تدلّ كل المؤشرات على أن صلب معركة الانتخابات الرئاسية التمهيدية، يكمن في نيل رضى التيار المحافظ عند الجمهوريين، والتماهي مع أجندة القاعدة اليسارية عند الديمقراطيين، في وقت يجد فيه مرشحو القيادة التقليدية عند الحزبين أنفسهم في موقف صعب انتخابياً في الأيام الأخيرة قبل انطلاق السباق الرئاسي الأميركي رسمياً، من ولاية أيوا.
تتجلّى مفاجأة هذا السباق الآن، في احتدام الصراع عند الديمقراطيين، إذ تواجه مرشحة القيادة التقليدية، وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، تمرّداً من القاعدة اليسارية، بقيادة المرشح عنها، السيناتور عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز. وكان ساندرز قد صعد بشكل مفاجئ في استطلاعات الرأي، في الأسابيع الأخيرة، ليتقدّم على كلينتون بـ51 في المائة مقابل 39 في المائة في ولاية نيو هامبشير، فيما حافظت كلينتون على تقدمها في أيوا (47 مقابل 41 في المائة) وفي الاستطلاعات الوطنية.
تنعكس هذه الدينامية الجديدة على شاكلة هجمات انتخابية متبادلة، فقد ركّز ساندرز سهامه على نقاط ضعف كلينتون، المتعلقة بموقفها المتريث من التغيّر المناخي وعلاقاتها المالية بأثرياء الحزب، وموقفها من غزو العراق عام 2003.
بعدها كشف ساندرز خلال آخر مناظرة رئاسية له، الأحد الماضي، أن "على واشنطن الإسراع قدر الامكان بتطبيع علاقتها مع إيران بعد الاتفاق النووي". وهو ما استغلته حملة كلينتون، مسلّطة الضوء على ما اعتبرته "عدم خبرة منافسها في السياسة الخارجية".
اقرأ أيضاً: تفوق مفاجئ للمرشح بيرني ساندرز على هيلاري كلينتون
ورأت كلينتون أن "لدى ساندرز سوء تقدير بالغ حول إيران"، كما نشرت حملتها بياناً مشتركاً لعشرة مسؤولين أميركيين سابقين، عبّروا فيه عن قلقهم من أنه "ليس لساندرز استراتيجية لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولم يفكّر جدّياً بقضايا الأمن القومي الحاسمة، التي يُمكن أن يكون لديها عواقب وخيمة لأمننا". وكان من بين الموقعين وكيلي وزير الخارجية السابقين ويندي شيرمان ونيكولاس بيرنز، وكبير موظفي مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق جيريمي باش.
لم تواصل كلينتون هجومها، بل بدأت تخفيف لهجتها حيال ساندرز، بعد بروز اعتقاد داخل حملتها بأن الهجوم ارتدّ عليها، لا سيما أن القاعدة اليسارية لا تلتقي معها حول إيران أو مع قول حملتها إن "ساندرز يسعى لتدمير قانون الرعاية الصحية الذي أقرّه الرئيس باراك أوباما". وهو ما جعل كلينتون تقول أخيراً إن "قلب منافسها اليساري في المكان الصحيح لكن اقتراحاته خاطئة".
مع العلم أنه تفرّعت معارك منفصلة في السباق الرئاسي عند الجمهوريين، لعلّ أبرزها المعركة الشرسة على أصوات المحافظين والمعركة على كسب تأييد القيادة التقليدية في الحزب. يتنافس رجل الأعمال دونالد ترامب، مع السيناتور عن ولاية تكساس تيد كروز، على صدارة السباق وعلى أصوات المحافظين. أما المرشحون الأربعة الآخرون، أي السيناتور عن فلوريدا ماركو روبيو، وحاكم ولاية نيو جيرسي كريس كريستي، وحاكم فلوريدا السابق جيب بوش، وحاكم ولاية أوهايو جون كاسيتش، فتجمعهم منافسة فرعية في محاولة تقديم أوراق اعتمادهم إلى المؤسسة الحزبية.
في الأمتار الأخيرة قبل موعد الانتخابات التمهيدية في أيوا، مطلع شهر فبراير/ شباط المقبل، يتقدم ترامب على كروز في هذه الولاية (29 مقابل 26.4 في المائة)، ويتقدم على كاسيتش في نيوهامبشير (32 مقابل 13.4 في المائة). ويتقدم ترامب أيضاً على كروز في الاستطلاعات الوطنية (34.4 مقابل 18.8 في المائة).
وقد نجح ترامب هذا الأسبوع في استعادة المركز الأول من كروز في أيوا نتيجة عدة عوامل، أبرزها موقف كروز ضد الدعم الفيدرالي لـ"الإيثانول"، الذي يعتمد عليه المزارعون في هذه الولاية. لكن ترامب أيضاً ركّز حملته على نقاط ضعف كروز، لا سيما ولادته في كندا لوضع الشكوك حول أهليته الدستورية لتولي منصب الرئاسة.
كما نشرت حملة ترامب إعلاناً دعائياً هاجمت فيه ما اعتبرته موقف كروز المؤيد للعفو عن المهاجرين الذين دخلوا الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية. أما تكتيك كروز الهجومي، فيعتمد على التشكيك بمدى وفاء ترامب للمبادئ المحافظة، وقلّة خبرته في السياسة والحكم، مع التركيز على سيرته في نيويورك كرجل أعمال "وصولي".
وتركّز المنشورات المحافظة حصراً على ترامب في الفترة الأخيرة، وتصف خلاصة أفكارها ترامب بأنه "معتدل أقرب إلى الليبرالية، في إشارة إلى مواقفه السابقة من الإجهاض والضرائب وغيرها من القضايا المحلية، وذلك في محاولة لإقناع القاعدة الشعبية المحافظة بالتخلي عن دعم ترامب.
من جهة أخرى، انتقد مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق مايكل هايدن، ترامب، قائلاً إن "الصراخ البدائي قد يكون علاجاً جيداً، إنما هو بديل سيئ عن السياسة العملية". وانضم رئيس مركز "الأمن الأميركي الجديد" ريتشارد فونتاين، وغيره من المسؤولين الجمهوريين السابقين، إلى مجموعة منتقدي ترامب. وتُعتبر مشكلة ترامب أنه لم يعِر اهتماماً كبيراً لقضايا الأمن القومي في حملته، وحتى أنه لم يتضح بعد من هم مستشاروه للسياسة الخارجية.
لا يزال البعض في المؤسسة الحزبية يأمل بعودة جيب بوش إلى المنافسة، لكن حملته تواصل تعثرها. محاولات بوش في الأشهر الأخيرة، في الهجوم المضاد على ترامب، أتت متأخرة ولم تعد تنفع، وتصويبه على روبيو ارتد عليه. بالتالي أصبح على هامش السباق الرئاسي تقريباً. وعلى الرغم من أدائه الجيد في المناظرات الرئاسية، لم يحدث روبيو بعد اختراقاً جدّياً يجعله يتجاوز سقف الـ10 في المائة في استطلاعات الرأي، فيما أرقام كريستي وكاسيتش بعيدة عن احتمال تحقيق أي منافسة جدية.
اقرأ أيضاً: ساندرز يهدّد حظوظ هيلاري كلينتون الرئاسية