فشل الطبيب السعودي عبدالمجيد الموسي في اجتياز اختبار القبول الشاملSaudi License Exam للمرة الثانية، ما اضطره إلى التسجيل للمرة الثالثة ودفع مبلغ 800 ريال سعودي (ما يوازي 213 دولارا أميركيا) إذ لا يستطيع ممارسة عمله قبل النجاح في الاختبار الذي بات أساسيا منذ خمس سنوات للالتحاق بأي مشفى أو مركز صحي في السعودية.
يطوي عبدالمجيد الذي تخرج في عام 2013 إيصال تسديد الرسوم قبل أن يضعه بإهمال في جيبه، قائلا: "أعرف أنني سأرسب هذه المرة أيضا، الاختبار أصعب مما توقعنا، دفعت 500 ريال في المرة الأولى و800 ريال في المرة الثانية، وفي كل مرة يحتوي الاختبار على أمور لم ندرسها في الكلية".
ماذا سيفعل عبدالمجيد؟ يهز كتفيه قبل أن يجيب: "لا خيار لي ولزملائي سوى أن نخوض هذا الاختبار مرة تلو الأخرى، حتى تصدف معنا وننجح، أو ترحمنا الوزارة وتسهل لنا الأسئلة"، لكن الخيار الأخير لا يبدو ممكناً، إذ تصر وزارة الصحة على أن يظل مستوى الاختبار مرتفعا، حتى تضمن تأهيلا جيدا للممارس الصحي، على الرغم من أن الاختبارات التي وضعتها الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، تسببت في استبعاد 81 في المائة من الممرضين والممرضات السعوديات الذين تقدموا للاختبار في العام الماضي، من الحاصلين على شهادة البكالوريوس في التمريض من كليات حكومية وأهلية معترف بها، كما فشل 47 طبيبا في الاختبار الأخير للهيئة، وفق ما كشفته الهيئة في يناير/ كانون الثاني الماضي.
اقــرأ أيضاً
ضعف التأهيل
يتهم الممارسون الصحيّون (أطباء وممرضون وفنيو مختبرات وأشعة وتأهيل طبيعي) الهيئة بأنها تضع اختبارات بالغة الصعوبة، ما دفع 28 من الممرضين الراسبين إلى السعي للحصول على الرخصة عن طريق القضاء عبر توكيل المحامي سلمان العنزي، لمقاضاة الوزارة، ويتوقع القانوني أحمد الراشد أن تأخذ القضية وقتا طويلا، لا يقل عن عامين، قبل البتّ فيها، خصوصا أن "الهيئة تتمسك بأنها تريد أن تستأمن على صحة المرضى المؤهلون بشكل كبير فقط"، بحسب ما أكده المتحدث الرسمي باسم الهيئة السعودية للتخصصات الصحية عبد الله الزهيان، مضيفا: "لن نتنازل عن السعي لتحقيق هدف ضبط عملية الممارسة المهنية الآمنة في القطاع الصحي، حفاظاً على أرواح المرضى"، وشدد الزهيان في بيان أصدرته الهيئة رداً على اتهامات الراسبين بأن: "الهدف من تلك الاختبارات هو تطوير الأداء المهني، وتنمية المهارات"، وأضاف: "جميع الامتحانات تمت وفق معايير علمية دقيقة، وبإشراف نخبة من المتخصصين في المجال نفسه".
ويرجع عدد من الممرضين الراسبين في اجتياز اختبارات الهيئة سبب فشلهم إلى أن اختبارهم كان كندياً، وتختلف أسئلته عما درسوه سابقاً، الأمر الذي تسبب في التحاقهم بركب العاطلين عن العمل على الرغم من شهادتهم التي أنفقوا عليها 250 ألف ريال مصروفات دراستهم في الجامعات الأهلية (66 ألف دولار أميركي)، من بين هؤلاء الممرض ماجد البرغش، الذي فشل عدة مرات في اجتياز الاختبار، متهماً الهيئة السعودية للتخصصات الطبية بتعمد تعقيد الاختبار، من أجل تقليل عدد الناجحين في ظل ردود يتلقّاها الممارسون الصحيون عند توجههم إلى القطاع العام أو الخاص بعدم توفر فرص عمل، قائلا لـ"العربي الجديد": "ما معنى أن نُجبر كسعوديين على أداء اختبار بالغ الصعوبة، فيما لا يخضع له عدد من غير السعوديين الذين يتم الاكتفاء بحصولهم على رخصة ممارسة مهنية من بلادهم، أعتقد أن ما يحدث هو تطفيش للسعوديين لا أكثر".
