على كرسيه المتحرك يجلس العراقي راضي حسن (41 عاماً)، في الشارع المقابل لمنزله، وأمامه "بسطة" صغيرة (طاولة) ويبيع السجائر للمارّة. منذ ساعات الصباح الأولى، يخرج حسن يومياً ويجلس في المكان ذاته، فهو لا يستطيع الوصول إلى السوق بسبب إعاقته، ويبقى حتى حلول المساء موعد عودته إلى منزله ومعه ما حصل عليه من رزق.
ويقول حسن لـ"العربي الجديد": "أصبت بالشلل بعد إصابتي بشظية في انفجار سيارة مفخخة، ولأنني لم أكن موظفاً فليست لدي فرصة الحصول على تقاعد أو إعانات مالية من الحكومة، ورغم أنّي حاصل على شهادة البكالوريوس في الحاسبات، لكن لا أحد يرغب بتشغيلي بسبب إعاقتي".
ويضيف: "لم يبق أمامي سوى بيع السجائر على قارعة الطريق لأعيل أسرتي وأطفالي، وخاصة أنّ الحكومة لم توفر لنا مرتبات شهرية تعيننا على المعيشة، ولم تصرف لنا تعويضات عمّا لحق بنا من ضرر".
ويعاني الآلاف من ذوي الإعاقة في العراق نفسياً واجتماعياً لعدم تمكنهم من الدخول في سوق العمل، وخاصة أصحاب الإعاقات البليغة الناجمة عن بتر الأطراف أو فقدان السمع أو البصر، ما يضيف إلى معاناتهم النفسية معاناة أخرى، تتمثل بعدم قدرتهم على إعالة أسرهم أو أنفسهم.
وحال حسن لم تكن أفضل من آلافٍ آخرين في معاناتهم من عدم القدرة على العمل، فجميعهم يرفض أرباب العمل تشغيلهم.
ويقول ساري الجبوري: "أشعر بالإحراج الشديد عندما أتقدم للحصول على وظيفة أو عمل في شركة أو مصنع أو ما شابه، بسبب نظرة صاحب العمل لي كمعاق بيد واحدة"، مضيفا لـ"العربي الجديد": "فقدت يدي اليسرى بانفجار عبوة ناسفة استهدفت سوقاً شعبياً قبل ثلاثة أعوام".
وللجبوري معاناة كبيرة في بحثه عن فرص العمل، مؤكدا أن "أرباب العمل يبحثون عن الأصحّاء فقط. ورغم قدرتي على العمل بيد واحدة في عمل مكتبي مثلاً أو حتى على الحاسوب، ولكن لا توجد ثقافة عامة للأَسف في سوق العمل بتوفير فرص للمعاقين".
وتحاول المنظمات الإنسانية رفع بعض المعاناة عن ذوي الإعاقة، عبر استقطابهم وتوفير بعض ما يحتاجون إليه من أطراف صناعية أو أجهزة سمع مثلاً، ولكن مشكلة العمل تبقى قائمة.
ويقول رئيس منظمة تحدي للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، باقر السماوي، إنّ "مشكلة المعاقين مع العمل لم تجد لها الحكومة ومؤسساتها حلاً حتى الآن، والحل يكمن في توفير مرتبات شهرية يعيش منها المعاقون ووضع برامج إعلامية تثقيفية تغير نظرة سوق العمل إليهم، وتمكنهم من الانخراط بسهولة في بعض الأعمال".
ويضيف السماوي لـ"العربي الجديد"، أنّه "في العراق أكثر من مليون و300 ألف معاق بحسب الإحصائيات الرسمية، وتزايدت النسبة خلال السنوات الخمس الأخيرة مع اندلاع الحرب مع داعش واستمرار الانفجارات التي تستهدف المواطنين والقوات الأمنية"، مبينا "هؤلاء جميعاً لا يستطيعون الدخول في سوق العمل الذي يرفض تشغيل المعاقين".
وأصدرت وزارة التخطيط العراقية إحصائية رسمية نهاية عام 2017 ذكرت فيها أنّ عدد المعاقين في عموم البلاد بلغ مليونا و375 ألفاً. في حين يشكك تجمع المعاقين في العراق بهذا الرقم، معتبراً أن العدد الحقيقي يفوق الثلاثة ملايين.