البنك الدولي: الاقتصاد العربي واعد رغم المخاطر

09 ابريل 2014
هل تعود أسواق تونس الى النمو؟ (getty)
+ الخط -
توقع البنك الدولي اليوم الأربعاء ارتفاع متوسط النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 2.6 في المئة عام 2013 إلى 4.6 في المئة عام 2015.
ويظهر تقرير عن البنك الدولي صدر اليوم تحت عنوان "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: الاستفادة من الانتعاش العالمي، مسيرة صعبة نحو المستقبل" أن عام 2014 يبدو مبشراً بالتفاؤل مع توقع انتعاش الاقتصاد العالمي، أما عام 2015 فيمكن أن يكون نقطة تحول لبلدان المنطقة حيث من الممكن أن تبدأ في الاستفادة من زيادة قوة الطلب العالمي في البلدان المرتفعة الدخل. 
ومن المتوقع أن تقود البلدان المصدرة للنفط في المنطقة، وخاصة بلدان مجلس التعاون الخليجي، قاطرة الانتعاش بنمو يصل إلى 3.5 في المئة عام 2014 وإلى 4.8 في المئة عام 2015.
وستواصل حزم التحفيز الكبرى في دول مجلس التعاون الخليجي والتدفقات المالية على باقي بلدان المنطقة، لاسيما مصر والأردن، زيادة معدلات النمو الإقليمي مع استمرار الزيادة في رؤوس الأموال والإنفاق الجاري.
ومن المتوقع أن ينتعش النمو في البلدان المصدرة للنفط، في حين يظل اقتصاد البلدان المستوردة للنفط، مثل مصر وتونس ولبنان والأردن، هشاً إلا أنه قد يعاود النمو بقدر طفيف خلال هذه الفترة.
الرهان على الهدوء السياسي
وفي هذا الإطار تقول نائبة رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنغر أندرسن: إن "التقدم الإيجابي في المناخ السياسي بالبلدان التي تمر بمرحلة تحول قد يمهد الساحة أمام تحسن تدريجي في الآفاق الاقتصادية".
وأضافت أن "الاستمرار بتبني الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية ستساعد بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على التصدي للمشاكل التي حالت من قبل بينها وبين الانتقال إلى مسار النمو المستدام".
ويؤكد رئيس الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، شانتا ديفاراجان، أن " التعافي العالمي ما زال هشاً، بينما تبقى المخاطر قائمة، ومنها استمرار انخفاض معدلات التضخم في البلدان المرتفعة الدخل وتصاعد الصراع في أوكرانيا... والخطر الأكبر على الانتعاش الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو عدم حل المشاكل الهيكلية المزمنة".
ويحذر التقريرأنه في حين تشهد المنطقة انتعاشاً طفيفاً في معدلات النمو بفضل انتعاش الاقتصاد العالمي وانحسار التوترات السياسية في بعض البلدان التي تمر بمرحلة تحول، تظل آفاق الانتعاش الاقتصادي الكامل غير أكيدة إذا تعثرت الإصلاحات.
وتعد أسواق العمل في كل بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقريباً مجزأة مع وجود تقسيم حاد بين من يحظون بالحماية وبين من يعانون الإقصاء.
وقد أضرت اللوائح المقيدة بالشركات الجديدة والصغيرة وباتت أسواق العمل تميل بشدة نحو وظائف القطاع العام حسب التقرير.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى ضرورة توفير 28 مليون وظيفة خلال السنوات السبع المقبلة لمجرد الحيلولة دون ارتفاع معدلات البطالة.
وفي حين يبقى التفاوت في الدخل منخفضاً وتشهد معدلات الدخل لدى فئة الأربعين بالمئة الأدنى دخلاً ارتفاعاً بنسب أعلى من المتوسط، تفاقمت أوضاع الضعفاء وأصبح قطاع كبير من السكان معرضاً للوقوع بالفقر عند حدوث صدمات سلبية.
ولم يتحقق التنوع الاقتصادي، بحسب تقرير البنك الدولي، حيث ينعدم في المنطقة الاستثمار في رأس المال "غير المادي" الذي يشمل التعليم والابتكار والمؤسسات القوية التي تعزز المنافسة. ويستشري الفساد في كل بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقريباً وأصبح شائعاً لا سيما في التوظيف بالقطاع العام. ومع هذا يظل التفاؤل الحذر هو السمة السائدة في التقرير.
اتجاهات النمو العالمي
وفي التفاصيل، يقول التقرير: إنه في مقارنة مع السنوات الثلاث السابقة، يمكن اعتبار عامي 2014 و2015 نقطة تحول وأمل بالنسبة للبلدان في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا.