وينقسم الشأن الصحي في السعودية بين خمس جهات رئيسية، وتعتبر وزارة الصحة الجهة الأكبر بينها، إذ تشرف على القطاع الأكبر من المستشفيات والمراكز الصحية، فيما تشرف وزارة التعليم على المستشفيات الجامعية، كما تتوزع باقي المؤسسات الصحية بين وزارات الدفاع والحرس الوطني والداخلية، ونفى المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة مشعل الربيعان أن يكون هناك أي تنسيق بين الوزارة وبين هيئة التخصصات الطبية، من أجل تصعيب الاختبار لتقليص التوظيف، قائلا لـ"العربي الجديد": "هيئة التخصصات الطبية جهة مستقلة تماما عن وزارة الصحة، ولا نملك الصلاحية التي تجعلنا نفرض عليهم أن يصعّبوا أو يسهّلوا الاختبارات، كما لم ننسق معهم في هذا الشأن، فقط في الأمور التي تهم الطرفين، ولكن ليس لنا علاقة بالاختبارات التي تجريها الهيئة".
ويقف استشاري العظام والمختص في الشأن الصحي الدكتور محمد الخاتم، في مرحلة وسطى بين اتهامات الخريجين لوزارة الصحة بعدم الرغبة في توظيفهم، ورد الوزارة بتواضع إمكاناتهم، مؤكداً أن العلة في الأساس تكمن في ضعف التأهيل، متهماً الكليات والمعاهد الصحية الخاصة بأنها لا تؤهل الطلاب بشكل جيد، وبأن هدفها هو الربح المادي عبر رفع الرسوم الدراسية على الطلاب، موضحا في إفادته إلى "العربي الجديد: أنه "من الواضح أن هناك قصوراً واضحاً في تعليم هؤلاء الطلاب، إذ إن اختبار الرخصة الطبية معمول به في كل دول العالم ويركز على نواحٍ طبية الأساسية، واذا كان الخريج لا يعرف هذه الأمور فهذه مصيبة، ولا يجب السماح لهؤلاء بالعمل في محال حيوي وحساس مثل التخصصات الطبية دون امتلاك التأهيل الجيد".
اعتراف بالنقص الحاد في عدد الممارسين الصحيين
اعترفت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية بـ"النقص الحاد" في عدد الممارسين الصحيين السعوديين، ووفقاً لما كشفته الهيئة في إحصائية نشرتها في إبريل/نيسان 2016 فإن طبيبا سعوديا يتوفر لكل 800 مواطن، فيما يتوفر ممرض سعودي لكل 285 مواطناً، وهي نسبة متدنية مقارنة بالنسبة العالمية التي تصل إلى طبيب لكل 416 مواطناً وممرضاً لكل 222 مواطناً وفقاً لمعايير منظمة الصحية العالمية، وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قالت وزارة الصحة في خبر رسمي نشرته عن طريق قسم العلاقات العامة، إنها: "تنوي بالتعاون مع وزارة التعليم إطلاق مبادرة مشتركة لتدريب المواطنين على العمل في المجالات الصحية"، مؤكدة أن "المبادرة الجديدة تمهد لتوطين 200 ألف وظيفة في القطاعين العام والخاص، والعمل على تجهيز المواطنين للإحلال التدريجي لتلك الوظائف"، وأُرفق مع الخبر تصريحا للمشرف العام على قطاع التنمية الاجتماعية في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية المهندس ماجد العصيمي، شدد فيه على أن المبادرة، ستوفر وظائف للشباب والفتيات المؤهلين والقادرين