يلعب الاقتصاد عنصراً حاسماً في الانتخابات عموماً. وتبنى التحالفات السياسية على تمثيل مصالح مكونيها وأطرافها. فالتحالفات هي بناء شبكة، يتلاقى فيها أصحاب المصالح والتوجهات الاقتصادية والسياسية المتقاربة، فيما يقوم الناخبون بالتصويت على أساس برنامج اجتماعي واقتصادي تحمله الأحزاب المتنافسة.
لوحظ هذا العام، في العديد من الانتخابات التي أجريت في أوروبا، صعود التحالف الأقرب لطرح شعارات اقتصادية منحازة للطبقات الشعبية، إذ حصدت هذه التحالفات الأصوات مجدداً في عودة لبروز الشعارات الاقتصادية ضد سياسات التقشف. وشكل ذلك النجاح استجابة الناخبين للتحالفات التي تعلن موقفها من أشكال التنمية الاقتصادية المعتمدة على التصنيع والتوسع في التشغيل وتوفير الخدمات. هذا يعني أننا أمام مستقبل جديد لتيارات سياسية تحاول معالجة أزمة الاقتصاد العالمي وآثاره على شعوبها. اليونان وإسبانيا وغيرها من الدول، التي صعدت فيها تحالفات العدالة الاجتماعية، تمثل نماذج لتصويت تحالفات سياسية تُبرز معالجة المسألة الاقتصادية وربطها بتغير المجتمع وتحقيق مستوى لائق من المعيشة.
على جانب آخر، يعتبر الناخبون أن الصناديق والتصويت في انتخابات البرلمان أداة من أدوات التغيير الاقتصادي والسياسي. وحين لا تستجيب الصناديق لمطالب الشعوب الأساسية، تستخدم طليعة تلك الشعوب آليات أخرى تتجاوز لعبة البرلمان. تخرج المسيرات والتظاهرات وتدب الإضرابات في القطاعات الإنتاجية. ترفع مطالب زيادة الأجور والضمان الاجتماعي وتوفير خدمات الصحة والسكن والتعليم، تستخدم الشعوب كافة أشكال الاحتجاج الديمقراطي من أجل التغيير. فتغيير حياة الشعوب لا يتم بطريق واحدة، ولا يتحقق بمجرد التصويت مرة كل أربع سنوات لحزب أو تحالف انتخابي يعلن أنه يضع في حساباته مطالب الفئات الأضعف اقتصادياً.
وعليه، فهذا هو الفعل السياسي، الذي تجاوز النموذج الديمقراطي التقليدي "الصندوق" إلى المراقبة والاحتجاج. المجتمعات تستخدم ديمقراطية الشارع لرفع مطالبها الاقتصادية، التي يتجاهلها أو يتناساها السياسيون.
في مصر، يغيب البرلمان لتشرع مؤسسة الرئاسة لمدة تتجاوز عاماً ونصف العام. ورغم أن الدستور الذي أقر في يناير/ كانون الثاني من عام 2014 ألزم الدولة بانتخاب برلمان بعد 6 أشهر من إقرار الدستور، إلا أن انتخابات البرلمان لم تجر حتى اليوم . وتم تأجيلها لمرات عديدة، ولا ينتظر أن تجري إلا في الربع الأول من عام 2016.
ولعل هنا يتضح غرض السلطة، فهي تريد إطلاق يدها في التشريعات الاقتصادية لتحقيق مصالح فئات بعينها. كما أنها قامت بتشريعات وقرارات اقتصادية أضرت بالعديد من الفئات الشعبية، وكان من ضمن أسباب التأجيل أيضاً رغبة السلطة في تكوين تحالف انتخابي وحيد، يجمع كافة القوى السياسية، وهو ما نادى به السيسي تحت عنوان القائمة الموحدة. هذه الدعوة تعكس رغبة في تأميم الاختلافات والتناقضات الاقتصادية والسياسية، وتتجاوز اختلاف الأطروحات الاقتصادية. وهي محاولة للتحليق فوق طبقات مختلفة المصالح، وهو ما لا يمكن أن يتم فعلياً، حتى ولو كان كل المشاركين في القائمة الموحدة المزعومة من مؤيدي السلطة.
كل سلطة تدافع عما تمثله من مصالح اقتصادية لفئات اجتماعية وطبقية من مجموع الشعب، لذا تشرع السلطة قوانينها وتختار نموذجها الاقتصادي، حسب مصالح المسيطرين. هذه الحقيقة حاولت السلطة المستغلة ومثقفوها وبعض التيارات السياسية نفيها وتصوير السياسة منزوعة عن الاقتصاد. لذا ترفع التحالفات شعارات غاية في العمومية، في حب مصر مثلاً، وهو تحالف انتخابي من كبار رجال الأعمال.
