تقف بيونسيه وجاي زي أمام لوحة الموناليزا بكل فخر، فقد "نجحا" وقاما بتحقيق أحلامهما، "وصلا"؛ تمكنا من العبث بمتحف اللوفر واللوحات والقطع الفنية الموجودة فيه، تلك التي سُرق الكثير منها من أفريقيا ومن أماكن أخرى في العالم، ليستمتع برؤيتها الزائر الفرنسي أو الأوروبي الأبيض، من دون أي تقدير مادي أو معنوي لأصحابها أو لحكاياتها الأصليّة.
تدمع العين غبطة، وتقشعر الأبدان عند رؤية فيديو أغنية "Apes**t" الصادرة عام 2018، ويسري في العروق شعور قوي بالانتصار وتحقيق الانتقام، فكل عروض العبيد التي توجت باستعراض فينوس السوداء المخطوفة من أفريقيا بالسلاسل، أصبحت تحت أقدام بيونسيه وجاي زي. لم يقدّم أحد لهما تلك الهدية. وصلا بنفسيهما ورقصا أمام تمثال فينوس دي ميلو لألكساندروس أنيتوش، ولوحة تنصيب الإمبراطور لجاك لوي ديفيد، وحرّرا العبيد من تسلط البيض الثقافي عليهم.
وقفا أمام اللوحات بفخر وبخيارهما، بعد أن كان أجدادهما يُساقون بالسلاسل في قصور الأرستقراطيين كمصدر للضحك والاستغراب، والتأكيد على "مواطنة الأبيض". ثم أتى جورج فلويد، ليذكر العالم مرة جديدة بأنه ما زال بحاجة إلى الفوز بمعارك جديدة. على الرغم من محاولتهما استيعاب البيض الذين سرقوا ألحان أقرانهم ورواد الموسيقى السوداء، كجاستن تيمبرليك، ليصبح مستوحياً من موسيقاهم، عوضاً عن مستولٍ لها، لكن ذلك لم ينهِ المعركة بعد.
بعد عام تقريباً من صدور الأغنية السابقة، اضطر روبير لوباج، المسرحي الكندي الشهير، إلى الاعتذار من جمهوره ومن العاملين معه برسالة طويلة قدم فيها نسخته من الـ MEA CULPA (الإحساس بالذنب) بسبب الفضائح التي طاولته بعد العرض الأول من مسرحيّة سلاف SLÂV، الذي أقامه قبل عامين مع المغنية الكندية بيتي بوناسي احتفالاً بأغاني العبيد التي غناها الأميركيون من أصول أفريقية خلال قرون. سبب الهجوم هو خلو العرض من أي مؤدٍ أميركي أو كندي من أصول أفريقية، على الرغم من أن موضوعته هي الاحتفال بأناشيد العبيد في أميركا الشمالية، وكيف تمكنوا من نقل تاريخهم بشكل شفهي عبر الغناء والموسيقى التي تعدد سياقات ظهورها: في الحقول، أغاني العبيد العاملين في السكك الحديدية، أغاني المناداة وأغاني المساجين.
انتصار أولي للسود أمام لوباج، الذي تناسى أنه من المعيب على أي فنان الاستيلاء على مكونات ثقافية لفئة من البشر كان لطالما اضطهدها أقرانه، واغتنوا على حساب إغفال حقوق أفرادها، الذين اعتبروا على مدى قرون أقل من "البشر" بسبب لون بشرتهم فقط.
يُعرِّف قاموس أكسفورد الاستيلاء الثقافي Cultural Appropriation كمصطلح يُستخدم لوصف الاستيلاء على أشكال أو مواضيع أو ممارسات إبداعية أو فنية لمجموعة ثقافية من قبل مجموعة أخرى. ويطلق عادة على الممارسات الثقافيّة الغربية التي تستولي على ثقافات غير غربية أو غير بيضاء، ويحمل بالطبع دلالات الاستغلال والهيمنة، وقد دخل هذا المفهوم في النقد الفني الأدبي والمرئي عن طريق القياس مع اقتناء القطع الأثرية من قبل المتاحف الغربية، من دون الاعتراف بحقوق أصحابها وإغفال حقيقة سلبها.