لشغل الوظائف الطبية الحرجة التي تشغل بالعنصر الأجنبي بنسبة كبيرة"، ولكن على الرغم من مرور نحو عام على الخبر المنشور في معظم الصحف المحلية، لم تظهر المبادرة على أرض الواقع بسبب الخلافات بين وزارتي التعليم والصحة حول عملية التوظيف، وهو ما أصاب فني الأشعة محمد الماجد باليأس، بعد أن ظن أنه لن ينتظر فترة طويلة قبل أن يتم الإعلان عن وظائف جديدة في تخصصه ولكن من دون جدوى، إذ لم تزد الوظائف المعلن عنها خلال ذات الفترة في مجال فني الأشعة عن خمس وظائف، ويقول الماجد: "سمعنا أن هناك وظائف جديدة سيتم طرحها قريبا، ولكن هذا القريب لا يأتي، وتمر الشهور دون أن يحدث شيء"، ويضيف :"أكملت عامي الرابع منذ تخرجت بدرجة جيد جدا، وأنهيت فترة تدريبي بنجاح دون أن أحصل على وظيفة، وأخشى أن يطول انتظاري أكثر، وأنسى كل ما تعلمته".
وعلى الرغم من ضعف التوظيف، ما تزال الكليات الطبية تدفع بالخريجين إلى سوق العمل كل عام إذ تخرج 3500 طبيب وممارس صحي وفني في عام 2016، وفقاً لموقع وزارة التعليم العالي السعودية، وخلال احتفال كلية ابن سينا الأهلية للعلوم الطبية في جدة، العام الماضي، أكد رئيس مجلس إدارة الكلية شالي بن عطية الجدعاني على أن سوق العمل ما زال بحاجة إلى كوادر سعودية طبية ذات كفاءات عالية، لافتاً إلى أنه بمقارنة إجمالي الأطباء والممرضين السعوديين المتوافرين في سوق العمل الصحية بعدد المواطنين، يتضح حجم النقص، إذ يفترض أن يتوفر طبيب سعودي لكل 500 مواطن، إضافةً إلى ممرض سعودي لكل 250 مواطنا، وفني لكل 400 مواطن.
#الوظايف_الصحيه_منسيه
تتفق تصريحات مسؤول كلية ابن سينا مع تقرير صدر عن وزارة الصحة في أغسطس/آب الماضي، إذ كشف التقرير أن مجموع عدد الأطباء العاملين في السعودية، بلغ 68756 طبيبا في كل التخصصات، بما فيها الأسنان من بينهم 22534 سعوديا وسعودية، فيما بلغ عدد العاملين في التمريض 172483 ممرضا وممرضة، وبلغت نسبة السعوديين من بينهم 38 في المائة، بينما بلغ عدد الصيادلة 23624، من بينهم 21 في المائة من السعوديين، وكشف التقرير ذاته أن الوضع في القطاع الخاص أكثر سوءاً، إذ لا يتجاوز عدد السعوديين الذين يعملون في القطاع الصحي حاجز الـ 8 في المائة، من أصل 106 آلاف ممارس صحي، والبقية وافدون، ويبلغ إجمالي عدد الممارسين الصحيين السعوديين 139 ألف ممارس صحي، في وقت بلغ عدد الممارسين الصحيين الوافدين 317 ألفاً، ما بين أطباء وصيادلة وممرضين، وبسبب هذا الوضع فإن طبيبة الأسنان أروى التي تخرجت قبل عامين لا تجد وظيفة، وهو حال أحمد الجابري الذي حصل على تقدير امتياز في تخصص المختبرات، ولكنه مثل أروى، لا يجد عملا ما أجبره على أن يعمل سائق تاكسي، المصير ذاته يهدد الطبيب معن الناصر الذي ما يزال عاطلا عن العمل، ويقول بحسرة: "خذوا شهادتي لا أريد أن أتوظف بها، أريد أي وظيفة متاحة حتى أعيش بكرامة مع عائلتي".
