البتراء.. درة السياحة الأردنية تتحول إلى مدينة أشباح

14 يونيو 2020
موظف يحرس مدينة البتراء المهجورة (فرانس برس)
+ الخط -

عند باب "الخزنة"، أشهر معالم مدينة البتراء الأثرية في جنوب الأردن، يقف نايف هلالات، حارس الموقع وحيداً وحزيناً، ويقول: "للمرة الأولى في حياتي، أرى المكان خالياً هكذا. عادة هناك آلاف السياح".

وتعد البتراء المشهورة بعمارتها المنحوتة بالصخور، والتي تقع على بعد 225 كلم جنوب عمان، الوجهة المفضلة للسياح الأجانب في الأردن. وقد اختيرت عام 2007 واحدة من عجائب الدنيا الجديدة. لكنها اليوم أشبه بمدينة أشباح، بسبب جائحة كورونا.

وشيدت المدينة الوردية (نسبة إلى ألوان صخورها) في عام 312 ق.م. عاصمة لمملكة الأنباط العربية القديمة التي سقطت بيد الرومان في عام 106 ق.م.

ويقول هلالات (42 عاماً)، وهو أب لخمسة أطفال، ويعمل في الموقع منذ عشرة أعوام: "في مثل هذا الوقت من كل عام، يعجّ المكان بآلاف السياح. كنا نضطر أحياناً إلى تنظيم صفوفهم وعملية إدخالهم كي لا يحصل تدافع... أما الآن، فليس هناك غير أصوات العصافير".

في آخر ممر "السيق"، وهو طريق ضيق تتسلل أشعة الشمس بين حافتيه الشاهقتين، وكان يسلكه السياح المتوجهون إلى البتراء سيراً على الأقدام أو على ظهور الدواب، أو العربات المجرورة بواسطة الدواب، يسير هلالات الذي اعتمر قبعة كاكية اللون يتوسطها علم الأردن، وحيداً ببطء جيئة وذهاباً أمام "الخزنة".

في أماكن الاستراحة المغلقة والخالية، يعلو الغبار الطاولات الخشبية، فيما تسمع من بعيد أصوات عمال يعقّمون الموقع. خارج محال بيع الهدايا التذكارية المغلقة، لا تزال القمصان القطنية التي تحمل صور الموقع معلّقة، وقد بهتت ألوانها بسبب أشعة الشمس اللاهبة.

وغادر آخر السياح المملكة في 16 مارس/ آذار قبل يوم من إقدام السلطات الأردنية على تعليق الرحلات الدولية وغلق المطارات حتى إشعار آخر.

ومنذ ذلك الوقت، أصبحت البتراء مهجورة، وأصبح نحو مئتي دليل سياحي و1500 من أصحاب الرواحل، من خيل وحمير وجمال من سكان وادي موسى عاطلين من العمل.
لم يحصل من قبل
ويقول الدليل السياحي نعيم النوافلة (55 عاماً)، وهو أب لستة أطفال: "ما حصل بالنسبة إلينا وإلى سكان هذه المنطقة أشبه بالكارثة. في السابق، كانت أعداد السياح ترتفع وتنخفض بحسب ظروف المنطقة. أما الآن، فلا يوجد سياح نهائياً. هذا أمر لم يحصل من قبل".

ويضيف النوافلة الذي يعمل في الموقع منذ نحو ثلاثين عاماً، وكان يتقاضى نحو خمسين ديناراً يومياً (نحو 70 دولاراً) لقاء عمله: "سئمنا الجلوس في المنزل، وإذا استمر الوضع هكذا، فهي مشكلة كبيرة. نحن الآن نصرف مدخراتنا".

ويخشى أن تتأخر عودة السياح عاماً أو عامين، وأن "تكون إجراءات السفر المستقبلية منفرة" للسياح، وخصوصاً "أن أغلبهم من كبار السن والمتقاعدين".

ويقول مفوض سلطة البتراء التنموي والسياحي سليمان الفراجات، إن "نحو 80 بالمئة من سكان إقليم البتراء البالغ عددهم نحو 38 ألفاً يعتمدون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على السياحة، مصدر دخل لهم".

أحد هؤلاء نائل نواس (41 عاماً)، وهو أب لثمانية أطفال، ويملك حماراً كان يستخدمه في نقل السياح، وخصوصاً كبار السن، ويكسب ما بين 30 إلى 40 ديناراً (40 إلى 55 دولاراً) يومياً. وتوقف عمله منذ منتصف مارس/ آذار، وهو يعمل مؤقتاً في بيع الماشية.

ويؤكد الفراجات أنه حزين لأن هذا الوباء جاء بعد أن "سجلت البتراء رقماً قياسياً بعدد السياح العام الماضي بلغ نحو مليون و135 ألف سائح، منهم مليون سائح أجنبي".
أيام صعبة
ويبدو أن فنادق البتراء الخمسة والأربعين، وغرفها الثلاثة آلاف، ستواجه أياماً صعبة مع بدء الموسم السياحي.

في بهو فندق "لا ميزون" ذي الثلاث نجوم، والمبنيّ من الحجر الأبيض، والمحاط بأشجار صغيرة، جلس عامل الاستقبال وحيداً، وقد وضع يداً على خده وعينه على المدخل.

ويقول مالك الفندق، طارق الطويسي: "المصيبة أن هذا الوباء جاء مع ذروة موسمنا السياحي الذي يبدأ في فبراير/ شباط"، مضيفاً: "الحجوزات كانت تفوق 90 في المئة، وخلال أقل من أسبوع أُلغيت كلها. نسبة إشغال الغرف في فندقي هي صفر الآن".
(فرانس برس)

المساهمون