تهزّ هذه العمليات الشارع العراقي، أسبوعياً، مع تشابه سيناريوهاتها إلى حدّ كبير بين حادثة وأخرى، تبدأ من الإعلان عن "اقتحام مجموعة مسلّحة للسجن مُطلقة النار على النزلاء، فيُقتل عدد منهم، لا يقلّ عن عشرين نزيلاً. ثم تعد وزارتا الداخلية والعدل بفتح تحقيق في الحادث، من دون التوصّل لنتائج لهذا التحقيق، بالتالي لا يمكن التأكد من أنهما فعلاً فتحتا تحقيقاً من الأساس أو تطرحان فرضيات مقتل السجناء خلال عمليات نقلهم أو الادّعاء بأن هجوما إرهابيا استهدفهم". ووفقاً لمنظمة عراقية محلية، فإن ما لا يقلّ عن 800 نزيل قُتلوا العام الماضي والعام الحالي، داخل السجن أو أثناء نقلهم أو بعمليات اختفاء غامضة، بعد العثور على جثثهم خارج السجون.
ولا تتجرأ حكومة حيدر العبادي على تناول الموضوع، لا من قريب ولا من بعيد، على الرغم من انتشار تقارير منظمات محلية ودولية تحدثت عن ظاهرة الاغتيالات وتصفية السجناء بالعراق، التي تقوم بها مليشيات مسلحة وأفراد بالأمن العراقي. كما أن مليشيات "الحشد الشعبي" هدّدت أخيراً على لسان أحد زعمائها، باقتحام السجون وتصفية جميع النزلاء فيها، رداً على تفجير الكرادة (3 يوليو/تموز الحالي). في هذا الصدد، نوّه زعيم مليشيا "أبو الفضل العباس"، أوس الخفاجي، إلى أنه "سنقتحم السجون ونقتلهم بأيدينا ثأراً لقتلى الكرادة".
لم تعد المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تقتنع بالإجابات، التي تقدمها وزارتا العدل والداخلية عن تلك الجرائم، وتعللها في كل مرة بأنها "هجوم إرهابي مباغت من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". يعود سبب عدم الاقتناع إلى أن المهاجمين لم يكسروا باباً للسجن ولم يقتلوا حارساً، بل دخلوا وأعدموا الضحايا وخرجوا بشكل سهل للغاية.
ووفقاً لآخر الأرقام، فإن ما لا يقلّ عن 800 معتقل ونزيل بالسجون العراقية، قُتلوا داخل زنازينهم أو اختفوا في ظروف غامضة، وعُثر على جثثهم في مكبات النفايات أو الساحات العامة، وذلك منذ مطلع العام الماضي، حتى هذه الأيام. وبحسب الوثائق، فإنه يجري تصفية جميع الضحايا بشكل منظّم داخل السجون، وهو ما دفع بكثير من ذوي المعتقلين لدفع رشى مالية تصل إلى 10 آلاف دولار، مقابل نقل أبنائهم المعتقلين إلى سجن سوسة في كردستان العراق، لحمايتهم من عمليات الاغتيال أو التعذيب اليومي، الذي بلغ ذروته أخيراً.
مع العلم أن الهجمات على السجون تتمّ بعد عمليات إرهابية لـ"داعش"، يستهدف فيها مناطق عامة تودي بحياة مواطنين، أو بعد صدور حكم قضائي بتبرئة متهم، إذ يتمّ التخلص منه قبل تنفيذ الشرطة الأمر القضائي. كما أن الهجمات تقع أيضاً، بعد مقتل قيادي بارز ما بالمليشيات.
وسبق أن أعلنت الشرطة العراقية في محافظة ديالى، التي تشهد عمليات تطهير طائفية واسعة منذ أعوام تنفذها مليشيات موالية لإيران، عن مقتل 52 سجيناً الشهر الماضي، باقتحام مسلحين لسجن آمرلي. مع العلم أن معظم من يتم التحقيق معهم، يُحاكمون بتهم الإرهاب، عقب هجوم إرهابي استهدف ضابطا بالشرطة يشغل بنفس الوقت منصباً قيادياً بإحدى المليشيات.
