعًا، نظرا لأنه يحيط بها شيء من الغموض في التعاملات؛ ورفضت الرئاسة استخدام النقود الإلكترونية المبهمة التي قد تؤدي إلى ثراء طبقة معينة بدون حق وبدون مبرر.
من جانبه، أفتى الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القرة داغي، بعدم جواز التعامل بالعملة الرقمية الشهيرة "بيتكوين"، في صورتها الحالية.
وقال في مقابلة إعلامية أعاد نشرها على صفحته الشخصية في "تويتر" الأسبوع الماضي، إن "العملات الرقمية بصورتها الحالية غير جائزة للتعامل فيها".
وأضاف: "نستطيع أن نعطي ثلاثة حلول بحيث ندخل هذه العملات الرقمية في دائرة مشروعة ومنضبطة حتى لا تقع خسائر كبيرة، وذلك عبر إيجاد مرجعية لها، مثل أن تتبناها الدولة كعملة ثانوية أو حتى أولية، وأن تتبناها مجموعة من المصارف والبنوك الإسلامية كبطاقة ائتمان مثلاً، وممكن إنشاء شركة كبيرة استثمارية لها".
وتابع القرة داغي: "بيتكوين ومثيلاتها من هذه العملات تهدد السلام الداخلي للإنسان، أو الأمن الداخلي أو على أقل تقدير الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي".
مصر:
ونقل عن مفتي مصر، شوقي علام، قوله: "لا يجوز شرعًا تداول بيتكوين والتعامل من خلالها بالبيعِ والشراءِ وغيرها، ويُمنع من الاشتراكِ فيها، لعدم اعتبارِها كوسيط مقبول للتبادلِ من الجهاتِ المختصصة، ولِمَا تشتمل عليه من الضررِ الناشئ عن الجهالة والغش في مَصْرِفها ومِعْيارها وقِيمتها، فضلًا عما تؤدي إليه ممارستُها من مخاطرَ عالية على الأفراد والدول".
السعودية:
أما عضو هيئة كبار العلماء والمستشار في الديوان الملكي السعودي، عبدالله بن محمد المطلق، فحذَّر في تصريحات إعلامية، من خطورة التعامل بالعملة الرقمية "بيتكوين"، وشدد على أن "المخاطر كبيرة جداً جداً جداً في هذه العملة والعملات الرقمية الأخرى".
وأكد المطلق على أن مصدر تحذيره من "بيتكوين" يكمن بعدم معرفة مصدرها، مضيفاً: "عملة ليس وراءها دولة ولا يُعرف من أول من أنتجها ولا يُعرف لها دولة تحميها وقد حذرت البنوك المركزية، ومنها مؤسسة النقد السعودي، من التعامل بها"، وقال: "المعاملات هذه فيها مخاطر عالية جدا، أحيانا ترتفع إلى 20 ألف دولار ثم تنخفض إلى 15 ألف دولار، هذه مخاطر عالية لا يدخلها إلا مَن لا قيمة للمال عنده".
وأضاف: نحذر من الدخول فيها؛ لأن المال غالٍ، وحرم الشرع إضاعته وأكله بالباطل.
فلسطين:
بدورها، أصدرت دار الإفتاء الفلسطينية فتوى تحرم فيها التعامل مع العملة الافتراضية بما فيها "بيتكوين". وقالت دار الإفتاء إن العملة الرقمية "بيتكوين" وغيرها من العملات، لا يجوز بيعها أو شراؤها لأنها عملة ما زالت مجهولة المصدر، ولا ضامن لها وشديدة التقلب وتتيح مجالاً للنصب والاحتيال.
وأرجعت دار الإفتاء في بيان أصدرته الشهر الماضي، سبب تحريم العملات الافتراضية في فلسطين، الى ارتباطها بـ"المقامرة"، واحتوائها على "الغرر الفاحش".
قطر:
وفي الدوحة، أوصى مؤتمر الدوحة الرابع للمال الإسلامي، الذي عقد يوم 9 يناير/ كانون الثاني الجاري، بعنوان "المستجدات المالية المعاصرة والبناء المعرفي"، وصدرت توصياته امس الإثنين، بالتحفظ على التعاملات الحالية للعملات الرقمية بسبب انتفاء الصفة القانونية عنها كعملات وعدم اعتراف السلطات الرسمية بها، وعدم تحقق المنفعة المعتبرة شرعاً لاعتبارها سلعة أو أصلا مالياً، بالإضافة لما يتعلق بها من مخاطر كبيرة تعارض المقاصد الإسلامية في حفظ المال.
وأكد البيان الختامي للمؤتمر الذي عقد بمشاركة أكثر من 800 من العلماء والباحثين والمسؤولين الماليين المحليين والدوليين والمصرفيين ونخبة من العلماء والأكاديميين والخبراء في القطاع المالي من أكثر من 20 دولة حول العالم، على التوصية بمتابعة مستجدات العملات الرقمية، وحث العلماء والباحثين على الدراسات الشرعية والعلمية التقنية المتعمقة لوضع الأطر والضوابط الشرعية والاقتصادية حال تم الاعتماد القانوني لهذه العملات.
كما أوصى المؤتمر في بيانه الختامي، المؤسسات المالية بضرورة الاهتمام بالهندسة المالية لتطوير أدوات ومنتجات التمويل الإسلامي وانفتاحها على التكنولوجيا الرقمية بما يحافظ على سلامتها الشرعية ويعزز من دورها في العالم الرقمي.
