الانتحار في الجزائر يبلغ تلاميذ المدارس

24 أكتوبر 2019
من بينهم مراهقون مهدّدون (العربي الجديد)
+ الخط -

يدرك المتخصصون الاجتماعيون والنفسيون مدى خطورة ما يُسجّل في الجزائر من انتحار ومحاولات انتحار، ويسعون إلى إيجاد حلول، غير أنّ الأمر لا يبدو سهلاً، فالحالات غير محصورة بفئات معيّنة وصارت تطاول الناشئة في المدارس.

سنوياً، يضع ما بين 500 و600 جزائري حدّاً لحياتهم، فيما سُجّلت 3400 محاولة انتحار في عام 2018 بحسب البيانات الرسمية، مع نسب عالية في أوساط الشباب، الأمر الذي جعل وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات في البلاد محمد ميراوي يعبّر عن قلقه بمناسبة اليوم العالمي لمنع الانتحار الذي حلّ في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. والانتحار كما المحاولات التي لا تقلّ جسامة عنه، يلجأ إليهما شباب يتعرّضون إلى ضغوطات اجتماعية، وعاطلون من العمل من مختلف الفئات العمرية، وآخرون يرغبون في التخلص من آلامهم في لحظة يأس.

وفي 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، أقدمت فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً على الانتحار شنقاً في منزل عائلتها في بلدة دوار الماء التابعة لولاية الوادي الحدودية مع تونس، جنوبي الجزائر. وقد رُبط انتحار الفتاة المراهقة بالأحوال المعيشية المزرية التي تعانيها عائلتها وعدم تمكّنها من توفير مستلزمات المدرسة لابنتها، وقد كشفت التحقيقات أنّ الفتاة شعرت بالمهانة أمام زميلاتها في ما يخصّ الملابس والأدوات المدرسية. لكنّ ثمّة جهات لمّحت إلى احتمالات أخرى، لا سيّما أنّها أُلحقت في سنّ متأخرة بالمدرسة، وهي كانت في الصفّ الخامس الابتدائي.

وفي شهر يوليو/ تموز الماضي، سُجّلت في الجزائر حالات انتحار شنقاً بين التلاميذ، على خلفيّة رسوبهم في امتحانات شهادة التعليم الابتدائي أو المتوسط. في واحدة من الحالات، أقدم فتى يبلغ من العمر 14 عاماً، في ولاية ميلة شمال شرقي الجزائر، على ربط حبل بأحد أعمدة شرفة منزل عائلته ثمّ لفّه حول عنقه وترك جسمه يتدلّى في الهواء. فهو لم يتحمّل صدمة الرسوب بحسب ما خلصت التحقيقات. كذلك الأمر بالنسبة إلى فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً، شنقت نفسها بواسطة حبل عقب رسوبها، في ولاية معسكر غربي الجزائر.




ويرى باحثون ومتابعون لظاهرة الانتحار في أوساط التلاميذ أنّه لا بدّ للأسرة من أن تؤدّي دورها في حماية أطفالها. ويشدّد الباحث في علم الاجتماع الأسري، نور الدين بوهالي، لـ"العربي الجديد"، على "أهميّة تعزيز العمل المحلي في السياق، من خلال دعم نشاطات التوعية على مستوى الأحياء والبلديات، وكذلك توعية التلاميذ في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية"، لافتاً إلى أنّ "قضايا الانتحار صارت تمثّل تهديداً مجتمعياً حقيقياً، وسط الظروف المعيشية الصعبة، وتغيّرات نمط العيش".

واستناداً إلى البيانات المقلقة في السياق، تُبذل جهود في مختلف المؤسسات الجزائرية من أجل التعرّف إلى الدوافع التي تؤدّي إلى الإقدام على إنهاء الحياة أو محاولة الانتحار، خصوصاً بين المراهقين والشباب. وتشير معطيات إلى ارتباط بتعاطي المخدّرات في المدارس، وانتشار بعض الألعاب الإلكترونية، ونقص في التعاون بين مختلف فئات المجتمع، خصوصاً في داخل الأسر. وهو الأمر الذي يفرض بحسب المتخصص في الأمراض النفسية، البروفيسور جمال الدين سعدون، "مراقبة الأبناء المتمدرسين ومحيطهم اليومي، سواء زملاء المدرسة أو المعارف من محيطها أو الأصدقاء من خارج نطاقها". يضيف سعدون لـ"العربي الجديد" أنّ "الوضع في الجزائر يستدعي دقّ ناقوس الخطر، فللانتحار أسباب كثيرة، لعلّ أحدها تعاطي المخدّرات"، لافتاً إلى أنّ "المخدّرات بحدّ ذاتها تنذر بخطورة كبيرة في المؤسسات التربوية وتهدّد صحّة الشباب وقد تدفعهم إلى ارتكاب جرائم مختلفة".

ويبدي الجزائريون قلقهم إزاء ظاهرة الانتحار التي تعكس حالة اليأس من الواقع المعاش. وتقول الباحثة في علم الاجتماع مونية سوامي لـ"العربي الجديد" إنّ "الانتحار وسيلة للهروب من الواقع وطريقة علاج نهائي للأزمات الاجتماعية التي يعيشها الجزائريون، من قبيل تراكم الديون بالنسبة إلى أرباب الأسر، والطرد من العمل، والتفكك الأسري والطلاق".



ارتفاع معدّلات الانتحار وكذلك المحاولات في الجزائر دفعا وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات إلى عقد مؤتمر لـ"خلايا الإصغاء والوقاية وصحة الشباب" بهدف النظر في كيفيّة التكفّل بالرعاية الصحية الجسدية والعقلية للشباب، خصوصاً فئة المراهقين الذين يتعرّضون إلى أخطار عدّة في المجتمع. فهؤلاء في حاجة إلى مرافقة نظراً إلى التغيرات الفيزيولوجية والنفسية التي يختبرونها. وقد كشف مدير قسم الدراسات في الوزارة، محمد شكالي، أنّ نحو 1240 محاولة انتحار سُجّلت منذ بداية العام الجاري، لافتاً إلى أنّ كلّ المعطيات تدفع في اتجاه معالجة ملحّة وجدية من قبل مختلف الجهات في البلاد. تجدر الإشارة إلى أنّ الجزائر تضمّ "خلايا الإصغاء والوقاية وصحة الشباب" يصل عددها إلى 81 خليّة موزّعة في مختلف الولايات مع 857 متخصصاً، وذلك في إطار الاستراتيجية الوطنية من أجل مكافحة الآفات الاجتماعية.