ومن أجل لفت الأنظار إلى معاناتهم، دشن ممارسون صحيون عاطلون وسم (#الوظايف_الصحيه_منسيه)، من أجل إسماع صوتهم لوزارة الصحة، ووزارتي الخدمة المدنية والعمل.
أمام تلك الأمثلة الدالة على تفشي البطالة، يعود الدكتور محمد الخاتم المطلع عن كثب على كل ما يخص الشأن الصحي السعودي، مؤكدا أن هناك مشكلة حقيقية في توظيف السعوديين "تحديدا" في المجال الطبي، لا يقتصر ذلك على الفشل في الاختبار، إذ إن ثمانية آلاف ممارس طبي بمختلف التخصصات نجحوا في الاختبار، ولكن يجلسون في بيوتهم، ويضيف: "بعيدا عن الاختبار وصعوبته، لا توجد وظائف صحية كافية مدرجة على لائحة الوظائف المعلن عنها، المجال مغلق منذ أربع سنوات، والاعتماد قائم على الوافدين".
في الاتجاه ذاته يحمّل الطبيب فهد الحميزي وزارة التعليم مسؤولية تأهيل الممارسين الصحيين حتى ولو تخرجوا من كليات أهلية، من خلال التدريب في المستشفيات، ويضيف: "السواد الأعظم من هؤلاء الطلاب، لا يحتاجون إلا لبرامج إعادة تأهيل مهارات شخصية وانضباط، من غير المعقول أن يكون لدينا آلاف الممارسين الطبيين العاطلين، بينما يعمل السعوديون في المستشفيات في الوظائف الإدارية، والحراسات الأمنية حسب ما لاحظه في المشافي التي عمل فيها، ويتابع: "هناك خلل لا بد من علاجه"، وتماما مثل الخاتم، يتخوف الحميزي من أن يتسبب طول انتظار الخريجين في نسيان ما تعلموه، وهو ما سيعني أن مليارات الريالات التي صُرفت على تعليمهم تم هدرها، ناهيك عن مستقبل آلاف الشباب، ويضيف: "نأمل أن تتحرك الوزارات المعنية سريعا، وأن نتجنب إضاعة المزيد من الوقت".
يطوي عبدالمجيد الذي تخرج في عام 2013 إيصال تسديد الرسوم قبل أن يضعه بإهمال في جيبه، قائلا: "أعرف أنني سأرسب هذه المرة أيضا، الاختبار أصعب مما توقعنا، دفعت 500 ريال في المرة الأولى و800 ريال في المرة الثانية، وفي كل مرة يحتوي الاختبار على أمور لم ندرسها في الكلية".
ماذا سيفعل عبدالمجيد؟ يهز كتفيه قبل أن يجيب: "لا خيار لي ولزملائي سوى أن نخوض هذا الاختبار مرة تلو الأخرى، حتى تصدف معنا وننجح، أو ترحمنا الوزارة وتسهل لنا الأسئلة"، لكن الخيار الأخير لا يبدو ممكناً، إذ تصر وزارة الصحة على أن يظل مستوى الاختبار مرتفعا، حتى تضمن تأهيلا جيدا للممارس الصحي، على الرغم من أن الاختبارات التي وضعتها الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، تسببت في استبعاد 81 في المائة من الممرضين والممرضات السعوديات الذين تقدموا للاختبار في العام الماضي، من الحاصلين على شهادة البكالوريوس في التمريض من كليات حكومية وأهلية معترف بها، كما فشل 47 طبيبا في الاختبار الأخير للهيئة، وفق ما كشفته الهيئة في يناير/ كانون الثاني الماضي.
