تنشط داخل مختلف الدول العربية شركات تعمل في مجال الوساطة لتأمين الوظائف، وتستهدف بالدرجة الأولى مجموعة من المهن الصغيرة، التي تعرض على العمال والموظفين الحد الأدنى للأجور. وتتشابه هذه الشركات بآليات التوظيف وجني الأرباح نفسها، بغض النظر عن الدولة التي تعمل فيها. وتقوم هذه الآليات على تأمين الوظيفة في مقابل عمولة تقتطعها من العامل ومن الشركة طالبة التوظيف على حد سواء. وتواجه هذه الشركات العديد من الاتهامات، وأبرزها "استغلال العمالة، هضم الحقوق، اقتطاع جزء كبير من الأجر، والنصب والاحتيال على الباحثين عن فرص عمل".
أجر أقل وعمل أكثر
رصدت "العربي الجديد" واقع اشتغال شركات الوساطة في الدول العربية. ففي تونس، قررت السلطات، بعد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني، تجميد نشاط جميع الشركات التي تعمل في مجال الوساطة للتشغيل. والسبب، حسب مصادر محلية من تونس، تصاعد احتجاجات العمال الذين كانوا يعملون عبرها. لكن، عاد نشاط هذه الشركات بشكل تدريجي، واستهدفت في البدء تشغيل عمال وعاملات النظافة والعمال في شركات الأمن الخاص.
وتحصل الشركات الوسيطة في تونس، بناءً على معطيات حصلت عليها "العربي الجديد"، على مبالغ كبيرة عن كل عامل توظفه، حيث تدفع هذه الشركات أجراً شهرياً للعاملين يبلغ 250 ديناراً (129 دولاراً)، وفي المقابل تدفع لها الشركات عن كل عامل ما بين 350 و400 دينار (قرابة 181 و207 دولارات). هكذا، تحصل هذه الشركات على أرباح عن كل عامل تراوح بين 52 إلى 78 دولاراً.
وتستهدف شركات الوساطة في التشغيل بالجزائر مدن الجنوب بالدرجة الأولى. والسبب هو سهولة الحصول على اليد العاملة الرخيصة هناك، والتي يصعب استقطابها في المدن الشمالية، نظراً لاحتلال مؤسسات عمومية مماثلة لسوق التشغيل، والتي تمنح أجوراً محترمة مقارنة بشركات الوساطة الخاصة.
وأكدت مصادر "العربي الجديد" في الجزائر، أن هذه الشركات متهمة بـ"تلقي الرشاوى في عمليات التوظيف"، بالإضافة إلى "هضم حقوق العمال، وحرمان فئة واسعة منهم من التغطية الاجتماعية والصحية". وأضافت المصادر، أن معظم احتجاجات عمال الجنوب تندلع بسبب ممارسات هذه الشركات.
استعباد مقابل الوظيفة
ويتم استغلال المستخدمين في العراق بطريقة أشبه بـ"العبودية"، كما أكد مصدر لـ"العربي الجديد". والطريقة، يشرح المصدر ذاته، أن "هذه الشركات تستغل الشباب العاطل بسبب عدم وجود تعيينات في الدوائر الحكومية، حيث تقوم بأخذ الأوراق الثبوتية للمتقدم للعمل، قبل إرساله الى الجهة التي أعلنت عن حاجتها الى موظفين أو عمال، وبعد الحصول على العمل، تستقطع الشركة مبلغاً يقدّر بنحو 200 دولار من أول راتب يتقاضاه الشخص، وفي حال لم يسلّم المبلغ ترفض الشركة إرجاع الأوراق الثبوتية له".
وأبرز المصدر أن بعض المشاكل حصلت بسبب هذه الطريقة، "هناك شباب عملوا لعدة أيام، وتركوا العمل لأسباب مختلفة، ومنهم مَن اكتشف أن هذه المؤسسات تهضم حقوقهم، لكنها رفضت إرجاع الأوراق الثبوتية لهم حتى وإن لم يعملوا، إلا بعد تسديد الـ200 دولار". وشدد المصدر ذاته، أن الآلاف من شباب العراق حرموا من الأوراق الثبوتية الخاصة بهم، ولا يمكنهم استرجاعها بسبب العقود التي يوقعون عليها قبل الموافقة على البحث عن عمل لهم.
