الانتخابات البلدية التونسية: امتحان تجريبي للمعارضة

21 يناير 2018
بدأت التحضيرات للانتخابات منذ العام الماضي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
ارتفع منسوب التوتر الحزبي في تونس، مع اقتراب موعد تقديم القوائم الاسمية للأحزاب والمستقلين للانتخابات البلدية في تونس، المقررة في 6 مايو/أيار المقبل، على أن يُقفل باب الترشيح يوم الخميس 22 فبراير/شباط والإعلان عن القوائم المقبولة للمرشّحين للانتخابات البلدية في موعدٍ أقصاه يوم السبت 3 مارس/آذار المقبل. وتدرك الأحزاب التونسية أن هذه الانتخابات ستُشكّل معياراً واقعياً لقياس شعبيتها، بِمَا يسمح ببناء تحالفات جديدة وفتح باب الاستعداد لمعركة الانتخابات التشريعية والرئاسية، المقررة العام المقبل.

في هذا السياق، كشفت المواقف السياسية الأخيرة حجم إعادة التموضع ومحاولة ربح الوقت قبل الانتخابات، والتنصل من فاتورة الإخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مستوى المشاركة الحكومية. وكانت وثيقة قرطاج (اتفاق سياسي وقعته أحزاب تونسية في 2016 وعلى أساسه تألفت حكومة يوسف الشاهد) والحكومة أولى ضحايا هذه العملية. وقفزت أحزاب من "السفينة الغارقة"، بدءاً بالحزب الجمهوري وآفاق وصولاً إلى مشروع تونس، الذي أعلن الخميس رسمياً، خروجه من الوثيقة. هذا بالإضافة إلى إعلان نداء تونس فك ارتباطه مع حركة النهضة، مع ما توقعه كثر من استعادة خطاب الاستقطاب الأيديولوجي خلال هذه المعركة وتبادل الاتهام المنتظر بخصوص فاتورة الإخفاقات الاقتصادية الكبيرة التي أجّجت الشارع التونسي، وقادت الى احتجاجات واسعة بسبب غلاء الأسعار والبطالة وغياب التنمية.

بدورها، باشرت المعارضة التونسية لملمة قواها استعداداً للانتخابات في محاولة لتشكيل ائتلاف تجريبي، سعياً لتحالف أمتن في استحقاقات العام المقبل. وأعلنت حركة مشروع تونس، وحزب البديل التونسي، وحزب آفاق تونس، وحزب العمل الوطني الديمقراطي، والحزب الجمهوري، وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، وحركة تونس أولاً، والمبادرة الوطنية الدستورية التونسية، وحزب اللقاء الديمقراطي وحزب المستقبل، عن تكوين قوائم ائتلافية للانتخابات المحلية.

ولكن كل هذه الأحزاب لم تتمكن من تقديم قوائمها في أكثر من 48 بلدية من أصل 350، ما طرح أكثر من سؤال حول شعبية هذه الأحزاب ووجودها في الشوارع والقرى والمدن التونسية، وحول نوعية الصراع الانتخابي العتيد ومدى قدرتها على منافسة حزبي النداء والنهضة اللذين تصدّرا مختلف الاستطلاعات.

في هذا الإطار، أوضح المنسق العام لحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، الجنيدي عبد الجواد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "قدرة الأحزاب على المنافسة في الانتخابات البلدية المقبلة مرتبطة بالمال السياسي وإمكانيات مادية أخرى، تحديداً نزيف المال السياسي غير المراقب. وهو ما جعل منافسة نداء تونس والنهضة الند للند أمراً صعباً". ولفت إلى أن "تجنيد حزب نداء تونس لإمكانيات الدولة وأجهزتها عبر تكليف الوزراء وأعضاء الحكومة بالإشراف على الحملات الانتخابية في الجهات يؤثر على المناخ الانتخابي ويمس مسار المنافسة"، مضيفاً أن "صعوبة مراقبة التدفق المالي السياسي والأدوار التي يؤديها بارونات الفساد ممن لهم مصالح في المحليات والبلديات والباحثين عن حاضنة سياسية، ومن الوارد أن يجدوا مصالحهم في دعم حزبي نداء تونس والنهضة من أجل الاحتماء بهم".


وحول ترشيح الائتلاف قوائم في 48 دائرة بلدية فقط من أصل 350، رأى عبد الجواد أن "الأحزاب المجتمعة أرادت تقديم تجربة نموذجية، وأن تكون ناجحة بعد أن سبقتها تجارب أخرى لتحالفات فاشلة. وبما أنها تجربة أولى، فقد كان الخيار هو التقدم بقوائم ائتلافية في عدد محدود من الدوائر الانتخابية ولم نرغب في التوسع لضمان النجاح".