ضعف التأهيل
يتهم الممارسون الصحيّون (أطباء وممرضون وفنيو مختبرات وأشعة وتأهيل طبيعي) الهيئة بأنها تضع اختبارات بالغة الصعوبة، ما دفع 28 من الممرضين الراسبين إلى السعي للحصول على الرخصة عن طريق القضاء عبر توكيل المحامي سلمان العنزي، لمقاضاة الوزارة، ويتوقع القانوني أحمد الراشد أن تأخذ القضية وقتا طويلا، لا يقل عن عامين، قبل البتّ فيها، خصوصا أن "الهيئة تتمسك بأنها تريد أن تستأمن على صحة المرضى المؤهلون بشكل كبير فقط"، بحسب ما أكده المتحدث الرسمي باسم الهيئة السعودية للتخصصات الصحية عبد الله الزهيان، مضيفا: "لن نتنازل عن السعي لتحقيق هدف ضبط عملية الممارسة المهنية الآمنة في القطاع الصحي، حفاظاً على أرواح المرضى"، وشدد الزهيان في بيان أصدرته الهيئة رداً على اتهامات الراسبين بأن: "الهدف من تلك الاختبارات هو تطوير الأداء المهني، وتنمية المهارات"، وأضاف: "جميع الامتحانات تمت وفق معايير علمية دقيقة، وبإشراف نخبة من المتخصصين في المجال نفسه".
ويرجع عدد من الممرضين الراسبين في اجتياز اختبارات الهيئة سبب فشلهم إلى أن اختبارهم كان كندياً، وتختلف أسئلته عما درسوه سابقاً، الأمر الذي تسبب في التحاقهم بركب العاطلين عن العمل على الرغم من شهادتهم التي أنفقوا عليها 250 ألف ريال مصروفات دراستهم في الجامعات الأهلية (66 ألف دولار أميركي)، من بين هؤلاء الممرض ماجد البرغش، الذي فشل عدة مرات في اجتياز الاختبار، متهماً الهيئة السعودية للتخصصات الطبية بتعمد تعقيد الاختبار، من أجل تقليل عدد الناجحين في ظل ردود يتلقّاها الممارسون الصحيون عند توجههم إلى القطاع العام أو الخاص بعدم توفر فرص عمل، قائلا لـ"العربي الجديد": "ما معنى أن نُجبر كسعوديين على أداء اختبار بالغ الصعوبة، فيما لا يخضع له عدد من غير السعوديين الذين يتم الاكتفاء بحصولهم على رخصة ممارسة مهنية من بلادهم، أعتقد أن ما يحدث هو تطفيش للسعوديين لا أكثر".
وينقسم الشأن الصحي في السعودية بين خمس جهات رئيسية، وتعتبر وزارة الصحة الجهة الأكبر بينها، إذ تشرف على القطاع الأكبر من المستشفيات والمراكز الصحية، فيما تشرف وزارة التعليم على المستشفيات الجامعية، كما تتوزع باقي المؤسسات الصحية بين وزارات الدفاع والحرس الوطني والداخلية، ونفى المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة مشعل الربيعان أن يكون هناك أي تنسيق بين الوزارة وبين هيئة التخصصات الطبية، من أجل تصعيب الاختبار لتقليص التوظيف، قائلا لـ"العربي الجديد": "هيئة التخصصات الطبية جهة مستقلة تماما عن وزارة الصحة، ولا نملك الصلاحية التي تجعلنا نفرض عليهم أن يصعّبوا أو يسهّلوا الاختبارات، كما لم ننسق معهم في هذا الشأن، فقط في الأمور التي تهم الطرفين، ولكن ليس لنا علاقة بالاختبارات التي تجريها الهيئة".
ويقف استشاري العظام والمختص في الشأن الصحي الدكتور محمد الخاتم، في مرحلة وسطى بين اتهامات الخريجين لوزارة الصحة بعدم الرغبة في توظيفهم، ورد الوزارة بتواضع إمكاناتهم، مؤكداً أن العلة في الأساس تكمن في ضعف التأهيل، متهماً الكليات والمعاهد الصحية الخاصة بأنها لا تؤهل الطلاب بشكل جيد، وبأن هدفها هو الربح المادي عبر رفع الرسوم الدراسية على الطلاب، موضحا في إفادته إلى "العربي الجديد: أنه "من الواضح أن هناك قصوراً واضحاً في تعليم هؤلاء الطلاب، إذ إن اختبار الرخصة الطبية معمول به في كل دول العالم ويركز على نواحٍ طبية الأساسية، واذا كان الخريج لا يعرف هذه الأمور فهذه مصيبة، ولا يجب السماح لهؤلاء بالعمل في محال حيوي وحساس مثل التخصصات الطبية دون امتلاك التأهيل الجيد".