وربط رئيس الاتحاد العمالي العام اللبناني، غسان غصن، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، بين الحاجة الماسة للحصول على وظيفة في الدول العربية، وبين نشاط هذه الشركات التي تلعب دور الوسيط للولوج إليها. ووصف الموضوع بـ"الحساس"، نظراً لتداخل مجموعة من القطاعات في تدبيره. واعتبر المتحدث ذاته أن عملية "السمسرة" التي تقوم بها هذه الشركات يمكن وضعها في خانة "الاستعباد"، نظراً لما يتعرض له العمال والموظفون من هضم لحقوقهم والاقتطاع من رواتبهم.
وحمّل غصن المسؤولية للنقابات التي لا تدافع عن العمال، والحكومات التي لا تلاحق هذه الشركات.
الشركات تدافع عن خدماتها
ودافع المسؤول في الشركة الدولية، "إيرمو"، مصطفى دراع، عن الشركات التي تعمل في مجال الوساطة للتشغيل، وقال، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، إن شركته والشركات الأخرى التي تتقاسم معها القطاع نفسه، تحترم القوانين، وتؤدي كافة مستحقات صناديق التقاعد والتغطية الصحية. دون أن ينفي المتحدث ذاته، أن بعض الشركات تعمل في السوق السوداء، بل وتؤدي أجور عمالها مباشرة للتهرب من الضرائب وضمان حقوق العمال. وزاد دراع أن شركته توفر اليد العاملة لشركات عملاقة 90% منها مقاولات عالمية، بالإضافة إلى مؤسسات القطاع العام والمصارف.
بدوره، ثمّن المسؤول في الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات في المغرب، يوسف شيخي، دور المؤسسات التي تتوسط للباحثين عن العمل، وميّز، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بين تلك التي تقوم بالدور مجاناً ودون غاية ربحية، وبين من تقوم بذلك لأغرض تجارية. وأوضح أن الوكالة المغربية استطاعت إدماج نصف مليون باحث عن عمل، كما ساعدت 5 آلاف شاب على إنشاء شركات.
أرقام:
230: يحصل عمال شركات الوساطة الخاصة للتشغيل في المغرب على أجر شهري لا يتعدى 230 دولاراً؛ وهو أقل من الحد الأدنى المعتمد رسمياً في القطاع الخاص
12: ساعة هي مدة عمل مستخدمي قطاع الأمن الخاص في غالبية الدول العربية الذين توظفهم شركات الوساطة للتشغيل، ويحصلون على يوم راحة أسبوعياً فقط
وتحصل الشركات الوسيطة في تونس، بناءً على معطيات حصلت عليها "العربي الجديد"، على مبالغ كبيرة عن كل عامل توظفه، حيث تدفع هذه الشركات أجراً شهرياً للعاملين يبلغ 250 ديناراً (129 دولاراً)، وفي المقابل تدفع لها الشركات عن كل عامل ما بين 350 و400 دينار (قرابة 181 و207 دولارات). هكذا، تحصل هذه الشركات على أرباح عن كل عامل تراوح بين 52 إلى 78 دولاراً.
وتستهدف شركات الوساطة في التشغيل بالجزائر مدن الجنوب بالدرجة الأولى. والسبب هو سهولة الحصول على اليد العاملة الرخيصة هناك، والتي يصعب استقطابها في المدن الشمالية، نظراً لاحتلال مؤسسات عمومية مماثلة لسوق التشغيل، والتي تمنح أجوراً محترمة مقارنة بشركات الوساطة الخاصة.
وأكدت مصادر "العربي الجديد" في الجزائر، أن هذه الشركات متهمة بـ"تلقي الرشاوى في عمليات التوظيف"، بالإضافة إلى "هضم حقوق العمال، وحرمان فئة واسعة منهم من التغطية الاجتماعية والصحية". وأضافت المصادر، أن معظم احتجاجات عمال الجنوب تندلع بسبب ممارسات هذه الشركات.
