الانتخابات التشريعية الإيرانية اليوم: لا مفاجآت متوقعة

21 فبراير 2020
تختلف هذه الانتخابات عن سابقاتها (عطا كناري/فرانس برس)
+ الخط -
تشهد إيران، اليوم الجمعة، تنظيم انتخابات برلمانية جديدة، هي الحادية عشرة منذ قيام "الثورة الإسلامية" عام 1979، ويتنافس فيها 7157 مرشحاً حازوا الأهلية من قبل مجلس صيانة الدستور، وذلك من أصل 16033 شخصاً قدموا طلباتهم للتنافس على 290 مقعداً برلمانياً، لكن استُبعد أكثر من نصفهم.
وتفتح مراكز الاقتراع أبوابها اليوم، عند الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي، لاستقبال أصوات الإيرانيين الذين يحقّ لهم الاقتراع، والبالغين سنّ الثامنة عشرة، وهم 57 مليوناً و918.159 شخصاً، وسط ترقب لمعرفة حجم المشاركة في الانتخابات، التي تعدّ الهاجس الأبرز للسلطات، خصوصاً بعد تسجيل عزوف واسع للإصلاحيين عن المشاركة لناحية الترشّح. كذلك تسود مخاوف من أن يؤثّر إعلان تسجيل إصابات بفيروس "كورونا" وارتفاع عدد ضحاياه، تحديداً في مدينة قم، على نسبة المقترعين.
وترشحت للانتخابات التشريعية اليوم، وجوه سياسية من المحافظين والإصلاحيين، ليست من قيادات الصف الأول من التيارين. ومن بين هذه الوجوه شخصيات على الرغم من أنها معروفة، لكنها تدخل للمرة الأولى في حياتها السياسية، السباق التشريعي، لتشكل الانتخابات وما بعد إعلان النتائج مرحلةً جديدة لها، واختباراً لمستقبلها السياسي، سواء فازت أو أخفقت في الجلوس على مقاعد البرلمان.
وفي مقدمة الوجوه الجديدة، يأتي محمد باقر قاليباف، الذي يترأس قائمة "الوحدة" للتيار المحافظ في طهران، بعد اتفاق معسكري "تحالف قوى الثورة" وجبهة "الصمود" على توحيد قائمتيهما. قاليباف، الحاصل على الدكتوراه في الجغرافيا السياسية، يطمح إلى أكثر من مقعد في البرلمان المقبل، إذ يخطط للتربع على كرسي الرئاسة فيه، بعد إخفاقه في الوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية في إيران خلال ثلاث دورات من انتخابات رئاسية ترشّح لها. وشغل رئيس قائمة المحافظين، المحسوب على معسكرهم التقليدي، مناصب قيادية بارزة في "الحرس الثوري" الإيراني، منها قيادة القوات الجوية عام 1997، كذلك فإنه كان قائداً لقوات الأمن الداخلي، والرئيس الحادي عشر لبلدية طهران لـ12 عاماً، فيما تطارده اليوم تهم بالفساد خلال رئاسته للبلدية، لكنه ينفيها.

رجل الدين الإيراني المحافظ مرتضى آقاطهراني، هو شخصية بارزة أخرى ترشحت لهذه الانتخابات من داخل التيار المحافظ. آقاطهراني كان يترأس قائمة جبهة "الصمود"، قبل اتفاقها مع "تحالف قوى الثورة" على قائمة مشتركة واحدة (الوحدة)، ليحتلّ المركز الثاني في قائمة "الوحدة" بعد قاليباف. ويُعرف آقاطهراني، المقرب من رجل الدين الإيراني المتشدد مصباح يزدي، بتشدده هو الآخر في الموقف، في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية، وهو من معارضي الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والمجموعة السداسية الدولية. كان نائباً في البرلمان خلال الدورتين الثامنة والتاسعة، لكنه فشل في الدورة العاشرة بكسب ثقة الناخبين في طهران وخسر الانتخابات. إلا أنّه هذه المرة يتوقّع أن يعود إلى أروقة البرلمان، ليس بسبب حصول تغييرات مفاجئة في قناعات هؤلاء الناخبين تجاهه، بل بسبب ميول موازين القوة في السباق التشريعي لمصلحة المحافظين، في ظلّ تراجع حظوظ الإصلاحيين.
إلى جانب قاليباف وآقاطهراني، وهما أبرز الوجوه المحافظة في السباق البرلماني الحالي في إيران، تشارك شخصيات أصولية أخرى في هذه الدورة، منها المرشح الخاسر خلال الانتخابات الرئاسية عام 2017، مصطفى ميرسليم، الذي يعتبر من قيادات حزب "مؤتلفة"، وهو أحد الأعضاء في مجمع تشخيص مصلحة النظام.


أمّا التيار الإصلاحي، فيشارك في هذه الانتخابات في ظلّ غياب شخصيات بارزة، سواء كان ذلك نتيجة استبعادهم من الترشّح من قبل مجلس صيانة الدستور، أو عزوفهم عن المشاركة في هذه الدورة. إلا أنّ أبرز وجوه هذا التيار، المشاركين في الانتخابات في طهران، رجل الدين مجيد أنصاري، الذي يترأس ثلاث قوائم للإصلاحيين في العاصمة. وأنصاري حالياً عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو من الأعضاء البارزين في مجمع علماء الدين المجاهدين، وكان المساعد السابق للرئيس حسن روحاني للشؤون البرلمانية لمدة عام واحد. كذلك فإنه مثّل سكان طهران في البرلمان لأربع دورات، وفي مجلس خبراء القيادة لدورتين.
إلى جانب أنصاري، هناك شخصيات بارزة أخرى، منها الأمين العام لحزب "سيادة الشعب" مصطفى كوابيان، النائب الحالي بالبرلمان الإيراني، ورئيس "بيت العمال" علي رضا محجوب، وهو أيضاً ينوب عن طهران في الدورة الحالية للبرلمان.