"في حب مصر"، لم يحدد لنا إلى من يسعى؟ ولمصلحة من يعمل؟ وإلى من يتوجه؟ إن الصراع السياسي ليس منفصلاً عن مصالح الطبقات الاجتماعية، كما أن السياسة ليست فعلاً يحلق بعيداً عن الطبقات أو يتجاوزها، وحين تتفق السلطة والمعارضة في خطابها " في حب مصر"، الذي يفصل بين الاقتصادي والسياسي، فإن النظام ليس فقط هو المأزوم، ولكن نوعية السياسيين، الذين يتنافسون على بيع البضاعة نفسها.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)
لوحظ هذا العام، في العديد من الانتخابات التي أجريت في أوروبا، صعود التحالف الأقرب لطرح شعارات اقتصادية منحازة للطبقات الشعبية، إذ حصدت هذه التحالفات الأصوات مجدداً في عودة لبروز الشعارات الاقتصادية ضد سياسات التقشف. وشكل ذلك النجاح استجابة الناخبين للتحالفات التي تعلن موقفها من أشكال التنمية الاقتصادية المعتمدة على التصنيع والتوسع في التشغيل وتوفير الخدمات. هذا يعني أننا أمام مستقبل جديد لتيارات سياسية تحاول معالجة أزمة الاقتصاد العالمي وآثاره على شعوبها. اليونان وإسبانيا وغيرها من الدول، التي صعدت فيها تحالفات العدالة الاجتماعية، تمثل نماذج لتصويت تحالفات سياسية تُبرز معالجة المسألة الاقتصادية وربطها بتغير المجتمع وتحقيق مستوى لائق من المعيشة.
على جانب آخر، يعتبر الناخبون أن الصناديق والتصويت في انتخابات البرلمان أداة من أدوات التغيير الاقتصادي والسياسي. وحين لا تستجيب الصناديق لمطالب الشعوب الأساسية، تستخدم طليعة تلك الشعوب آليات أخرى تتجاوز لعبة البرلمان. تخرج المسيرات والتظاهرات وتدب الإضرابات في القطاعات الإنتاجية. ترفع مطالب زيادة الأجور والضمان الاجتماعي وتوفير خدمات الصحة والسكن والتعليم، تستخدم الشعوب كافة أشكال الاحتجاج الديمقراطي من أجل التغيير. فتغيير حياة الشعوب لا يتم بطريق واحدة، ولا يتحقق بمجرد التصويت مرة كل أربع سنوات لحزب أو تحالف انتخابي يعلن أنه يضع في حساباته مطالب الفئات الأضعف اقتصادياً.
وعليه، فهذا هو الفعل السياسي، الذي تجاوز النموذج الديمقراطي التقليدي "الصندوق" إلى المراقبة والاحتجاج. المجتمعات تستخدم ديمقراطية الشارع لرفع مطالبها الاقتصادية، التي يتجاهلها أو يتناساها السياسيون.
في مصر، يغيب البرلمان لتشرع مؤسسة الرئاسة لمدة تتجاوز عاماً ونصف العام. ورغم أن الدستور الذي أقر في يناير/ كانون الثاني من عام 2014 ألزم الدولة بانتخاب برلمان بعد 6 أشهر من إقرار الدستور، إلا أن انتخابات البرلمان لم تجر حتى اليوم . وتم تأجيلها لمرات عديدة، ولا ينتظر أن تجري إلا في الربع الأول من عام 2016.
ولعل هنا يتضح غرض السلطة، فهي تريد إطلاق يدها في التشريعات الاقتصادية لتحقيق مصالح فئات بعينها. كما أنها قامت بتشريعات وقرارات اقتصادية أضرت بالعديد من الفئات الشعبية، وكان من ضمن أسباب التأجيل أيضاً رغبة السلطة في تكوين تحالف انتخابي وحيد، يجمع كافة القوى السياسية، وهو ما نادى به السيسي تحت عنوان القائمة الموحدة. هذه الدعوة تعكس رغبة في تأميم الاختلافات والتناقضات الاقتصادية والسياسية، وتتجاوز اختلاف الأطروحات الاقتصادية. وهي محاولة للتحليق فوق طبقات مختلفة المصالح، وهو ما لا يمكن أن يتم فعلياً، حتى ولو كان كل المشاركين في القائمة الموحدة المزعومة من مؤيدي السلطة.
كل سلطة تدافع عما تمثله من مصالح اقتصادية لفئات اجتماعية وطبقية من مجموع الشعب، لذا تشرع السلطة قوانينها وتختار نموذجها الاقتصادي، حسب مصالح المسيطرين. هذه الحقيقة حاولت السلطة المستغلة ومثقفوها وبعض التيارات السياسية نفيها وتصوير السياسة منزوعة عن الاقتصاد. لذا ترفع التحالفات شعارات غاية في العمومية، في حب مصر مثلاً، وهو تحالف انتخابي من كبار رجال الأعمال.
"في حب مصر"، لم يحدد لنا إلى من يسعى؟ ولمصلحة من يعمل؟ وإلى من يتوجه؟ إن الصراع السياسي ليس منفصلاً عن مصالح الطبقات الاجتماعية، كما أن السياسة ليست فعلاً يحلق بعيداً عن الطبقات أو يتجاوزها، وحين تتفق السلطة والمعارضة في خطابها " في حب مصر"، الذي يفصل بين الاقتصادي والسياسي، فإن النظام ليس فقط هو المأزوم، ولكن نوعية السياسيين، الذين يتنافسون على بيع البضاعة نفسها.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)