تحطّم مسرحية "البؤساء" الموسيقية الرّقم القياسي لمبيعات التذاكر في الكثير من مدن العالم، منذ 29 عاماً. إذ لا تزال تُعرض لغاية يومنا هذا على مسرح "كوينز" في لندن وبشكل يومي، عصراً ومساءً، باستثناء أيام الآحاد، ويدوم العرض ساعتين وخمسين دقيقة.
المسرحية التي شاهدها أكثر من 60 مليون شخص في 42 بلد و21 لغة، مقتبسة عن رواية الكاتب الفرنسي فيكتور هيغو التي نشرت عام 1862 وتُعد من أشهر روايات القرن التاسع عش، ويصف فيها الكاتب الظلم الاجتماعي في فرنسا بين فترة سقوط نابوليون عام 1815 والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب عام 1832.
ما هو سرّ ديمومة "البؤساء" ومواصلة الإقبال عليها رغم مرور أكثر من قرن على صدورها؟ وما سبب اقتباس العديد من الأفلام والمسرحيات عنها؟ لعل الجواب مقترن باستمرار الظلم الاجتماعي وتطور البؤس بل وتكريسه حول العالم.
تبدأ الرواية عام 1815 في مدينة "دينيه" الفرنسية، مع إطلاق سراح جان فالجان بعد قضائه 19 عاماً في سجن تولون: خمسة أعوام بسبب سرقة خبز لأخته وأطفالها الذين كانوا يتضوّرون جوعاً، و14 عاماً أخرى بسبب محاولاته العديدة للهرب.
لكن مسيرة معاناته تبدأ بعد الإفراج عنه، إذ ينبذه المجتمع بسبب جوازه الأصفر الذي كان يشير في ذلك الزمن إلى أصحاب السوابق؛ فينتهي به المطاف عند أسقف مدينة "دينيه"، شارل ميريل، الذي يستضيفه ليقضي الليل في بيته. وما إن ينام ميريل حتى يغادر جان فالجان المنزل سارقاً أواني فضية، لكن محاولته الفرار بغنيمته تبوء بالفشل ويقع في قبضة الشرطة التي ترافقه الى ميريل كي يعيد الفضّيات، فيتستّر الأخير عن سرقة جان فالجان قائلاً إنّه هو من أعطاه إيّاها، لا بل ويعطيه شمعدانين فضيين إضافيين.
يصوّر هيغو هنا ببراعة الدهشة على وجه السجين السابق الذي لم يلق من المجتمع سوى الظلم والطغيان، وبأدواته الروائية، يوجّه أصابع الاتهام إلى الظلم الاجتماعي الذي يولّد الجريمة، ويبيّن تبدّل حال الانسان وفق الظروف المحيطة به، مستعيناً بهذه الحادثة كمثال.
باختصار، تقارب الرواية موضوعي الخير والشر في قصّة طويلة أخّاذة يتناول هيغو فيها أيضاً معالم باريس ويخوض في مسائل مختلفة، كالأخلاق والفلسفة والقانون والعدالة والدين وحب العائلة.
أما المسرحية فتلاقي نجاحاً كبيراً حول العالم، وخصوصاً في لندن حيث عُرضت أكثر من سبعة آلاف مرّة على مسرح الـ"بالاس"، ثمّ انتقلت الى مسرح "كوينز" الذي افتتح في الثالث من إبريل/ نيسان 2004. ولا تزال تذاكرها تباع بالآلاف، وحصلت على ما يفوق المئة جائزة.
أما وصول البؤساء الى العالم العربي فجرى سينمائياً على أثر اقتباسها للسينما على يد المخرج المصري كمال سليم عام 1943.
ولا شك أن نجاح هذا العمل الأدبي والمسرحيات والأفلام المقتبسة عنه، مدين إلى البؤس الذي يلفّ كوكبنا بقدر ما هو مدين لموهبة الشاعر والروائي الفرنسي.