المنع وليس التحريم
وفي ما يتعلق بالحكم الشرعي للعملات الإلكترونية، قال رئيس الهيئة الشرعية الموحدة لمجموعة البركة المصرفية، عبدالستار أبو غدة، بما أن القضية ليس فيها نصوص شرعية، واختلفت في شأنها الأنظار الفقهية، فإن ما سيأتي من بيان الحكم لم تستخدم فيه كلمة (التحريم) تحرجاً وإنما (المنع).
وأضاف أبوغدة أن هناك طرحين للمنع شرعا من التعامل أو التداول بالعملات الإلكترونية، الأول، على اعتبار أن القضية من المستجدات وأن الأصل الإباحة إلا حيث يتأكد المنع الشرعي فإنه يحق لولي الأمر وهو ها هنا (بالنيابة) البنوك المركزية، تقييد المباح بمنعه لتحقيق المصلحة التي لا تتعارض مع الشريعة.
وأشار إلى أن أمثلة وتطبيقات هذا المبدأ كثيرة في الواقع الذي نعيشه مثل الممنوعات بأنظمة المرور، وممارسة بعض المهن التجارية التي الأصل فيها الإباحة حيث تمنع بلا ترخيص رسمي، وليس مقتضى ذلك أن يصبح الحلال حراما أو ممنوعا شرعا بل الممنوع مخالفة (معصية) ولي الأمر.
وعليه، فإن الجهات الرقابية والإشرافية في معظم البلاد إما صرحت بمنع التعامل بالعملات الإلكترونية أو لم تعتمدها، وهو أمر ضروري.
وينص الطرح الثاني، على أن الضرر والضرار ممنوعان شرعا، وركوب الأخطار التي لا تدعو إليها حاجة الحياة، وإضاعة المال، كل هذه من الممنوعات شرعاً.
وأضاف أبوغدة الذي قدم دراسة خلال جلسات المؤتمر، بعنوان "النقود الرقمية: الرؤية الشرعية والآثار الاقتصادية"، أن التعامل بالعملات الرقمية فيه مخاطر وهي ليست كمخاطرة التجارة الناتجة عن الضمان تطبيقا بمبدأ (الخراج بالضمان) الوارد في السنة، و(الغنم بالغرم) القاعدة المعتمدة بل هو إلقاء بالنفس والمال إلى التهلكة، وحفظ المال من مقاصد الشريعة، وهذا التعامل تعريض له للتلف لعدم وجود أي حماية له بخلاف العملات الرسمية المعتبرة، ولا حاجة لإعادة التذكير بالمخاطر، ومنها الكساد وإيقاف التعامل ووقوع الأخطاء التقنية المؤدية للنزاع.
وتابع: هناك مصادمة أو تعريض لها لأحكام مسلمة، وهي الزكاة والتوريث، فالزكاة ترتبط بالنقود التي هي قابلة للنماء بطبيعتها، بحيث تؤدى الزكاة من استثمارها والعملات الإلكترونية هل تزكى بمقاديرها غير الثابتة وغير الحاصلة على قبول عام؟ والتوريث كيف يحافظ عليه وهي قائمة على (الترميز) وفي طي الخفاء؟
وأوضح أبو غدة أنه لم يحصل للعملات الإلكترونية القبول إلا لدى الشريحة التي تتعامل بها، فليس هناك قبول عام كما في العملات الرسمية، ولا يُلزَم بائعو السلع ومقدمو الخدمات بقبولها، وليس لها قيمة ذاتية مستقرة فلا ترتبط بمؤشر ثابت، ولذا تتصف بالقفزات الكبيرة للقيمة، وهو الذي الذي يغري المتعاملين بها دون تقدير العواقب، حسب وصفه.
وأشار إلى أن القيمة السوقية للعملات الإلكترونية تبلغ 148.8 مليار دولار، وحجم التداول اليومي الإجمالي 2.02 مليار دولار، وتحتل "بيتكوين" أكبر حصة بنسبة 49%.
وأكد أنه لم تقبل أي دولة بإعطاء العملة الرقمية صفة قانونية حتى الآن، وقد حظرتها بعض البلدان، ومعظمها لم تتخذ قرارا بشأنها بأنها، عرفاً، عملة، أو أن لها أساسا شرعيا باعتبارها عملة.
وحول زكاة النقود الرقمية، قال رئيس الهيئة الشرعية لمجموعة البركة المصرفية، إن الاتجاهات الفقهية المعاصرة اختلفت في العملات الرسمية والفلوس من حيث كونها مالاً، كالذهب والفضة أم لا تعد مالاً؟ وذلك لأنها لم تكن معروفة من قبل إلا في العصر الحاضر، ومن هنا اختلف الفقهاء فيها هل تجب الزكاة فيها مطلقاً؟ أم هي عروض إن نُوي بها التجارة ففيها الزكاة وإلا فلا؟
وأوضح أن هناك اتجاهين في الفلوس والعملات الرسمية، والمقايسة للمعاملات الإلكترونية بالفلوس أقرب في التصوير، والاتجاه الراجح فقهيا أن الفلوس والعملات الرسمية بمنزلة النقد في وجوب الزكاة.