أي في كل مرة يقرر فيها "البيض" استخدام أغنية، أو نوع موسيقي ابتدعه السود أو غيرهم، وتحريفه ليصبح مشابهاً لقوانين التسويق، يمكن وصف ذلك بالسطو الثقافي، وبأنه نوع من أنواع الهيمنة على الأميركيين من أصول أفريقية، أي تحويل أغنية ذات سياق وحكاية تعكس معاناة ما إلى صيغة للتسلية والترفيه فقط.
أشهر الأمثلة على ذلك ما حدث مع تشاك باري، مخترع موسيقى الروك آند رول، أو أبوها كما يسميه النقاد، والذي فوجئ أثناء حياته بأغانيه على الراديو ترددها فرقة البيتش بويز وألفيس بريسلي، المعروف بأنه أبو الاستيلاء الموسيقي، فباري الذي أذهلت حفلاته الموسيقية الولايات المتحدة في الخمسينيات، وأرقصت الفتيات البيض وكسرت الفصل العنصري، وجد نفسه في لحظة ضحية جمهوره الأبيض، الذي سرق أغانيه من دون علمه، ومن دون محاسبته مادياً، وأصبح منهم مشاهير حتى بعد موتهم، ونسي الناس تشاك باري على الرغم من وجوده في صالة مشاهير الروك آند رول في الولايات المتحدة.
يقول الكاتب الأميركي ستيفن أندروود الابن، إن ما يقوم به هؤلاء الفنانون البيض هو طمس للثقافة السوداء، إلى جانب اعتبارها أقل من الثقافة البيضاء، ولذلك يستسهلون سرقتها من دون إحاساس بالذنب، لا بل تؤكد على تعطش من قبل البيض لامتلاك الموسيقى السوداء واحتوائها وتشويه أصولها.
ليس ألفيس بريسلي وحده أبو الاستيلاء، بل كل فرق التسعينيات الشبابية الأميركية، كـ NSYNC وBACKSTREET BOYS والتي اعتمدت على أربعة شباب يغنون ألحان وإيقاعات فرق Motown الشبابية السوداء التي ظهرت منذ أواخر الخمسينيات في ديترويت. وبهذا عملت كل هذه الفرق على طمس الثقافة السوداء، وعلى استغلالها.
بالمقابل تم منع بيونسيه نولز كارتر من غناء موسيقى الكاونتري عدة مرات، وتم التهجم عليها على شبكات التواصل على اعتبار أنها موسيقى للبيض فقط. فقد تناسى هؤلاء الأشخاص أن لموسيقى الكاونتري أصولاً أفريقية، وأن هذه الأصول هي التي أخرجت لاحقاً الجاز والبلوز والسول والهيب هوب والأر آند بي والراب والفولك وغيرها، وكأن شيئاً لم يكن.
كل ما نسمعه حالياً من موسيقى يعود في أصله إلى موسيقى سوداء، فقد خرج الروك بكل أنواعه من الروك آند رول والبلوز أيضاً ومعظم أغاني البوب الأميركي مأخوذة من أغاني الموتاون ومن موسيقى الغوسبيل الكنسية السوداء.
ما زالت الحساسيات عالية بين الموسيقيين السود والموسيقيين البيض، وقال العديد من النقاد، بجهل متعمّد، إن موسيقى الراب لاقت رواجاً بعد انضمام "إيمينيم" الأبيض إلى سوق الراب تحت جناح الدكتور دراي، إلى أن أصبح الدكتور دراي ملكاً موسيقياً بكل ما تعني الكلمة من معنى، وأعاد الهيبة إلى موسيقى الراب والهيب هوب.
تعيد هذه القصص إلى الأذهان ما يقوم به بعض الموسيقيين الإسرائيليين بالموسيقى العربية، أصبحوا أصحابها في العالم، بعد أن استعملوها وتعاملوا معها ببخل حسب تعبير الموسيقي المصري مصطفى فهمي في أحد اللقاءات. كما يعيد هذا إلى أذهاننا سرقة مغنين مؤيدين للنظام السوري لأغاني الثورة السورية، وقولبتها لتصبح بعيدة عن معانيها الأصلية ولا تعبر إلا عن السلاسل والعبودية في إيقاعاتها.
