الانحياز إلى الشر..هايزنبرغ وديكستر وكازنسكي

28 سبتمبر 2018
من مسلسل "ديكستر" (Netflix)
+ الخط -
قضت هوليوود وقتًا طويلًا وهي تصنع البطولة للأخيار وتنتهي الأفلام على الشاشة الكبيرة والمسلسلات بنهاية سَعيدة مُرضية للمشاهد. لكن في العقدين الأخيرين، كان هناك انزياح في عرض هوليوود لمعضلة الخير والشر. الخط الفاصل بين الخير والشر صار منطقة رمادية، وصار لـ "الأشرار" فُرصة ليعرضوا وجهة نظرهم للجمهور، بل وفي بعض الأفلام والمسلسلات، صُوّر هؤلاء على أنهم يسعون إلى إنقاذ العالم من مشاكله ومن مشاكل القرن الحالي بشكل خاص، أو يحاولونَ خلق قيمة لأنفسهم قبل أن يموتوا أو حتى بعضهم كان فقط يريد المال لا أكثر، وقد رأينا ذلك يظهر جليًا في العصر الذهبي للشاشة الصغيرة. 

لم يتوقف الأمر على عرض وجهة نظرهم في فيلم يكون الأخيار فيه يحاولون القضاء عليهم، بل أحيانًا يكون الفيلم أو المسلسل قائماً على بطولة هؤلاء الأشخاص وتصويرهم على أنهم بشر مثلنا، ولكنهم ذهبوا إلى الطريق الخاطئ بسبب فشل الحكومات مثلًا في توفير فرص عملٍ لهم أو أنهم فقدوا احترامهم في العالم بسبب التنمر. واستخدم المخرجون تقنية إخفاء/إظهار الوجوه لعرضهم كأنهم ضحايا بالمقام الأول. فكما اُستخدمت هذه التقنية لتبرير قتل الأشرار وتصويرهم على أنهم ليسوا بشرًا مثلًا، استخدمت الآن بشكل عكسي، حيث صاروا بشرًا بقصص وملامح كاملة، وبأحبة يريدون الحفاظ عليهم لكسب تعاطف المشاهدين معهم.


هايزنبرغ
عندما يكتشف أستاذ الكيمياء والتر وايت (براين كرانستون)، في مسلسل Breaking Bad، أنه مصاب بمرض السرطان، يراجع والتر نفسه وحياته، ويرى أنه لا يملك المال الكافي للعلاج، وأنه أيضًا لن يترك خلفه أي شيء لعائلته. يبدأ بالتفكير بحلول وطرق أخرى ليوفر لعائلته حياة كريمة بعد وفاته. يُصوّر المسلسل الحالة النفسية للبطل الذي وقع ضحية للنظام الصحي في أميركا على سبيل المثال، حيث إن علاج السرطان مكلف وراتبه كمعلم لا يكفي للعلاج، ويستخدمها كوسيلة وسبب يجعل المُشاهد يتعاطف معه ومع أي حل يمكن أن يقوم بهِ. يتوجه والتر وايت بخبرته في الكيمياء إلى صناعة مخدر الميث، ليصنع أنقى وأنظف منتج في السوق الأميركي ولاحقًا العالمي. اسم المسلسل يشير إلى وجود اختلال قد حصل، ولكن أين هذا الاختلال؟ هل هو في النظام؟ أم في الشخص؟ يستمر المسلسل برواية قصته عبر شخصية والتر وايت، أو هايزنبرغ كما سمّى نفسه لتجّار المخدرات، وإظهار كل جوانب قصتهِ والتي تجعل منه ضحية أكثر منه مجرمًا. فَشَل والتر وايت في العالم قاده ليستخدم خبراتهِ ليقوم بشيء يبدو مكروهًا، وهو ما يذهب به في المواسم الأخيرة ليقول: "لقد فعلت ما فعلت لأجلي. لقد أحببت ما كنت أقوم بهِ. لقد كنت أجيده، ولم أشعر بالحياة قبلًا كما شعرت بها لحظتها". يُبيّن لنا هذا الاقتباس أن العالم لم يعطِ والتر وايت الفرصة ليقوم بما يجيده لصالح المُجتمع؛ فكان "الاختلال الضال" الذي قاده ليقوم بهِ بطرق أخرى، هذه الطرق التي سمحت له باستخدام إمكانياتهِ إلى أقصاها. والتر وايت عندما بدأ حياتهُ كمجرم، كان ضحية، وهو السبب الذي يجب أن نتطرق له كمشاهدين، أي أن المجرم لا يولد مُجرمًا، وإنما نحن من نصنعه.