وقد نقلت وكالة "الأناضول" حينها عن شيخ عشيرة البياتيين بالعراق، ثائر البياتي، قوله إن "مسلحي مليشيات الحشد الشعبي أعدموا نحو 50 سجيناً داخل سجن آمرلي، انتقاماً لمقتل العقيد مصطفى قائد شرطة طوزخورماتو بمحافظة صلاح الدين، خلال اشتباكات وقعت مع داعش قرب آمرلي". وأضاف وقتها أن "ثماني جثث كانت عليها آثار إطلاق نار وطعن بالسكاكين، تم تسليمها للطب العدلي في محافظة ديالى، لتسليمها إلى ذويها".
وقد شهدت السجون العراقية هذا العام، 21 حالة هجوم من قبل المليشيات عليها، من بينها ست هجمات في ديالى وأربع في بغداد والأخرى بسجون تتوزع جنوب العراق. وأسفرت جميعها عن مقتل نحو 283 نزيلاً، وفقاً لما كشفت مصادر خاصة في وزارة العدل لـ"العربي الجديد".
ولا تُقدّم الحكومة العراقية أي أرقام حقيقية لأعداد السجناء لديها، لكن التقديرات تتحدث عن وجود نحو 200 ألف معتقل في السجون الرسمية أو تلك التابعة للمليشيات. كما أن عدد المعتقلين العرب في السجون في تناقص واضح، ومستمر بسبب عمليات القتل أو الوفاة والجوع المستمرة داخل السجون. وتشير آخر الأعداد الحالية إلى وجود نحو 450 سجيناً عربياً، من مصر ولبنان وسورية والسودان والأردن والسعودية والجزائر والمغرب وتونس وليبيا وفلسطين".
من جهته، يقول مهند العيساوي، رئيس مركز "بغداد لحقوق الإنسان" وهي منظمة عراقية معتمدة بشؤون حقوق الإنسان في البلاد، وتُقدّم تقارير دورية عن حالة السجون، إن "السلطات العراقية لم تتخذ أي إجراء لوقف جرائم الإعدام الجماعي للمختطفين على يد مليشيات الحشد، ولا للجرائم داخل السجون التي تنفذها المليشيات أو جرائم التعذيب وسوء المعاملة في سجونها الرسمية. وكل اللجان التي شُكّلت لغرض التحقيق بجرائم الحشد، لم تُقدّم أي متهم للقضاء ولم تكن سوى لجان دعائية".
ويضيف العيساوي أن "مليشيات الحشد أعدمت مئات المختطفين من المدنيين. وكانت أبشع جرائم الإعدام الجماعي ما جرى من إعدام عشرات المدنيين في النباعي وفي الدور وفي الصقلاوية والكرمة ومناطق محافظة ديالى. وقد تمّ توثيق أغلب تلك الجرائم بالصوت والصورة بهواتف عناصر الحشد أنفسهم الذين قاموا بنشرها".
ويردف "أما ما يتعرّض له المعتقلون في السجون الرسمية، فالانتهاكات مستمرة ومتزايدة من تعذيب وسوء معاملة وتصفيات بطرق مختلفة. والتوصيف القانوني لتلك الجرائم كلها بأنها جرائم ضد الإنسانية. ولدينا وثائق كثيرة تؤكد تورّط مسؤولين وقيادات سياسية عراقية من نواب ووزراء ورجال دين بتلك الجرائم، وإن تلك الوثائق في طريقها للقضاء الدولي وإن هؤلاء جميعاً لن يفلتوا من العقاب وحقوق ضحايا جرائمهم لن تسقط بالتقادم".
أما مقرّر لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي حامد المطلك، فيقول لـ"العربي الجديد": "نحن نسمع عن مثل هذه الأخبار بأوقات كثيرة، وأنا مقتنع تماماً بأن الكثير من هذه الأخبار فيها جانب دقيق وصحيح، وأمامنا شواهد حدثت وآخرها ما حصل في الصقلاوية ومجزرة المحامدة".
ويتابع قائلاً إن "ما حصل من اختطاف أكثر من 1400 شخص لا يعرف مصيرهم حتى اليوم، وما حصل بعد تفجير الكرادة، من ضرب مخيمات النازحين الأبرياء، من الواجب أن يدفع الحكومة لوضع حدّ له، لكن الحكومة غير قادرة على إيقاف هذه التداعيات نتيجة الصراع الطائفي والحزبي ومراكز القوة وتعدد مراكز المسؤولية".