ناقش البرلمان التونسي، طوال يوم أمس الأربعاء، في جلسة عامة بحضور سبعة وزراء، تقرير لجنة التحقيق حول حادثة عمدون (محافظة باجة شمال تونس) التي هزت الرأي العام بعدما لقي 31 شاباً مصرعهم وأصيب 12 آخرون، منذ سبعة أشهر.
ووقعت الحادثة بداية شهر ديسمبر / كانون الأول 2019، بعد انقلاب حافلة سياحية، كانت تقل 43 شاباً وشابة خلال رحلة ترفيهية، في منزلق خطير في منطقة عمدون التابعة لمحافظة باجة شمال غربي البلاد.
وناقش البرلمان نتائج التحقيق الذي تولّته اللجنة البرلمانية على مدى أشهر، وضمّت سبعة وزراء في حكومة إلياس الفخفاخ، وهم كلّ من وزيرة العدل ثريا الجريبي، ووزير الداخلية هشام المشيشي، وزير الدولة المكلّف بالنقل واللوجستيك أنور معروف، ووزير الصحة عبد اللطيف المكي، ووزير السياحة والصناعات التقليدية محمد علي التومي، ووزير التجهيز والإسكان المنصف السليطي.
وبيّنت وزيرة العدل في ردّها على النواب أنّ السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية، ولا يمكن أن تمارس عليها أي شكل من أشكال الضغوط، مشيرة إلى أن القضاء دان صاحب وكالة الأسفار، وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين.
وأضافت الجريبي حول تنديد النواب بعدم تمكينهم من الاستماع للسجناء في إطار التحقيقات، أنّ طلب زيارة السجن من اختصاص وزارة العدل، ولكن أمر زيارة السجين من اختصاص السلطة القضائية، طالما أنه في حالة إيقاف على ذمة القضية.
وأوضحت أنّ المتضررين من فاجعة عمدون بإمكانهم القيام بقضية مدنية، وطلب التعويض على الأضرار المادية والمعنوية، بعد أن يصبح الحكم باتاً، مشيرة إلى أنّ المجلة الجزائية في بندها السابع لا تمكّن المحكمة من القضاء بالتعويض، مؤكدة أنّ الحكومة منكبّة على وضع وثيقة بخصوص السياسة الجزائية للدولة.
من جهته، رأى وزير الصحة عبد اللطيف المكي، أنّ "الاضطرابات السياسية تحول دون إنجاز المشاريع والإصلاحات، فالتراخي في إنجاز المشاريع سببه متاعب سياسية مجانية"، مشيراً إلى أنه قام بزيارة جميع المستشفيات الداخلية، ووجد 11 مستشفى يمكن إصلاحه.
وبيّن المكي أنّ تنظيم قطاع الصحة يحتاج إلى تكامل الخدمات الاستشفائية بين المستشفيات في حالات الكوارث، لافتاً إلى أنه لم يثبت وقوع وفاة ناتجة عن تقصير بتأخر تقديم العلاج.
وأضاف أنّ النقائص موجودة في قطاع الصحة، وسوف يتم الارتقاء بالصحة العمومية، بالتعاون مع مجلس الشعب، إلى "قطاع أمن قومي".
ولفت المكي إلى أنّ القانون لا يمكّن ضحايا حوادث الطرقات من التعويضات لأنّ المصاريف تحمل على المتسبب في الحادث، مؤكداً أنّ "هناك تباطؤاً من طرف المقاولين في إنجاز العديد من المشاريع والإصلاحات الجاهزة للتنفيذ".
أما وزير الدولة المكلّف بالنقل واللوجستيك أنور معروف، فأكد أنّ "لجنة التحقيق بحثت في الأسباب العميقة للحادثة على عدة مستويات وسيتم الاستفادة منها"، مشيراً إلى أنّ "سرعة الحافلة كانت أحد أسباب حصول الحادث وفقدان جهاز قياس السرعة بعد الحادثة".
ولفت إلى إمكانية أن تكون الحافلة في وضع جيد حين معاينتها في الفحص الفني، "ولكن يجب العناية بها والمحافظة على المعايير طيلة فترة استعمالها"، كما قال.
وشدد معروف على "لزوم إقرار منظومة الكفاءة المهنية الإجبارية لسائقي الشاحنات والعربات الثقيلة، وضرورة مراجعة عدة تشريعات في هذا المجال".
بدوره، شدد وزير السياحة والصناعات التقليدية محمد علي التومي، على "ضرورة تأمين جميع شروط تنظيم وحماية الرحلات الترفيهية، ومراجعة الأطر القانونية لتسهيل الاستثمار في السياحة البديلة".
وزير التجهيز والإسكان المنصف السليطي، أكد أنّ 1% من نسبة الحوادث فقط تعود إلى وضعية الطرقات، مشيراً إلى أنّ الطريق الذي وقعت به الحادثة "مجهز بعلامات تحذير وتحديد السرعة".
وأضاف أنه تم تصنيف منطقة الحادثة "كنقطة سوداء"، مشيراً إلى إعداد الوزارة دراسة لإيجاد حلول تستجيب لمقترحات لجنة التحقيق.
وامتدت الجلسة العامة البرلمانية على كامل اليوم، وسط حضور ضعيف من النواب، في وقت حمّل البرلمانيون في مداخلاتهم الحكومات المتعاقبة، مسؤولية ضعف البنية التحتية في الشمال الغربي، والنقص الفادح في الإمكانيات الصحية والتهميش الذي تعيش على وقعه الجهات الداخلية.
وانتقد نواب ضعف صلاحيات لجان التحقيق البرلمانية التي يمكن أن تبقى مخرجاتها حبراً على ورق، وسط تعطيلات من السلطة التنفيذية، وعدم تعاون جهات وأطراف لا ترغب في التحقيق، وتعتبر أعمال البرلمان تدخلاً في عمل القضاء، مطالبين بتنقيح القانون وإعطاء اللجنة الصلاحيات اللازمة.
وقال رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي، في افتتاح الجلسة العامة المُخصّصة لمناقشة التقرير النهائي للجنة البرلمانية الخاصة بالتحقيق في حادثة عمدون، ''إنها جلسة غير مسبوقة وهي الأولى من نوعها منذ بداية العمل البرلماني".
وأكد أنّ اللجنة انطلقت في أعمالها مباشرة، بعد المصادقة على إحداثها في جلسة عامة "وتحذوها عزيمة كبيرة للذهاب بعملها إلى أقصى أمد يتجاوز مجرد كشف وقائع الحادثة وظروفها، إلى تعميق البحث والاستقصاء في أسبابها، واقتراح المعالجات الضرورية لعدم تكرارها".
وانتهت مناقشات التقرير برفع توصيات للحكومة، بحسب البند 100 من القانون الداخلي للبرلمان الذي ينص على مناقشة تقرير لجنة التحقيق في جلسة عامة علنية، ثم تحل اللجنة مباشرة إثر ذلك وتنشر أعمالها بموقع البرلمان والجريدة الرسمية.