تدمع العين غبطة، وتقشعر الأبدان عند رؤية فيديو أغنية "Apes**t" الصادرة عام 2018، ويسري في العروق شعور قوي بالانتصار وتحقيق الانتقام، فكل عروض العبيد التي توجت باستعراض فينوس السوداء المخطوفة من أفريقيا بالسلاسل، أصبحت تحت أقدام بيونسيه وجاي زي. لم يقدّم أحد لهما تلك الهدية. وصلا بنفسيهما ورقصا أمام تمثال فينوس دي ميلو لألكساندروس أنيتوش، ولوحة تنصيب الإمبراطور لجاك لوي ديفيد، وحرّرا العبيد من تسلط البيض الثقافي عليهم.
وقفا أمام اللوحات بفخر وبخيارهما، بعد أن كان أجدادهما يُساقون بالسلاسل في قصور الأرستقراطيين كمصدر للضحك والاستغراب، والتأكيد على "مواطنة الأبيض". ثم أتى جورج فلويد، ليذكر العالم مرة جديدة بأنه ما زال بحاجة إلى الفوز بمعارك جديدة. على الرغم من محاولتهما استيعاب البيض الذين سرقوا ألحان أقرانهم ورواد الموسيقى السوداء، كجاستن تيمبرليك، ليصبح مستوحياً من موسيقاهم، عوضاً عن مستولٍ لها، لكن ذلك لم ينهِ المعركة بعد.
بعد عام تقريباً من صدور الأغنية السابقة، اضطر روبير لوباج، المسرحي الكندي الشهير، إلى الاعتذار من جمهوره ومن العاملين معه برسالة طويلة قدم فيها نسخته من الـ MEA CULPA (الإحساس بالذنب) بسبب الفضائح التي طاولته بعد العرض الأول من مسرحيّة سلاف SLÂV، الذي أقامه قبل عامين مع المغنية الكندية بيتي بوناسي احتفالاً بأغاني العبيد التي غناها الأميركيون من أصول أفريقية خلال قرون. سبب الهجوم هو خلو العرض من أي مؤدٍ أميركي أو كندي من أصول أفريقية، على الرغم من أن موضوعته هي الاحتفال بأناشيد العبيد في أميركا الشمالية، وكيف تمكنوا من نقل تاريخهم بشكل شفهي عبر الغناء والموسيقى التي تعدد سياقات ظهورها: في الحقول، أغاني العبيد العاملين في السكك الحديدية، أغاني المناداة وأغاني المساجين.
انتصار أولي للسود أمام لوباج، الذي تناسى أنه من المعيب على أي فنان الاستيلاء على مكونات ثقافية لفئة من البشر كان لطالما اضطهدها أقرانه، واغتنوا على حساب إغفال حقوق أفرادها، الذين اعتبروا على مدى قرون أقل من "البشر" بسبب لون بشرتهم فقط.
يُعرِّف قاموس أكسفورد الاستيلاء الثقافي Cultural Appropriation كمصطلح يُستخدم لوصف الاستيلاء على أشكال أو مواضيع أو ممارسات إبداعية أو فنية لمجموعة ثقافية من قبل مجموعة أخرى. ويطلق عادة على الممارسات الثقافيّة الغربية التي تستولي على ثقافات غير غربية أو غير بيضاء، ويحمل بالطبع دلالات الاستغلال والهيمنة، وقد دخل هذا المفهوم في النقد الفني الأدبي والمرئي عن طريق القياس مع اقتناء القطع الأثرية من قبل المتاحف الغربية، من دون الاعتراف بحقوق أصحابها وإغفال حقيقة سلبها.
أي في كل مرة يقرر فيها "البيض" استخدام أغنية، أو نوع موسيقي ابتدعه السود أو غيرهم، وتحريفه ليصبح مشابهاً لقوانين التسويق، يمكن وصف ذلك بالسطو الثقافي، وبأنه نوع من أنواع الهيمنة على الأميركيين من أصول أفريقية، أي تحويل أغنية ذات سياق وحكاية تعكس معاناة ما إلى صيغة للتسلية والترفيه فقط.