اعتراف بالنقص الحاد في عدد الممارسين الصحيين
اعترفت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية بـ"النقص الحاد" في عدد الممارسين الصحيين السعوديين، ووفقاً لما كشفته الهيئة في إحصائية نشرتها في إبريل/نيسان 2016 فإن طبيبا سعوديا يتوفر لكل 800 مواطن، فيما يتوفر ممرض سعودي لكل 285 مواطناً، وهي نسبة متدنية مقارنة بالنسبة العالمية التي تصل إلى طبيب لكل 416 مواطناً وممرضاً لكل 222 مواطناً وفقاً لمعايير منظمة الصحية العالمية، وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قالت وزارة الصحة في خبر رسمي نشرته عن طريق قسم العلاقات العامة، إنها: "تنوي بالتعاون مع وزارة التعليم إطلاق مبادرة مشتركة لتدريب المواطنين على العمل في المجالات الصحية"، مؤكدة أن "المبادرة الجديدة تمهد لتوطين 200 ألف وظيفة في القطاعين العام والخاص، والعمل على تجهيز المواطنين للإحلال التدريجي لتلك الوظائف"، وأُرفق مع الخبر تصريحا للمشرف العام على قطاع التنمية الاجتماعية في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية المهندس ماجد العصيمي، شدد فيه على أن المبادرة، ستوفر وظائف للشباب والفتيات المؤهلين والقادرين لشغل الوظائف الطبية الحرجة التي تشغل بالعنصر الأجنبي بنسبة كبيرة"، ولكن على الرغم من مرور نحو عام على الخبر المنشور في معظم الصحف المحلية، لم تظهر المبادرة على أرض الواقع بسبب الخلافات بين وزارتي التعليم والصحة حول عملية التوظيف، وهو ما أصاب فني الأشعة محمد الماجد باليأس، بعد أن ظن أنه لن ينتظر فترة طويلة قبل أن يتم الإعلان عن وظائف جديدة في تخصصه ولكن من دون جدوى، إذ لم تزد الوظائف المعلن عنها خلال ذات الفترة في مجال فني الأشعة عن خمس وظائف، ويقول الماجد: "سمعنا أن هناك وظائف جديدة سيتم طرحها قريبا، ولكن هذا القريب لا يأتي، وتمر الشهور دون أن يحدث شيء"، ويضيف :"أكملت عامي الرابع منذ تخرجت بدرجة جيد جدا، وأنهيت فترة تدريبي بنجاح دون أن أحصل على وظيفة، وأخشى أن يطول انتظاري أكثر، وأنسى كل ما تعلمته".
وعلى الرغم من ضعف التوظيف، ما تزال الكليات الطبية تدفع بالخريجين إلى سوق العمل كل عام إذ تخرج 3500 طبيب وممارس صحي وفني في عام 2016، وفقاً لموقع وزارة التعليم العالي السعودية، وخلال احتفال كلية ابن سينا الأهلية للعلوم الطبية في جدة، العام الماضي، أكد رئيس مجلس إدارة الكلية شالي بن عطية الجدعاني على أن سوق العمل ما زال بحاجة إلى كوادر سعودية طبية ذات كفاءات عالية، لافتاً إلى أنه بمقارنة إجمالي الأطباء والممرضين السعوديين المتوافرين في سوق العمل الصحية بعدد المواطنين، يتضح حجم النقص، إذ يفترض أن يتوفر طبيب سعودي لكل 500 مواطن، إضافةً إلى ممرض سعودي لكل 250 مواطنا، وفني لكل 400 مواطن.
