البعد البيئي في التنمية

15 يناير 2017
تصحّر (سايلو ديالو/ فرانس برس)
+ الخط -
الإنسان هو أحد مكوّنات البيئة، الذي يتفاعل مع كلّ مكوّناتها. وتعدّ هذه المكونات متقنة التنظيم، وديناميكيّة في اتّزانها، أي أنها دائمة التغيير من صورة إلى أخرى. والمعروف أن كلّ تغيير يُحدث توازناً جديداً. إذاً، التوازن في البيئة غير ثابت، كما أنّ التغيير يمكن أن يكون عميقاً ويؤدي إلى إرباك النظام البيئي بشكل لا يحقّق توازناً إلا بعد فترة قد تطول. من هنا، يمكننا الحديث عن خطورة تدخّل الإنسان غير الراشد في الأنظمة البيئيّة.

ويرى الخبير البيئي يعقوب عبد الله، أنّ سلوك الإنسان هو المسؤول المباشر عن تدهور البيئة، خصوصاً مع تزايد عدد السكان، والسعي إلى تحسين مستوى معيشة الفرد. يقول: "لما كانت التنمية الاقتصادية تعتمد اعتماداً مباشراً على استغلال موارد البيئة، فإن زيادة معدلات التنمية واستغلال الأرض من دون دراسات متكاملة يؤدي حتماً إلى استنزاف الموارد". ويتحدّث عن المؤشّرات التي تبرز الخلل في أسلوب تخطيطنا الاقتصادي الذي أهمل البعد البيئي. "ما يحدث في شمال دارفور، من مشاكل بيئية خطيرة، ساهم في اشتعال فتيل الحرب، على غرار التصحر وتدهور المراعي والثروة الغابية وتدني إنتاجية الأراضي الزراعية، وما صاحب ذلك من آثار كالهجرة وأمراض وسوء التغذية والنزاعات حول الموارد".

وعلى مدى نصف قرن، يطالب خبراء البيئة بضرورة دمج البيئة في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يتطلب النظر إلى معطيات البيئة، وتحليل هذه المعطيات وقدراتها، وتحديد الاستخدام الأمثل والآمن بحسب طاقة وحمولة البيئة، ورصد المتغيرات البيئية لاتخاذ الإجراءات والاحتياطات اللازمة لإيقاف أي تدهور، ومعالجة المشاكل التي تترتب عليه قبل تفاقمها.

وممّا رُصد حول المتغيرات التي حدثت في جنوب دارفور، نقف عند ما اعترى حياة السكان من خلل كبير جراء النزاع المسلح. فقد أُحرقت قرى بكاملها، ونزحت مجموعات كبيرة من السكان واستقر بعضهم في المعسكرات، والبعض الآخر حول المدن، لتتغير أساليب كسب عيشهم، بين اعتماد على الإغاثة، وممارسة الأعمال الهامشية في قطاع غير منظم. وتأثرت البيئة حول المعسكرات وأحزمة المدن، لتضاف مناطق جديدة إلى خريطة التدهور البيئي.

كلّ ذلك خلق وضعاً جديداً تطلب وضع خطط العلاج اللازمة ضمن خطط تحقيق السلام. إلا أن السنوات تمضي، والنازح يظل نازحاً مع تغيير كبير في سلوكه حيال البيئة. وكما تبدل السلوك تغيرت البيئة، ولم تعد قادرة على خلق توازن جديد، بعدما كان الأمر ممكناً قبل أعوام قليلة مضت.

*متخصص في شؤون البيئة


المساهمون