العابر المظلم
في سياق مشابه، لكنه أكثر تطرّفاً، جاء مسلسل "ديكستر"، الذي أدّى دوره مايكل سي. هول. شهدَ ديكستر، في طفولته، موت أمه أمام عينيه، ما جعله مسكوناً، على حدّ تعبيره، بـ ظلام كبير، أطلق عليه اسم "العابر المظلم" (Dark Passenger). خلق هذا الأمر فيه رغبةً جامحةً في الانتقام لأمّه، ما جعله قاتلاً متسلسلاً. لكنه، رغم أنّه قاتل، إلا أنه كان مختصّاً في مطاردة المجرمين فقط، وقتلهم. هم قتلة متسلسلون آخرون فعلياً، لكنهم أشرار، لم تستطع الشرطة القبض عليهم، فكان هو يتولّى أمرهم. بعضهم يختطف النساء ويغتصبهنّ ويقتلهنّ، آخرون يستغلّون ظروف المهاجرين ويتقاضون منهم أموالاً ويقتلونهم بدلاً من تهريبهم. كان لديكستر فلسفته الخاصّة القائمة على أنّه يخلّص العالم من هؤلاء القتلة والمجرمين، لأنهم إن بقوا على قيد الحياة لن يتوقّفوا عن ارتكاب جرائم الاغتصاب وقتل الأبرياء، وكان يحصّن نفسه بـ شرط القتل الذي تعلّمه من أبيه: "لا تقتل الأبرياء". رغم أنّ كل ما ارتكبه ديكستر، الذي يعمل محلّلاً لبقع الدم في قسم الشرطة في ميامي، يُعتبر غير قانوني، لأنّ على الشرطة والمختصّين أن يتولّوا الأمر، وليس من حقه إنهاء حياة أحد تحت أي ظرف كان، إلا أنه كسب تعاطف الجمهور، بسبب الجحيم الذي سبّبه له تقطيع أوصال أمه على مرأى من عينيه، وبسبب تخليصه العالم من المجرمين.
عبقري الرياضيات
مسلسل آخر يضعنا في مواجهة مع قاتل يكسب تعاطفنا، هو "MindHunt: Unamomber". العمل مأخوذ من قصة حقيقية، حول رجل يُرسل طروداً بريدية مفخخة إلى مديرين في شركات حاسوب، وإلى الجامعات، وبعض المطارات. هذا الرجل هو تيد كازنسكي، أميركي من أصل بولندي، حاصل على دكتوراه في الرياضيات من جامعة هارفارد. كان كازنسكي يفعل ذلك لأنّه هُمّش تماماً، بينما يريد أن يوصل رسالة مفادها: التطور التكنولوجي سيقضي علينا، خصوصاً على حرياتنا الفردية. وكانت نبوءته صحيحة، إذ راح بنا هذا التطور إلى ما نحن عليه الآن: مراقبون عبر الكاميرات، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وفي تطبيقات الهاتف التي تخترق بياناتنا. المحقق الذي تابع القضية، أُعجب في آراء كازنسكي، وعاش حياةً بعيدةً عن التكنولوجيا، في بيت معزول في الغابة.
المساهمون