الاقتصاد السعودي في مفترق طرق

25 يناير 2015
سلمان بن عبد العزيز (Getty)
+ الخط -
ربما تكون تحديات خلق وظائف للشباب السعودي، إضافة إلى تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط الذي تواصل أسعاره الانهيار، أكبر التحديات الاقتصادية للعهد الجديد، عهد الملك سلمان في السعودية، الذي بدأ رسمياً أول من أمس الجمعة.
ويرث الملك سلمان اقتصادا كبيراً، يقدر حجمه بحوالي 927.8 مليار دولار، وهو ما يضعه في المرتبة الثالثة عشرة بين اقتصادات 179 دولة، حسب تصنيف صندوق النقد الدولي للعام 2013.
كما يقدر نصيب الفرد السعودي من إجمالي الناتج المحلي بحوالي 31.3 ألف دولار. وبهذا الحجم يصبح اقتصاد المملكة أكبر اقتصاد للسوق الحرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يمثل نسبة 25% من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية. ويمثل النفط العصب الرئيسي للاقتصاد السعودي، حيث تحتل المملكة المرتبة الأولى عالمياً في احتياطي البترول والأولى في الإنتاج والتصدير، وتمتلك المملكة نسبة 25% من إجمالي الاحتياطي العالمي للبترول.
وتقدر إدارة معلومات الطاقة الأميركية، في تقريرها الصادر في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي إجمالي احتياطات النفط المؤكدة لدى المملكة بحوالي 266 مليار برميل، إضافة إلى 2.5 مليار برميل في حقول المنطقة المشتركة مع كل من الكويت والعراق.

وبالتالي فالملك سلمان يرث اقتصادا ضخماً، لكنه يصعد للحكم في أوقات عصيبة سياسياً واقتصاديا، حيث تحاصر المملكة أزمات جيوسياسية تتطلب استجابة حاسمة وسريعة، خاصة التطورات الأخيرة في اليمن في أعقاب انقلاب المليشيات الحوثية التي تدعمها إيران على السلطة الشرعية في اليمن، والاضطرابات والحروب التي تشهدها على حدودها مع سورية والعراق، والتهديد المباشر لأمنها من قبل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
وبالتالي، فإن هنالك احتياجات مالية كبيرة لزيادة الإنفاق على الدفاع والأمن في السعودية خلال السنوات المقبلة. وهذا العامل المهم والاستراتيجي لأمن المملكة الذي يتفاعل ويتزامن مع انهيار مداخيل النفط، سيعني أن السعودية ستتكئ أكثر على تغطية الإنفاق الإضافي المتوقع في ميزانية الدفاع والأمن من احتياطاتها النقدية المقدرة بحوالي 790 مليار دولار، حتى نهاية العام الماضي.

النمو الاقتصادي

رغم انهيار إيرادات النفط، فإن توقعات شركة جدوى السعودية للاستثمار الصادرة في يناير/كانون الثاني الجاري، تشير إلى أن الاقتصاد السعودي سيتمكن من النمو خلال العام الجاري بنسبة 2.5% مقارنة بنسبة نموه في العام الماضي البالغة 3.7%. وبنيت توقعات جدوى على أساس أن أسعار النفط لن تتحسن خلال العام الجاري.
وحسب جدوى، سيعني انهيار أسعار النفط، انكماش الفائض في ميزان الحساب الجاري السعودي وزيادة العجز في الميزانية السعودية بمعدل أكبر مما هو متوقع في التقديرات التي وضعت للعجز 145 مليار ريال "حوالي 38 مليار دولار".
وتشير توقعات خبراء اقتصاد غربيين إلى أن الملك السعودي الجديد سلمان القريب جداً من فئات الشباب في السعودية، رغم سنه، سيزيد الإنفاق على خلق وظائف جديدة للشباب والصرف أكثر على التدريب، وتأهيل الكوادر السعودية لشغل مناصب أساسية في الدولة. وهذا التفكير ينسجم تماماً مع الخطوات التي اتخذها الملك سلمان في فترة ولايته للعهد، كما ينسجم مع أولى القرارات الذي اتخذها يوم الجمعة بتعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد. وهو التعيين الذي حسم بموجبه مرحلة انتقال السلطة من جيل الكهول في عائلة آل سعود إلى جيل الشباب.
وبالتالي فالتوقعات تشير إلى أن العاهل السعودي الجديد سيركز في سياسته الاقتصادية على خلق الوظائف، وتنفيذ مشروعات بمليارات الدولارات في مجال البنية التحتية للحيلولة دون أن يحدث هبوط النفط أي آثار سلبية على مستوى معيشة المواطن السعودي أو أن يزعزع الثقة في مناخ الأعمال.

وبينما سيعكف الملك سلمان خلال الشهور المقبلة على إدارة مرحلة الانتقال السياسي، يقول خبراء في الشأن السعودي إنه سيمنح أولوية للحد من معدل البطالة بالسعودية الذي بلغ 11.8%، بحسب البيانات الرسمية السعودية الصادرة في العام الماضي 2014.

دعم شعبي

يقول الخبير الاستراتيجي لدى "اكسترات لاستشارات الأسواق الناشئة"، عماد مستقي لوكالة رويترز إن الملك سلمان قد يواجه الضغوط المتعلقة بضمان الدعم الشعبي، عن طريق زيادة رواتب القطاع الحكومي وغيرها من الإجراءات.
وأضاف "ربما تشمل تلك الخطوات إجراءات مكلفة مثل منح مساكن مجانية للشباب المتزوجين حديثاً أو قروض استهلاكية تتحمل الحكومة تكلفتها". ولكن في المقابل يشير اقتصاديون إلى كوابح إيرادات النفط التي تحاصر التوسع في الإنفاق.
في هذا الصعيد يقول المدير الإقليمي لشركة إدارة الأصول أشمور في الرياض جون سفاكياناكيس، إنه لا يمكن للمملكة أن تلجأ لرفع الإنفاق إلى ما لا نهاية في مناخ يتسم بانخفاض الدخل من النفط.
ولفت سفاكياناكيس إلى موازنة 2015 التي أعلن عنها الشهر الماضي وتضمنت ارتفاعا هامشياً للإنفاق الحكومي بنسبة 0.6% مقارنة بميزانية العام 2014 وهي أقل زيادة خلال عقود، بل تشمل خفضاً طفيفاً للإنفاق بحسب المعايير المعدلة على أساس التضخم.
لكن سفاكياناكيس، الذي عمل في السابق مستشاراً اقتصاديا للحكومة السعودية، رجح أن يستمر الإنفاق الحكومي السخي على خلق الوظائف والتعليم من أجل توفير قوة عاملة قادرة على المنافسة، وكذا على تحديث نظام الرعاية الصحية وتنفيذ المشروعات الضخمة؛ مثل مشروع مترو الرياض البالغة قيمته 22.5 مليار دولار والمتوقع الانتهاء منه بحلول 2019.
وقال سفاكياناكيس "القيادة تعلم أنه سيتعين عليها مواجهة تلك القضايا لضمان مستقبل البلاد. وهناك إجماع على ذلك بالفعل داخل الحكومة".
ويجمع خبراء الاقتصاد السعودي على أن توفير الوظائف للشباب سيكون الهم الأول لعهد الملك سلمان.
المساهمون