ما أن انتشرت أول المعلومات والصور عن الهجوم الإرهابي الذي نفذه البريطاني، دارين أوزبورن، ضد المصلين الخارجين من صلاة التراويح في مسجد "فينسبري بارك" اللندني، حتى عجت منصات التواصل الاجتماعي بمئات الرسائل والصور والأشرطة المصورة التي بثّها أنصار اليمين المتطرف "احتفاء بالبطل الذي يستحق ميدالية". وفي إحدى رسائل الفيديو، ظهر رجل أمام علم الحزب الألماني النازي، ليعبر عن سعادته لأن "رجلاً إنكليزياً استنهض رجولته أخيراً، واندفع بسيارته نحو مجموعة من المسلمين"، كما قال بنبرة تنضح بالعنصرية والكراهية.
وعلى الرغم من أن منفذ هجوم ليلة الإثنين الماضي ضد مصلي مسجد "فينسبري بارك"، لم يكن معروفاً للأجهزة الأمنية البريطانية، ولم يكن مسجلاً في البرنامج الحكومي لمكافحة التطرف المعروف باسم "القناة - Channel"، إلا أن الأصداء اليمينية التي انتشرت في وسائل الإعلام الاجتماعي احتفاءً بالهجوم، تعكس تنامي تيار اليمين المتطرف في بريطانيا، والميل المتزايد لأتباع هذا التيار نحو العنف، وهو ما يُترجم بارتفاع أرقام المتطرفين اليمينيين المُسجلين في برنامج الحكومة الرئيسي لمكافحة الإرهاب، بنسبة 30 في المائة في العام الماضي، كما تقول صحيفة "ذا إندبندنت". وقالت الصحيفة أمس، إنها حصلت على أرقام رسمية تشير إلى أن ثلث المسجلين في البرنامج الحكومي الوقائي، الذي وضعته رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، عندما كانت وزيرة للداخلية، لمكافحة التطرف، هم من أعضاء أو أنصار تيارات اليمين المتطرف.
وجاء في بيانات وزارة الداخلية غير المنشورة، أن ثلث الأشخاص الذين يتم رصدهم في إطار برنامج "القناة" في الفترة 2016/2017، كجزء من خطة مكافحة الإرهاب، يؤمنون بأيديولوجيات يمينية متطرفة، وقد ارتفع هذا الرقم 25 بالمائة مقارنة بالفترة 2015/2016. كما تُبين بيانات مجلس رؤساء الشرطة الوطنية، أن الإحالات من اليمين المتطرف لبرنامج "القناة" الوقائي، ارتفعت في الفترة 2015-2016، من 323 إلى 561 حالة، أي بنسبة 74 في المائة.
ورغم ما تثيره الأرقام من حفيظة الأجهزة الأمنية، إلا أن المخاوف من هذه التيارات تظل قليلة مقارنة بخطر الجماعات الإسلامية المتطرفة، كما تنقل صحيفة "ذا إندبندنت" عن مصادر شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية، ذلك أن اليمين المتطرف في بريطانيا لا يزال منقسماً، بلا قيادة موحدة. وبدلاً من حزب واحد على غرار الحزب النازي الألماني، أو الحزب الفاشي الإيطالي، هناك بضع عشرات من مجموعات صغيرة تتنافس على لفت الاهتمام، وفرض وجودها على الساحة عبر المنافسة في الانتخابات المحلية، مثل "حزب الاستقلال"، و"بريطانيا أولاً"، و"الحركة الوطنية" و"بيغيدا بريطانيا"، ومجموعة "المقاتلون 18". ويقول الكاتب في صحيفة "ذا غارديان"، إيان كوبيان، إن "اليمين المتطرف والحركات القومية العرقية في بريطانيا في عام 2016، تُشبه تلك الحركات التي انتشرت في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، مع فارق توجيه الشعارات والعداوة نحو الإسلام والمسلمين".
ولا يختلف اليمين البريطاني عن نظيره في أي من الدول الأوروبية، إذ يُؤمن قادته وأنصاره بتفوق العرق الأبيض، على أساس أن التفوق والدونية واقعاً فطرياً بين الأفراد والجماعات. ويرفض اليمين الشعبوي بشكل كامل مفهوم المساواة الاجتماعية. وتغذي أدبياته الانعزالية، والسلطوية، والعنصرية، وكراهية الأجانب.
وعلى الرغم من تركيزها على قضايا الهجرة، والاندماج، والبطالة، وتدني الدخل، وفساد النخب السياسية والاقتصادية، وأزمة اللاجئين، لاستقطاب شرائح واسعة من الشباب الغاضب، إلا أن منظمات يمينية مثل "بريطانيا أولاً"، والحزب الوطني البريطاني (BNP) أو رابطة الدفاع الإنكليزية (EDL)، وحركة "بيغيدا" البريطانية ترى أن بريطانيا تواجه مشكلة أيديولوجية مع الإسلام. وبينما يدعو تنظيم "بريطانيا أولاً" إلى إلغاء الإسلام في بريطانيا، وحظر جميع النشاطات المتعلقة به، لا يخفي زعيم فرع "بيغيدا" في بريطانيا، الزعيم السابق لرابطة الدفاع الإنكليزية اليمينية، تومي روبنسون، معارضته الإسلام، الذي يرى فيه "أيديولوجية فاشية".
ويرى مختصون في مكافحة الإرهاب أن تنامي هذه التيارات، وتزايد نشاطها التحريضي ضد الإسلام والمسلمين، ساهم في انتشار مظاهر "الإسلاموفوبيا"، وتزايد جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا، والتي كان آخرها اعتداء دارين أوزبورن، الذي جاهر بكراهيته للمسلمين، وتوعد بفعل شيء ما، ثم تباهى بجريمته أمام كاميرات المصورين، بعد أن دهس بسيارته مصلين خارجين من صلاة التراويح في مسجد "فينسبري بارك" شمال العاصمة البريطانية.