الاقتصاد الإيراني يترقّب وقف النزيف

31 مارس 2015
انحدر أكثر من 15 مليون إيراني دون خط الفقر(Getty)
+ الخط -
عشر سنوات جلس خلالها الوفد المفاوض الإيراني، الذي تغير أعضاؤه مراراً، إلى طاولة واحدة مع الغرب لإيجاد حل لأزمة برنامج طهران النووي، وخلال هذا العقد فرضت عقوبات غربية على مختلف القطاعات الاقتصادية الإيرانية؛ والتي أدت بشكل أو بآخر إلى إرهاق اقتصاد الداخل، وتحميل المواطن أعباء معيشية ثقيلة.
وكثفت القوى الست الكبرى محادثاتها مع إيران بشأن برنامجها النووي خلال الأيام الماضية، في مسعى لإنجاز اتفاق شبه نهائي، تنتهي المدة المحددة له اليوم الثلاثاء، وسط أنباء عن تنازلات محتملة من الطرفين المجتمعين في مدينة لوزان بسويسرا.
وتراجعت الصناعات الإيرانية خلال هذه السنوات العشر الماضية إلى النصف. وفي مجال التجارة حاولت إيران في الكثير من الأحيان الالتفاف على العقوبات، وإيجاد بدائل لتصدر ما تمتلكه وتستورد ما تحتاجه من بضائع. أما العقوبات المالية والمصرفية، فلم تخفض السيولة والنقد وحسب، بل ساهمت بتشديد ركود عمل المصارف الإيرانية وإغلاق دوائرها الدولية، وهو ما أدى لانتقال العديد من الموظفين لدوائر أخرى، ومنهم من جلس عاطلاً من العمل.
وسائل النقل الجوي والبري والبحري تعطلت بسبب قرارات العقوبات أيضاً، وكل هذا أثر على بنية الاقتصاد الداخلي، حيث تراجع القطاع الخاص بشكل ملفت، وتوقف التنافس في السوق، وترافق هذا بانهيار العملة المحلية أمام الدولار، وهو ما زاد الأسعار ورفع نسبة التضخم إلى 50% في بعض الأحيان، وارتفعت كذلك نسبة البطالة ليصل عدد العاطلين من العمل إلى ثلاثة ملايين شخص، ومن المتوقع وصول هذا الرقم إلى خمسة ملايين، إذا لم تحل المشكلة وفق تقارير محلية متخصصة.
وانحدر نحو 15 مليون إيراني دون خط الفقر، يمثلون أكثر من 20% من إجمالي عدد السكان البالغ 75 مليون نسمة.
وتضافرت كل هذه العوامل مع خطط حكومية لم تلق النجاح المطلوب، حيث كان الهدف منها دعم الاقتصاد المحلي، لكنها ساهمت بشكل أو بآخر بتردي الأوضاع، فما زال الإيرانيون يعانون حتى اليوم من تطبيق خطة رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع الاستراتيجية؛ والتي بدأت قبل أربعة أعوام تقريباً، رغم دفع رواتب شهرية للمواطنين كبديل عن رفع الدعم، لكن هذه المبالغ لا تغطي احتياجاتهم في ظل ارتفاع مستمر للأسعار.
غير أن وصول الرئيس المعتدل حسن روحاني إلى سدة الرئاسة عام 2013، وإطلاق مفاوضات جدية دعت إلى تضافر الجهود وبناء جسر ثقة مع الغرب، فضلاً عن احتمال نجاح المفاوضات النووية وتحقيق نتائج إيجابية، عاملان يستطيعان إنقاذ الاقتصاد الإيراني الداخلي كما يقول خبراء الاقتصاد، فعلى الحكومة التحرك داخليا بالتزامن مع تحقيق نتائج في المفاوضات، وإلغاء الحظر.


نجاح تجربة جنيف

سمح توقيع اتفاق جنيف المؤقت بين إيران ودول 5+1 قبل أكثر من عام، وتمديده مرتين، بإلغاء العقوبات عن بعض القطاعات الإيرانية، والتجربة تثبت انتعاش هذه القطاعات، ما يعني نجاحاً آخر في قطاعات أخرى بحال توقيع اتفاق نووي نهائي.
فجنيف سمح بتعليق فرض عقوبات جديدة على إيران؛ وهو ما أعطى البلاد فرصة لأخذ نفس عميق، كما ألغى بموجبه بعض العقوبات المفروضة سابقاً على الصناعات البتروكيماوية، حيث تتوقع المؤسسة الوطنية الإيرانية للصناعات البتروكيماوية ارتفاع عائدات صادرات هذا القطاع بمقدار 2.5 مليار دولار بحال إلغاء العقوبات بالكامل، فقبل تشديد العقوبات على هذا القطاع قبل سنوات كانت إيران تصدر 14% من منتجاتها البتروكيماوية إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الحظر أوقف ناقلات هذه الصناعات وأوقف التعاملات المصرفية مع إيران، فانخفضت هذه الصادرات بمقدار 13% وفق مؤسسة الجمارك الإيرانية، لكن اتفاق جنيف حقق انتعاشاً نسبياً.

اقرأ أيضا:
خطورة الاتفاق النووي الإيراني على المنطقة

قطاع آخر ينتظر رفع الحظر بالكامل، وهو شراء طائرات مدنية جديدة والحصول على قطع طائرات. ورغم أن اتفاق جنيف سمح لإيران بتوقيع عقود لشراء قطع غيار لطائراتها والحصول على الصيانة المطلوبة، لكن أسطول الطيران الإيراني ما زال الأقدم في العالم، وينتظر فتح المزيد من التعاملات التي ستسمح بإنعاش قطاع النقل أيضاً.
كل هذه النقاط ستؤدي وفق المراقبين، إلى تحرك السوق الإيرانية نحو الأمام، وزيادة عدد المستثمرين في الداخل الإيراني وانتعاش المصارف، وحتى قطاع الصناعات المحلية كالسيارات والصناعات البتروكيماوية.


