البطالة تهدد تلاميذ ريف تونس

15 فبراير 2017
ما زالا في المدرسة (صلاح حبيبي/ فرانس برس)
+ الخط -
سنويّاً، يترك نحو 100 ألف تلميذ مقاعد الدراسة في تونس. رقمٌ يعدّ مفزعاً، لا سيّما أنّه يرتفع عاماً بعد آخر، مع الإشارة إلى أنّ أعمار المتسرّبين تراوح ما بين 13 و19 عاماً. وأسباب التسرّب المدرسي، بحسب ما تفيد دراسات عدّة، ترتبط بعوامل عدّة، أبرزها الظروف الاجتماعيّة والفقر، بالإضافة إلى العزلة التي تعاني منها المناطق الريفيّة، وبُعد المدارس عن بيوت التلاميذ، خصوصاً في المناطق الداخلية، على غرار قفصة والقصرين والقيروان وسيدي بوزيد، حيث ترتفع نسبة البطالة.

ينصّ دستور الأوّل من يونيو/ حزيران من عام 1959 على إلزاميّة التعليم حتّى سنّ السادسة عشرة، ويؤكّد كذلك القانون رقم 65 الصادر في 22 يوليو/ تموز من عام 1991 على هذه الإلزاميّة، إلّا أنّ آلاف العائلات التونسيّة تضطر إلى إجبار أبنائها على ترك الدراسة، على خلفيّة عدم قدرتها على تأمين مصاريف الدراسة. صحيح أنّ التعليم مجاني، إلا أنّ هذا لا يعني عدم وجود مصاريف تتعلّق بتأمين اللوازم المدرسيّة التي تزداد عاماً بعد آخر.

بيّنت دراسة لمنظمة الدفاع عن المستهلك أنّ كلفة التعليم ارتفعت كثيراً، وهي تراوح ما بين 70 و700 دولار أميركي للتلميذ الواحد، وهي كلفة تعجز غالبيّة العائلات في الأوساط الريفيّة عن تأمينها. ويوضح رئيس المنظمة سليم سعد الله، لـ"العربي الجديد"، أنّ "التعليم المجاني ليس حقيقة، في ظلّ ارتفاع مصاريف التعليم وضعف إمكانيّات العائلات". هذا الواقع يدفع ببعض الأهالي إلى الاستدانة، إذ كثيراً ما يشكون بسبب غلاء أسعار الحقائب المدرسيّة والزيّ المدرسي. يُذكر أنّ منظمات عدّة تسعى إلى إيجاد حلول لهذه المشكلة، خصوصاً في المناطق الداخلية، حيث تُعَدّ نسب التسرّب المدرسي أكثر ارتفاعاً. وفي بعض الأحيان، تساهم في تأمين مصاريف الدراسة والنقل.

وكان وزير التربية ناجي جلول قد أشار إلى اهتمام الوزارة بهذه القضيّة، قائلاً: "رغم تطوّر المنظومة التعليميّة في تونس، تستمرّ معضلة الانقطاع المبكّر عن الدراسة والتسرّب المدرسي، وهي تُعَدّ هاجساً يشغل بال المشرفين على القطاع التربوي". أضاف أنّ "التسرّب المدرسي يؤدّي إلى زيادة كلفة التعليم وهدر الموارد البشرية، فضلاً عن زيادة معدلات البطالة وانتشار الجهل والفقر وغيرها من المشاكل الاجتماعية". وبهدف معالجة الأسباب، شدّد على "ضرورة اعتماد مقاربة أولى وقائيّة على مستويات مختلفة، تتمثّل أساساً في إرساء مناخ ملائم ومحفّز لاحتواء ظاهرة التسرّب المدرسي".



في هذا الصدد، أعلنت الوزارة عن مشروع قانون متعلّق بالمبادئ الأساسية للتربية والتعليم، يتألف من 83 فصلاً. وينصّ المشروع على أنّ كلّ ولي أمر تلميذ يمتنع عن إلحاق ابنه في المؤسّسات التعليميّة في سنّ المدرسة، أو يخرجه منها قبل بلوغه السادسة عشرة من عمره، يعاقب بدفع غرامة مالية من 100 إلى 500 دولار أميركي، وترتفع إلى ألف دولار في حال تكرّر الأمر. كذلك، ينصّ مشروع القانون على منع طرد أيّ تلميذ دون السادسة عشرة نهائياً، من كل المؤسسات التربوية قبل تقديم تقرير مفصّل ومبرّر من قبل وزارة التربية. ويلفت إلى أنّ التعليم العام مجاني في كل مراحله، وعلى الدولة أن تضمن الحق في التربية والتعليم الجيّدين للجميع، على قاعدتَي تكافؤ الفرص والإنصاف والالتزام بتوفير الموارد اللازمة لتحقيق ذلك، بالإضافة إلى تكفّلها بإعانة التلاميذ الذين يحتاجون إلى مساعدة. ومن المتوقّع أن يُعرض مشروع القانون على مجلس الوزراء قريباً للمصادقة عليه.

تجدر الإشارة إلى أنّ القانون رقم 80 المتعلّق بالتربية والتعليم المدرسي، كان ينصّ على أنّ "كلّ وليّ يمتنع عن إلحاق منظوره بمؤسسات التعليم الأساسي أو يسحبه من التعليم دون سنّ السادسة عشرة، رغم كونه قادراً على مواصلة تعلمه بصفة طبيعية بحسب الترتيبات الجاري بها العمل، يعرّض نفسه إلى خطية من 10 إلى 100 دولار، وتصبح الخطية 200 دولار في صورة العود. كما يعاقب كلّ وليّ يمتنع عن إلحاق منظوره، المنقطع مبكراً عن التعليم، بالتكوين المهني المنصوص عليه بالفصل 2 من هذا القانون بخطية من 10 إلى 100 دولار. وفي صورة العود تُرفع الخطية إلى 200 دولار".

لم يطبّق هذا القانون وبقي حبراً على ورق، بدليل استمرار ارتفاع نسب التسرّب المدرسي وعمالة الأطفال. وفي هذا السياق، يقول الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي، لسعد اليعقوبي، إنّ الوزارة لم تسجّل منذ سنوات أيّ عقوبات بحقّ أولياء الأمور الذين أخرجوا أطفالهم من المدارس قبل بلوغهم السّنّ القانونية، مؤكّداً أنّ أجهزة وزارة التربية لم تقم بواجبها في رصد هذه الحالات ومتابعتها قانونياً للحد من هذه الظاهرة.

دلالات