الاستياء الأردني الرسمي من إسرائيل: احتواء الغضب الشعبي أولوية

29 يوليو 2017
من الاحتجاجات الأردنية أمام السفارة الاسرائيلية بعمّان (صلاح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -

في وقتٍ كانت العلاقة الرسمية الأردنية - الإسرائيلية تشهد "ازدهاراً" مضطرداً، يُفرض بالإجبار على الشعب الأردني، جاءت "جريمة السفارة الإسرائيلية" في عمّان، والتي راح ضحيتها أردنيان، قتلهما، الأحد الماضي، ضابط برتبة دبلوماسي، لتعيد خلط أوراق العلاقة رسمياً، وتُحيي المقاومة والرفض الشعبيين للعلاقة.

العلاقة على الجانب الرسمي باتت محكومة بقاعدة أرساها الملك عبد الله الثاني، يوم الخميس الماضي، بقوله: "سيكون لتعامل إسرائيل مع قضية السفارة ومقتل القاضي رائد زعيتر وغيرها من القضايا أثر مباشرة على طبيعة علاقتنا". وفي أول تصعيد رسمي بعد التأطير الملكي لمستقبل العلاقة، أبلغت الخارجية الأردنية نظيرتها الإسرائيلية بعدم السماح للسفيرة الإسرائيلية في عمّان، عينات شلين وطاقم السفارة بالعودة، ما لم تجرِ إسرائيل تحقيقاً جديّاً وشاملاً مع القاتل.

القاعدة الملكية لمستقبل العلاقة مع إسرائيل، تفرض كما يرى مناهضون لمعاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية الموقّعة في عام 1994، أن تنسحب على مجمل العلاقات، ومن بينها اتفاقية استيراد "الغاز الإسرائيلي" الموقّعة رسمياً في سبتمبر/ أيلول 2016، ومشروع ناقل البحرين الذي ينخرط فيه الأردن إلى جانب إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، وغيرها من المشاريع والاتفاقيات التي تُقَابَل برفض شعبي أردني وتمسّك رسمي.

وعلى الجانب الرسمي أيضاً، أزالت السلطات الأمنية الأردنية حظراً فرضته منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 على الاحتجاجات قرب السفارة الإسرائيلية، عندما سيّجت يومها ساحة تبعد أقل من كيلومتر واحد من مقرّ السفارة، كان يستخدمها المحتجون، وعمدت إلى قمع أنشطتهم، لكنها تسامحت جزئياً، أمس الجمعة، فشارك مئات الأردنيين في تظاهرة غاضبة على مقربة من السفارة، من دون أن يسمح لهم بالوصول إليها.

ولا يزال الأردنيون تحت تأثير الصدمة والغضب على الجريمة وعلى تعامل حكومتهم مع القاتل، حين سمحت له بعد يوم من اقترافه الجريمة بالمغادرة، بذريعة "الالتزام باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية"، في سلوك ينقسم حوله فقهاء القانون الدولي. وقد حظي القاتل فور وصوله بحفاوة منقطعة النظير من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي استقبله استقبال الأبطال، وفقاً لأهالي الضحيتين. وهو استقبال أشعل غضب العاهل الأردني.



ومنذ لحظة الجريمة، وحتى يوم الخميس الماضي، تعاملت الحكومة الأردنية بدبلوماسية أثارت "اشمئزاز" مواطنيها، فغابت عن تصريحات المسؤولين اللغة القوية والعبارات شديدة اللهجة، وتردد المسؤولون، بشكل واضح، في وصف القاتل بـ"المجرم"، فيما غمزت البيانات الرسمية باتجاه إدانة اليافع محمد الجواودة، وتحميله المسؤولية الكبرى عن مقتله على يد الضابط الإسرائيلي، إثر مشادة حصلت بينهما، أثناء تسليمه غرفة نوم للشقة التي تستأجرها السفارة من الطبيب بشار الحمارنة، والذي قتله الضابط أيضاً، في ظروف غامضة، بحسب الروايات الرسمية.

وبعد أن تدحرجت كرة الغضب، وكادت تصل إلى حدّ الانفجار، قطع العاهل الأردني إجازته الخاصة، وعاد إلى الأردن، ليقود إدارة الأزمة، والتي طاولت شعبيته، بعد أن همست أصوات تنتقد غيابه عن البلاد في مثل ظروف كهذه. وتحوّل الهمس إلى عبارات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي.

استخدم الملك فور وصوله واجتماعه بمجلس السياسات الوطني، والذي سبق تقديمه التعازي لعائلتي القتيلين، لغة قوية وغير مسبوقة، ساهمت في تعديل المزاح الشعبي إلى حدّ ما، كما لوحظ من النقاش العام الذي أعقبها. وهي لغة استهدفت الداخل الأردني قبل الخارج، حافظ فيها الملك على صورته كحامٍ لهم، في مواجهة الصورة التي أراد نتنياهو ترسيخها باستقباله القاتل كحامٍ للإسرائيليين.

لا يشكّ الأردنيون في أن تصريحات الملك جاءت صادقة وحقيقية، وهو الذي سارع إلى وصف ما جرى بـ"الجريمة"، واعتبار حفاوة نتنياهو بالقاتل استفزازاً ومدخلاً لتفجير غضبٍ يزعزع الأمن ويغذّي التطرف، مطالباً إياه بالالتزام بمسؤولياته واتخاذ الإجراءات القانونية التي تضمن محاكمة القاتل وتحقيق العدالة. لكن الشك يساورهم حول قوة الإجراءات التي سيتخذها الأردن، والتي ستنعكس على طبيعة العلاقة مع إسرائيل، في حال لم تتعامل مع قضية السفارة والقاضي زعيتر بطريقة تُرضي الأردن، كما اشترط الملك، خصوصاً أنهم يدركون ما للعلاقة الأردنية - الإسرائيلية من أولوية لدى صنّاع القرار، ليس الأردني فقط، بل في المجتمع الدولي كذلك.


دلالات
المساهمون