الأرصدة المجمدة

حصلت إيران بموجب اتفاق جنيف في مرحلته الأولى على 4.2 مليارات دولار، وفي مرحلته الثانية على 2.8 مليار، وتعتبر هذه الأموال من عائدات النفط المجمدة في مصارف الخارج، لكن لم يسمح لإيران بالحصول على هذه المبالغ نقداً وبالعملة الصعبة، فقررت الحكومة الإيرانية الاحتفاظ بها في حسابات البنك المركزي خارج إيران وشراء البضائع التي كان يحظر عليها شراؤها كالأدوات الطبية والأدوية وبعض الآلات.
لكن لدى إيران أرصدة أخرى مجمدة في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأميركية وفي مناطق أخرى من العالم، يقدر البعض هذه المبالغ بـ80 مليار دولار، بينما تقول بعض المواقع الرسمية الإيرانية إن هذه المبالغ لا تزيد على 60 مليار دولار، ومنها ما احتجز بعد تشديد الحظر على القطاعين المالي والنفطي عام 2012، ومنها ما يعود لأكثر من ثلاثة عقود، وهي المبالغ الموجودة أساساً في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تقدر إيران هذه المبالغ القديمة بنحو 12 مليار دولار، بعضها يعود لدبلوماسيين وعسكريين، وبعضها يعود لحسابات كانت باسم الشاه محمد رضا بهلوي، الذي فر من إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، وهي مبالغ قررت واشنطن احتجازها بعد اقتحام السفارة الأميركية في طهران، وإطلاق أزمة الرهائن في عام الثورة نفسه.
ويقول أستاذ علم الاقتصاد في الجامعة الحرة الإيرانية، علي رضا فتح أبادي، لـ "العربي الجديد"، إن الأرصدة ستغني السوق الإيرانية؛ والأهم أنها ستعوض عن العجز في الميزانية، الناتج عن انخفاض أسعار النفط في الأشهر الثمانية الماضية، موضحاً أن الأموال المفرج عنها تستطيع تحقيق الانتعاش بشرط وضعها بخدمة القطاع الخاص وليس العام، فهو القطاع الذي يحرك السوق.

سوق النفط في انتظار رفع الحظر

تقول إيران إن عين السوق الآسيوية على النفط الإيراني، فالهند والصين واليابان وكوريا الجنوبية تترقب إلغاء العقوبات، وهو ما يؤكده خبراء آسيويون أيضاً، مثل هونغ سونغ كي، المحلل النفطي في شركة سامسونج فيتشرز.
وتصدر إيران حالياً نحو مليون برميل يومياً من النفط الخام، بينما إنتاجها الواقعي أكثر من هذا بكثير، فقبل
الحظر النفطي عام 2012 كانت إيران تصدر 2.5 مليون برميل، وفي ديسمبر/كانون الأول 2011 أنتجت إيران 3.58 مليون برميل في اليوم، وهذا يعني تراجعاً كبيراً، فإيران اليوم تحتل المرتبة الخامسة في منظمة أوبك للدول المنتجة والمصدرة للنفط، بعد أن كانت في المرتبة الثانية.
إلا أن فتح أبادي، يوضح لـ "العربي الجديد" أن التفاؤل لا ينفع في حالة السوق النفطية، حتى وإن رفعت العقوبات بالكامل عن إيران، فهناك منافسون أشداء في المنطقة يشكلون تحدياً لإيران، ولا سيما الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، مشيراً إلى أنه لا يجب المراهنة كثيراً على السوق النفطية، بل يجب استمرار خطة إبعاد اقتصاد إيران عن عائدات النفط، فهي ستبقى ورقة تهديد بغض النظر عن نتائج الاتفاق النووي.

توصيات الخبراء

إذا ما ألغي الحظر عن إيران فمن المتوقع أن تدور عجلة الاقتصاد الداخلي الإيراني بسرعة كبيرة، وتحقق نمواً اقتصادياً عالياً.
لكن هذا الأمر يبقى مشروطاً بتطبيق صحيح للخطط، والاستفادة من تجارب الحكومات السابقة، واستخدام عدد أكبر من المتخصصين والمستشارين الاقتصاديين في الفريق الحكومي، فالعديد من مشكلات الاقتصاد الإيراني كما يقول الخبراء لا ترتبط بالعقوبات وحسب، وإنما بقضايا داخلية.
وذكر فتح أبادي أن تعزيز القطاع الخاص هو كلمة السر لإنعاش الاقتصاد الداخلي، فعلى الحكومة فتح المجال أمام المستثمرين والتجار وأصحاب المشاريع الصغيرة ودعمهم، كما يجب الوقوف بوجه الفساد الاقتصادي ومحاربته.
كثيرون في إيران، يعلمون تماماً أن إلغاء العقوبات لا يعني حلاً سحرياً لكل مشكلات الاقتصاد الإيراني الداخلي المرتبط أساساً بمشكلات سياسية خارجية أيضا، فالمستشار الاقتصادي للحكومة مسعود نيلي، قال لوكالة أنباء مهر الإيرانية، إنه على الكل التجهز لهذا الواقع، وإلا سيصاب الجميع بخيبة أمل، فلا بد من إدارة الاقتصاد من الداخل بطريقة صحيحة، وفق تعبيره.

اقرأ أيضا:
80 مليار دولار تعود إلى إيران من الاتفاق النووي
الأسد: أرغب بإقامة علاقات طيبة مع واشنطن منذ زمن
إعادة إعمار سورية.. تمدد إيراني ودعاية لنظام الأسد
المساهمون