انتخابات مختلفة

تختلف هذه الانتخابات عن سابقاتها، شكلاً ومضموناً وتوقيتاً، نتيجة الظروف الحساسة التي تجري فيها، والتي فرضتها الأزمة المتصاعدة بين طهران وواشنطن، منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018، لتترتب على ذلك تداعيات صعبة في الداخل الإيراني من الناحية الاقتصادية. وعليه، فإنّ حجم المشاركة في هذه الانتخابات يشكّل اختباراً مهماً للسلطات الإيرانية لإظهار وجود سند جماهيري لها في المواجهة الراهنة مع الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً أنّ طهران تتهم واشنطن بالسعي إلى إبعاد الشارع الإيراني عن النظام من خلال ممارسة أقصى الضغوط عليه.
إلا أنّ عوامل متعددة، في مقدمتها سوء الحالة الاقتصادية، وعزوف محتمل لقواعد إصلاحية نتيجة رفض الكثير من مرشحيها، على الأغلب ستكون لها مفاعيل تؤثر سلباً في المشاركة الشعبية الواسعة التي تنشدها السلطات. بالإضافة إلى أنّ عاملاً جديداً، ظهر أول من أمس الأربعاء، من شأنه أيضاً أن يمنع ناخبين من الذهاب إلى مراكز الاقتراع، وهو فيروس "كورونا"، الذي قتل شخصين إلى الآن في إيران، وسط مخاوف من انتشار الفيروس على مستوى البلاد.
إلى ذلك، ما يميّز الانتخابات الراهنة أيضاً أنها تشهد أضعف مشاركة للتيار الإصلاحي منذ عقدين، إذ يؤكد الإصلاحيون أنّهم غير قادرين على منافسة خصومهم المحافظين في 160 دائرة انتخابية من أصل 208، بحسب زعماء التيار، وذلك نتيجة رفض عدد كبير من مرشحيهم من قبل مجلس صيانة الدستور. إلا أنّ ذلك ليس السبب الوحيد، إذ شهدت عملية التسجيل لهذه الانتخابات عزوفاً لافتاً من قبل الإصلاحيين عن الترشح، وغابت قامات إصلاحية، أمثال النائب الحالي محمد رضا عارف. وجاء هذا العزوف وسط انقسامات وتساؤلات داخلية بشأن العملية الانتخابية وجدوى المشاركة فيها، في ضوء قناعة أوساط إصلاحية بأنّ مشاركتهم في السلطة لم تحقق أهدافهم في الإصلاح، وأنّ مجرد المشاركة أصبح يفقدهم حاضنتهم الشعبية.
كذلك إنّ ما يجعل هذا السباق التشريعي مختلفاً عما سبقه، هو غياب لافت لشخصيات بارزة من المحافظين المعتدلين، ما أفسح المجال أمام محافظين متشددين جدد، الأمر الذي سيكون له تأثيره في المشهد الإيراني داخلياً وخارجياً. ويأتي رئيس البرلمان الحالي علي لاريجاني، في مقدمة الشخصيات المحافظة المعتدلة التي امتنعت عن الترشح هذه المرة، وذلك بعد 12 عاماً من التمثيل، وتسجيله أطول فترة رئاسة للبرلمان باسمه.

وفي ضوء المشاركة الأضعف للإصلاحيين في هذه الانتخابات، فالنتائج التي ستظهر بالتدرج ابتداءً من يوم غد، السبت، إلى أن تعلنها الداخلية الإيرانية بشكل نهائي نهاية الأسبوع المقبل، شبه واضحة من الآن، إذ يُتوقع أن يفوز المحافظون بأغلبية المقاعد خلال هذه الدورة، لتستمر سيطرتهم على البرلمان الإيراني لدورة جديدة، لكن بشكل أقوى من الدورات الأربع السابقة، الأمر الذي يؤكد أنّ التيار المحافظ يتجه نحو التحكم بمفرده بالسلطة وتوحيدها بقبضته خلال المرحلة المقبلة، إلى أن يقصي الإصلاحيين بشكل كامل عن المشهد خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2021.
ويأتي هذا التطور استكمالاً لتحولات وتبدّلات في موازين القوى السياسية داخل أروقة مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران خلال أربعين عاماً، إذ بعد حضور لافت لليساريين في الدورات الثلاث الأولى، وصل إلى الذروة في الدورة الثالثة، انتهى دورهم في البرلمان الإيراني بعد استبعادهم من قبل مجلس صيانة الدستور، ابتداءً من الدورة الرابعة، بعد توسيع هذا المجلس نطاق تفسير مهمة الرقابة على الانتخابات. واستمر تسلسل هذه التحولات، حتى ظهر لاعب سياسي جديد في البازار السياسي الإيراني، أي الإصلاحيون، منذ أواخر التسعينيات، بعد فوز الرئيس محمد خاتمي خلال انتخابات 1997. وتمكن هذا اللاعب من تحقيق فوز ساحق في انتخابات الدورة السادسة للبرلمان، التي سجلت أقوى حضور لهم، لكن بعد أحداث 2009 والمشكلات التي واجهوها، دخلوا في مسار التراجع، إلى أن وصل بهم الحال إلى ما هم عليه اليوم.
المساهمون