استعباد مقابل الوظيفة
ويتم استغلال المستخدمين في العراق بطريقة أشبه بـ"العبودية"، كما أكد مصدر لـ"العربي الجديد". والطريقة، يشرح المصدر ذاته، أن "هذه الشركات تستغل الشباب العاطل بسبب عدم وجود تعيينات في الدوائر الحكومية، حيث تقوم بأخذ الأوراق الثبوتية للمتقدم للعمل، قبل إرساله الى الجهة التي أعلنت عن حاجتها الى موظفين أو عمال، وبعد الحصول على العمل، تستقطع الشركة مبلغاً يقدّر بنحو 200 دولار من أول راتب يتقاضاه الشخص، وفي حال لم يسلّم المبلغ ترفض الشركة إرجاع الأوراق الثبوتية له".
وأبرز المصدر أن بعض المشاكل حصلت بسبب هذه الطريقة، "هناك شباب عملوا لعدة أيام، وتركوا العمل لأسباب مختلفة، ومنهم مَن اكتشف أن هذه المؤسسات تهضم حقوقهم، لكنها رفضت إرجاع الأوراق الثبوتية لهم حتى وإن لم يعملوا، إلا بعد تسديد الـ200 دولار". وشدد المصدر ذاته، أن الآلاف من شباب العراق حرموا من الأوراق الثبوتية الخاصة بهم، ولا يمكنهم استرجاعها بسبب العقود التي يوقعون عليها قبل الموافقة على البحث عن عمل لهم.
وربط رئيس الاتحاد العمالي العام اللبناني، غسان غصن، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، بين الحاجة الماسة للحصول على وظيفة في الدول العربية، وبين نشاط هذه الشركات التي تلعب دور الوسيط للولوج إليها. ووصف الموضوع بـ"الحساس"، نظراً لتداخل مجموعة من القطاعات في تدبيره. واعتبر المتحدث ذاته أن عملية "السمسرة" التي تقوم بها هذه الشركات يمكن وضعها في خانة "الاستعباد"، نظراً لما يتعرض له العمال والموظفون من هضم لحقوقهم والاقتطاع من رواتبهم.
وحمّل غصن المسؤولية للنقابات التي لا تدافع عن العمال، والحكومات التي لا تلاحق هذه الشركات.
الشركات تدافع عن خدماتها
ودافع المسؤول في الشركة الدولية، "إيرمو"، مصطفى دراع، عن الشركات التي تعمل في مجال الوساطة للتشغيل، وقال، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، إن شركته والشركات الأخرى التي تتقاسم معها القطاع نفسه، تحترم القوانين، وتؤدي كافة مستحقات صناديق التقاعد والتغطية الصحية. دون أن ينفي المتحدث ذاته، أن بعض الشركات تعمل في السوق السوداء، بل وتؤدي أجور عمالها مباشرة للتهرب من الضرائب وضمان حقوق العمال. وزاد دراع أن شركته توفر اليد العاملة لشركات عملاقة 90% منها مقاولات عالمية، بالإضافة إلى مؤسسات القطاع العام والمصارف.
بدوره، ثمّن المسؤول في الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات في المغرب، يوسف شيخي، دور المؤسسات التي تتوسط للباحثين عن العمل، وميّز، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بين تلك التي تقوم بالدور مجاناً ودون غاية ربحية، وبين من تقوم بذلك لأغرض تجارية. وأوضح أن الوكالة المغربية استطاعت إدماج نصف مليون باحث عن عمل، كما ساعدت 5 آلاف شاب على إنشاء شركات.
أرقام:
230: يحصل عمال شركات الوساطة الخاصة للتشغيل في المغرب على أجر شهري لا يتعدى 230 دولاراً؛ وهو أقل من الحد الأدنى المعتمد رسمياً في القطاع الخاص
12: ساعة هي مدة عمل مستخدمي قطاع الأمن الخاص في غالبية الدول العربية الذين توظفهم شركات الوساطة للتشغيل، ويحصلون على يوم راحة أسبوعياً فقط