أشهر الأمثلة على ذلك ما حدث مع تشاك باري، مخترع موسيقى الروك آند رول، أو أبوها كما يسميه النقاد، والذي فوجئ أثناء حياته بأغانيه على الراديو ترددها فرقة البيتش بويز وألفيس بريسلي، المعروف بأنه أبو الاستيلاء الموسيقي، فباري الذي أذهلت حفلاته الموسيقية الولايات المتحدة في الخمسينيات، وأرقصت الفتيات البيض وكسرت الفصل العنصري، وجد نفسه في لحظة ضحية جمهوره الأبيض، الذي سرق أغانيه من دون علمه، ومن دون محاسبته مادياً، وأصبح منهم مشاهير حتى بعد موتهم، ونسي الناس تشاك باري على الرغم من وجوده في صالة مشاهير الروك آند رول في الولايات المتحدة.
يقول الكاتب الأميركي ستيفن أندروود الابن، إن ما يقوم به هؤلاء الفنانون البيض هو طمس للثقافة السوداء، إلى جانب اعتبارها أقل من الثقافة البيضاء، ولذلك يستسهلون سرقتها من دون إحاساس بالذنب، لا بل تؤكد على تعطش من قبل البيض لامتلاك الموسيقى السوداء واحتوائها وتشويه أصولها.
ليس ألفيس بريسلي وحده أبو الاستيلاء، بل كل فرق التسعينيات الشبابية الأميركية، كـ NSYNC وBACKSTREET BOYS والتي اعتمدت على أربعة شباب يغنون ألحان وإيقاعات فرق Motown الشبابية السوداء التي ظهرت منذ أواخر الخمسينيات في ديترويت. وبهذا عملت كل هذه الفرق على طمس الثقافة السوداء، وعلى استغلالها.
بالمقابل تم منع بيونسيه نولز كارتر من غناء موسيقى الكاونتري عدة مرات، وتم التهجم عليها على شبكات التواصل على اعتبار أنها موسيقى للبيض فقط. فقد تناسى هؤلاء الأشخاص أن لموسيقى الكاونتري أصولاً أفريقية، وأن هذه الأصول هي التي أخرجت لاحقاً الجاز والبلوز والسول والهيب هوب والأر آند بي والراب والفولك وغيرها، وكأن شيئاً لم يكن.
كل ما نسمعه حالياً من موسيقى يعود في أصله إلى موسيقى سوداء، فقد خرج الروك بكل أنواعه من الروك آند رول والبلوز أيضاً ومعظم أغاني البوب الأميركي مأخوذة من أغاني الموتاون ومن موسيقى الغوسبيل الكنسية السوداء.
ما زالت الحساسيات عالية بين الموسيقيين السود والموسيقيين البيض، وقال العديد من النقاد، بجهل متعمّد، إن موسيقى الراب لاقت رواجاً بعد انضمام "إيمينيم" الأبيض إلى سوق الراب تحت جناح الدكتور دراي، إلى أن أصبح الدكتور دراي ملكاً موسيقياً بكل ما تعني الكلمة من معنى، وأعاد الهيبة إلى موسيقى الراب والهيب هوب.
تعيد هذه القصص إلى الأذهان ما يقوم به بعض الموسيقيين الإسرائيليين بالموسيقى العربية، أصبحوا أصحابها في العالم، بعد أن استعملوها وتعاملوا معها ببخل حسب تعبير الموسيقي المصري مصطفى فهمي في أحد اللقاءات. كما يعيد هذا إلى أذهاننا سرقة مغنين مؤيدين للنظام السوري لأغاني الثورة السورية، وقولبتها لتصبح بعيدة عن معانيها الأصلية ولا تعبر إلا عن السلاسل والعبودية في إيقاعاتها.
يؤثر الاستيلاء الثقافي سلباً على الموسيقى والفن، لأنه يُفقد الأعمال الفنية أصالتها ومعناها، خصوصاً أن العبيد الأميركيين من أصول أفريقية استخدموا الغناء والموسيقى كطريقة للهرب، فيما استخدمها آخرون ليقصوا تاريخهم، وليتذكروا ديونهم، وليبقوا متوحدين، كما أن هذا الاستيلاء ساهم في طمس الأصول الثقافيّة للظاهرة الموسيقيّة وخلق نوعاً من الفراغ التاريخي التي جعل سود أميركا حسب أندروود يعيشون فراغاً عرقياً وتهميشاً لأنفسهم.