فالعديد من البلدان في الشرق الأوسط تبدأ في الاستفادة من الطلب الخارجي القوي القادم من الاقتصادات ذات الدخل المرتفع ، مع اتجاه الاقتصاد العالمي للانتعاش في عام 2014، بعد تباطؤ ملحوظ في عام 2013.
ومن المتوقع حدوث انتعاش في الاقتصادات ذات الدخل المرتفع بحيث يتعزز النمو العالمي إلى 3.2 في المئة في عام 2014، بزيادة بنسبة 0.8 نقطة مئوية في مقارنة مع عام 2013. ومن المتوقع أن يتحسن الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 2015 إلى 3.4 في المئة.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن النمو في الولايات المتحدة سيزيد بنسبة 1 نقطة مئوية ليصل إلى 2.8 في المئة في عام 2014 و2.9 في المئة في عام 2015؛ وفي منطقة اليورو إلى 1.1 في المئة و 1.4 في المئة في عام 2014 و 2015 على التوالي، في مقارنة مع نمو سلبي 0.4 في المئة في عام 2013 . وسيتحقق انتعاش النمو في منطقة اليورو إلى حد كبير بسبب تطور الصادرات.
وضع الشرق الأوسط
في منطقة الشرق الأوسط ، من المتوقع زيادة الصادرات من الطاقة والمنتجات المصنعة في البلدان التي لديها روابط تجارية مع البلدان المرتفعة الدخل.
وتعتبر منطقة اليورو (وخاصة جنوب أوروبا )، والصين وإلى حد ما الولايات المتحدة، مفتاح النمو لمعظم بلدان المنطقة. إذ أن النمو في الصين ما يزال مرتفعاً بما فيه الكفاية للحفاظ على الطلب الثابت على الصادرات الهيدروكربونية من منطقة الشرق الأوسط.
ومن الأرجح ان تشهد معظم البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط زيادة طفيفة في النمو السياحي والاستثمار الأجنبي المباشر والتحويلات المالية نتيجة للانتعاش في الاقتصاد العالمي، ولكن لا تزال قضايا الأمن الداخلي تشكل تحدياً في هذا المجال.
وتظهر تقديرات مجلس السفر والسياحة العالمي أن عائدات السياحة ستزيد بنسبة 7 في المئة في منطقة الشرق الأوسط في عام 2015 بالنسبة لعام 2014.
إلا أنه وبرغم النمو العام إلا أن الانتعاش الاقتصادي العالمي لا يزال هشا وتحيط به المخاطر السلبية، خصوصاً فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، وباستمرار ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، الأمر الذي قد يضعف الطلب ويؤخر النمو المتسارع للانتعاش.
باختصار، وبعد ثلاث سنوات من التباطؤ، من المتوقع أن يتحسن الأداء الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط في عام 2014 ولكن سيظل النمو أقل من المتوسط المحقق بين أعوام 2000-2010 .
وسيكون معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط حوالي 3.3 في المئة في عام 2014 و4.6 في المئة في عام 2015.
ومن المتوقع أن يؤدي الانتعاش الاقتصادي الإقليمي إلى رفع النمو لنسبة  3.5 في المئة في عام 2014 و4.8 في المئة في عام 2015 في البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي .
ومن المتوقع أن يحدث تحولات إيجابية في البلدان المصدرة للنفط بعد عامين من الانكماش الذي نتج عن الانخفاض الحاد في إنتاج النفط و التجارة في أعقاب تشديد العقوبات الدولية على إيران.
ويقدر صندوق النقد الدولي أن معظم هذه البلدان بحاجة إلى أسعار النفط أعلى من 90 دولاراً للبرميل لموازنة ميزانياتها.
أما في حال السير بسيناريو سلبي تنخفض فيه أسعار النفط الى ما دون 90 دولاراً، فإن ذلك يمكن أن يزيد الضغوط المالية وخاصة في البحرين وعمان.
في المقابل، ما تزال اقتصادات المستوردة للنفط بما في ذلك مصر وتونس ولبنان والأردن تعاني من اقتصاد هش ولكن من المتوقع حدوث انتعاش طفيف في النمو خلال هذه الفترة.
في حين أنه يمكن لتونس والمغرب الاستفادة من الانتعاش في منطقة اليورو.
ومع ذلك، فإن استمرار التوترات السياسية والاجتماعية ما يزال يشكل خطراً كبيراً، و ارتفاع الديون والحساب الجاري والعجز المالي ترك هذه الاقتصادات عرضة للصدمات الاقتصادية والخارجية.