وأكد عبد الجواد على أن "أهم المقاييس لاختيار المرشحين هو نظافة اليد والكفاءة والإشعاع"، لافتاً إلى أن "حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي سيدعم قوائم مواطنية مستقلة، وسيساندها في بقية الدوائر الأخرى المتميزة بنظافة اليد". ونوّه إلى أن "الاجتماعات والمشاورات بين الأحزاب العشرة، متواصلة لاختيار الشخصيات القادرة على رئاسة القوائم".

في المقابل، أكد القيادي بحزب نداء تونس، محمد بن صوف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حزبه على أتمّ الاستعداد لخوض الانتخابات البلدية في كل المحافظات والدوائر. كما أَعدّ ملاحظين ومرافقين وكوادر لمرافقة المسار الانتخابي، وفوّض تشكيل وتكوين القوائم الانتخابية للبلديات إلى اللجان الجهوية بكل محافظات البلاد".

وأضاف بن صوف أن "الحزب استعد جيداً لإطلاق حملة انتخابية وفق برامج نابعة من واقع التونسيين في المدن والقرى، مواكبة لاحتياجاتهم المحلية وتطلعاتهم المستقبلية، بما يتناغم مع المشاغل التنموية والمطالب الحقيقة للمواطنين". ولفت إلى أن "الإدارة التنفيذية للحزب أحدثت هيئة وطنية عليا للانتخابات على مستوى الحزب، للإشراف والمتابعة، مع مشاركة أكثر من 7 آلاف مرشح".


ورأى بن صوف أن "الشعب ينتظر برامج لا خطابات مفلسة مبنية على شيطنة حزب نداء تونس وكوادره وقياداته"، لافتاً إلى أن "الحزب اعتبر من نتائج انتخابات ألمانيا، وعمل على تجاوز الأخطاء. وقد عقد اجتماعات تقييمية لاستخلاص الأسباب والمسببات والوقوف عندها، وانتهى إلى جملة من المقترحات والتصورات التي ستمكنه من تلافي الثغرات ونقاط الضعف".

وأشار إلى أن "نتائج انتخابات ألمانيا الجزئية لا تمثل رسالة سياسية من الناخبين لحزب نداء تونس فحسب، بل هي رسالة لجميع الأحزاب وللطبقة السياسية برمّتها، فالجميع مطالب اليوم بمراجعة علاقته بالمواطن وبالناخب وتقييم أدائه وممارساته وتقديم خطاب بديل مقنع مبني على خطة عمل وبرنامج طموح قابل للتحقيق والتنفيذ على أرض الواقع".

مدير معهد "أمرود كنسلتينغ" للاستطلاع، نبيل بالعم، لفت في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "نوايا التصويت بالنسبة للانتخابات البلدية وبالنسبة للقوائم الحزبية، ستنحصر في نفس الأحزاب التي تتصدر المراتب الأولى في المشهد السياسي، كالنداء والنهضة والجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي. غير أن المفاجأة التي ستحصل في الانتخابات البلدية، هي الإقبال على القوائم المستقلة التي سيتجه إليها الناخب لرغبة عدد من التونسيين في اختيار قوائم مستقلة في الانتخابات البلدية".

وأضاف بالعم أنّ "التونسي لم تعد تفصله عن الانتخابات البلدية سوى بضعة أشهر، ومع ذلك فإنّ نية المشاركة في الانتخابات لا تزال ضعيفة، مع تأكيد أكثر من نصف التونسيين أنهم لن يشاركوا في الانتخابات البلدية"، مضيفاً: "قد نشهد نفس العزوف الذي عرفناه في الانتخابات الجزئية في ألمانيا". وأوضح أن "ما حصل في الانتخابات الجزئية في ألمانيا سيؤثر بدوره على الانتخابات البلدية في تونس، وتقريباً قد يتكرر نفس السيناريو لناحية ضعف الإقبال وعدم إلمام الناخب بالبرامج التي ستقدمها الأحزاب"، مبيناً أنّ "الاحتجاجات الأخيرة ستلقي بظلالها على المشهد الانتخابي في تونس، وستؤثر على الانتخابات البلدية ونوايا التصويت بالنسبة للناخبين". وكشف بالعم أنّ "المعهد سيعلن في الأسبوع المقبل عن نتائج استطلاع جديد بخصوص المشهد السياسي والانتخابات البلدية في تونس".