#الوظايف_الصحيه_منسيه
تتفق تصريحات مسؤول كلية ابن سينا مع تقرير صدر عن وزارة الصحة في أغسطس/آب الماضي، إذ كشف التقرير أن مجموع عدد الأطباء العاملين في السعودية، بلغ 68756 طبيبا في كل التخصصات، بما فيها الأسنان من بينهم 22534 سعوديا وسعودية، فيما بلغ عدد العاملين في التمريض 172483 ممرضا وممرضة، وبلغت نسبة السعوديين من بينهم 38 في المائة، بينما بلغ عدد الصيادلة 23624، من بينهم 21 في المائة من السعوديين، وكشف التقرير ذاته أن الوضع في القطاع الخاص أكثر سوءاً، إذ لا يتجاوز عدد السعوديين الذين يعملون في القطاع الصحي حاجز الـ 8 في المائة، من أصل 106 آلاف ممارس صحي، والبقية وافدون، ويبلغ إجمالي عدد الممارسين الصحيين السعوديين 139 ألف ممارس صحي، في وقت بلغ عدد الممارسين الصحيين الوافدين 317 ألفاً، ما بين أطباء وصيادلة وممرضين، وبسبب هذا الوضع فإن طبيبة الأسنان أروى التي تخرجت قبل عامين لا تجد وظيفة، وهو حال أحمد الجابري الذي حصل على تقدير امتياز في تخصص المختبرات، ولكنه مثل أروى، لا يجد عملا ما أجبره على أن يعمل سائق تاكسي، المصير ذاته يهدد الطبيب معن الناصر الذي ما يزال عاطلا عن العمل، ويقول بحسرة: "خذوا شهادتي لا أريد أن أتوظف بها، أريد أي وظيفة متاحة حتى أعيش بكرامة مع عائلتي".
ومن أجل لفت الأنظار إلى معاناتهم، دشن ممارسون صحيون عاطلون وسم (#الوظايف_الصحيه_منسيه)، من أجل إسماع صوتهم لوزارة الصحة، ووزارتي الخدمة المدنية والعمل.
أمام تلك الأمثلة الدالة على تفشي البطالة، يعود الدكتور محمد الخاتم المطلع عن كثب على كل ما يخص الشأن الصحي السعودي، مؤكدا أن هناك مشكلة حقيقية في توظيف السعوديين "تحديدا" في المجال الطبي، لا يقتصر ذلك على الفشل في الاختبار، إذ إن ثمانية آلاف ممارس طبي بمختلف التخصصات نجحوا في الاختبار، ولكن يجلسون في بيوتهم، ويضيف: "بعيدا عن الاختبار وصعوبته، لا توجد وظائف صحية كافية مدرجة على لائحة الوظائف المعلن عنها، المجال مغلق منذ أربع سنوات، والاعتماد قائم على الوافدين".
في الاتجاه ذاته يحمّل الطبيب فهد الحميزي وزارة التعليم مسؤولية تأهيل الممارسين الصحيين حتى ولو تخرجوا من كليات أهلية، من خلال التدريب في المستشفيات، ويضيف: "السواد الأعظم من هؤلاء الطلاب، لا يحتاجون إلا لبرامج إعادة تأهيل مهارات شخصية وانضباط، من غير المعقول أن يكون لدينا آلاف الممارسين الطبيين العاطلين، بينما يعمل السعوديون في المستشفيات في الوظائف الإدارية، والحراسات الأمنية حسب ما لاحظه في المشافي التي عمل فيها، ويتابع: "هناك خلل لا بد من علاجه"، وتماما مثل الخاتم، يتخوف الحميزي من أن يتسبب طول انتظار الخريجين في نسيان ما تعلموه، وهو ما سيعني أن مليارات الريالات التي صُرفت على تعليمهم تم هدرها، ناهيك عن مستقبل آلاف الشباب، ويضيف: "نأمل أن تتحرك الوزارات المعنية سريعا، وأن نتجنب إضاعة المزيد من الوقت".