من بين البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية، من المتوقع أن يتطور النمو في مصر إلى 2.7 في المئة في عام 2014، و3.8 في المئة في عام 2015، ارتفاعا من حوالي 2 في المئة في عام 2013 .هذا الانتعاش المعتدل، يحفز الاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار في القطاع الخاص.
أما في تونس حيث تم التوصل إلى توافق سياسي على الحكومة الانتقالية و الدستور مؤخرا، سيتحسن النمو في عام 2014 و 2015 إلى 3 و 4.5 في المئة على التوالي.
ومن المتوقع أن ينتعش النمو في البلدان النامية المصدرة للنفط بما في ذلك إيران والعراق والجزائر وليبيا و اليمن ولكن سوف تظل أقل من مستويات ما قبل الربيع العربي.
ومن المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الاجمالي في هذه المجموعة من الدول 6.8 في المئة في عام 2015، من 0.7 سلبية في عام 2013.
أما إيران فستنتقل إلى نمو إيجابي بنسبة 1.5 في المئة في عام 2014 و 2.3 في المئة في عام 2015 بعد عامين من النمو السلبي .
المخاطر الكبرى
أما أكبر خطر على مستقبل الانتعاش الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط هو أن المشاكل الهيكلية في الاقتصاد ستظل دون حل. إذ ان بلدان المنطقة تشترك في العديد من المشاكل الهيكلية التي تمنع اقتصادها من الانتقال إلى مسار نمو أعلى ومستدام.
فقد عانت دول الشرق الأوسط طويلا من ارتفاع معدلات البطالة بشكل خاص بين النساء، وتباطؤ النمو وتراجع القدرة على خلق فرص العمل. إذ يقدر معدل البطالة في المنطقة بحوالي 11 في المئة. وترتفع النسبة كثيراً لدى الفئة الشابة ممن هم دون سن الـ 24 ، وهو ما يتجاوز 50 في المئة في اليمن وليبيا.
أما الفساد فمنتشر في جميع البلدان تقريبا في منطقة الشرق الأوسط و شائع خاصة في التوظيف في القطاع العام .
وأظهرت دراسة حديثة في تونس أن 8 من أصل 10 اشخاص يعتقدون أن الواسطة أساسية للحصول على وظيفة في القطاع العام .
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أنه خلال 7 سنوات (2014-2020) يجب خلق حوالي 28 مليون فرصة عمل في دول المنطقة للحفاظ على معدل البطالة كما هو من دون ارتفاع. ما يعني خلق 4 ملايين فرصة عمل سنويا.
وأدى التباطؤ في النشاط الاقتصادي في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية بعد الربيع العربي ( 2011-2013 )، والآثار غير المباشرة على البلدان المجاورة إلى نمو بلغ متوسطه حوالي 2-3 في المئة.
تحت سيناريو التباطؤ المستمر في النشاط الاقتصادي ، فإن متوسط معدل البطالة في المنطقة سيشهد زيادة كبيرة، والشباب والإناث هم الأكثر تأثراً .
من جهة أخرى، فإن شريحة واسعة من السكان في منطقة الشرق الأوسط تعاني من مشاكل اجتماعية (على سبيل المثال  اليمن 45 في المئة ، 30 في المئة جيبوتي والعراق 20 في المئة ).
وفي حال حدوث صدمة سلبية، هذه الأسر معرضة لخطر الوقوع في الفقر المدقع .
وقد ساهم عدم وجود التنويع الاقتصادي إلى حد كبير في تقلب النمو في منطقة الشرق الأوسط. فالدول المصدرة للنفط تعتمد في المقام الأول على سلعة واحدة فقط وهي تصدير النفط، أما الدول المستوردة للنفط فتفتقر إلى وجود تنوع في الشركاء التجاريين.
على سبيل المثال تعد فرنسا الشريك التجاري الرئيس لتونس والمغرب.
وتشير دراسة حديثة للبنك الدولي (2013 ) إلى أنه بالنسبة للبلدان الغنية بالموارد، يجب السير باستراتيجية تنويع الثروة بدلاً من تعزيز صادراتها. وذلك عبر استثمار رأس المال الملموس برأس المال غير الملموس الذي يشمل التعليم والابتكار والمؤسسات القوية التي تعزز المنافسة، بدلاً من مجرد دعم صناعات معينة. ومثل هذه الاستراتيجية تساعد على الاستعداد بشكل أفضل لعصر "اقتصاد ما بعد النفط".

المساهمون