شهدت المناطق الواقعة تحت سيطرة نظام بشار الأسد تهافتاً من السوريين الهاربين من الموت وقصف الطائرات، فقد زاد سكان محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين بنحو مليون ونصف المليون شخص، إثر هروب سكان حلب وحمص وحماة باتجاه مناطق النظام.
وارتفع سكان مدينة إدلب بنحو مائة ألف نسمة، بعد لجوء سكان الريف الذي يُخضِعه جيش الأسد لعقاب وقصف يومي، مما ضاعف إيجارات المنازل في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام وعلى رأسها العاصمة دمشق، نظراً لكونها الوحيدة الآمنة نسبياً، ولا يمارس بحق قاطنيها العقاب الجماعي من قطع للمياه والكهرباء، ومحاصرة في الطعام والدواء وحاجات السوريين، على الأقل، بالقدر الذي تشهده المدن والمناطق التي يسيطر عليها الثوار.
وقال أبو محمد، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، لـ"العربي الجديد": "هربت وأسرتي إلى مدينة إدلب منذ بدء النظام القصف من الطائرات والمدافع على قريتنا، وكانت البيوت الفارغة كثيرة في إدلب نظراً لخروج العديد من الأسر خارج سورية، ولم يزد إيجار البيت وقتذاك (منذ نحو عامين) عن ستة آلاف ليرة سورية، لكن أصحاب المنزل رفعوها لعشرة آلاف ومن ثم لخمسة عشر ألفاً أخيراً، ولا مجال للنقاش، إذ يختصرون "اخرجوا لمناطقكم الثائرة".
وتابع أبو محمد "هنا أمان بعض الشيء ولا مخاطر على حياة أسرتي، لأن الثوار قلما يقصفون المناطق السكنية، رغم أن هناك حالات قاسية كان آخرها مقتل ستة أطفال من آل عبيد؛ نتيجة قصف الهاون على مدينة إدلب، وفي المدينة تأتي الكهرباء لنحو ست ساعات موزعة على الليل والنهار وتتوفر مستلزمات المعيشة من غذاء ودواء، وإن كانت بأسعار مرتفعة".
وأضاف "بات التمييز على أشده بين أهالي إدلب والوافدين من الأرياف، فلهم الأولوية في كل شيء حتى في الخبز والسكن، ويعاملنا بعضهم وكأننا أعداء أتينا من "إسرائيل" وليس من المحافظة نفسها". خلال تصريح متوجس كساه الخوف وقطع الاتصال مراراً، قال أبو إسماعيل المقيم في مدينة اللاذقية الساحلية غربي البلاد "نعيش كل أنواع القهر والذل هنا، ولا مجال أمامنا للتعبير عن آرائنا إزاء ما يجري، فنسمع الإساءات ولا حل أمامنا سوى القبول والصمت".
وأضاف أبو إسماعيل لـ"العربي الجديد": "كثر المهجرون من المناطق الثائرة إلى اللاذقية، ويزيد العدد عن مليون سوري، مما أدى إلى رفع الإيجار والأسعار وحرمان أولادنا من التعليم بحجة عدم وجود أماكن للاجئين".
وقال أبو إسماعيل "عندما هربنا من الموت والقصف قبل عامين، كانت معاملة اللواتقة "أهل اللاذقية" حسنة وساعدونا واستضافونا، ولكن بعد أن كثرت الأعداد وبدأ الترويج أنهم انتصروا على الثوار، بدأ يظهر الوجه الحقيقي والثأري لدى عدد كبير منهم".
وناشد أبو إسماعيل الثوار والعالم باكياً إنقاذهم من حالة الذل والاستعباد، وانتهاك الكرامة التي يعيشها النازحون.
وعن الأوضاع في العاصمة دمشق، يقول المواطن حازم، إن كتائب حزب الله اللبناني متواجدة بشكل علني على الحواجز وتدخل الأمن في كل تفاصيل السوريين على أشده، بل والاعتقال بشكل يومي، كما تدخل دوريات الأمن وتعتقل الموظف من عمله أو رب الأسرة من بيته، ولا يجرؤ أحد حتى على السؤال.
محمد أبو سارة، كما فضل أن نسميه، قال "ارتفعت إيجارات المنازل، إن وجدت في مركز العاصمة خمسة أضعاف مما كانت عليه قبل الثورة، ولا يمكن أن تجد بيتاً في مناطق آمنة بأقل من خمسين ألف ليرة (330 دولاراً)، مما دفع الهاربين من الموت للجوء إلى الريف القريب الذي أجرى الثوار فيه هدناً أو يسيطر عليه النظام، وهناك يمكنك الحصول على بيت مؤجر بعشرين ألف ليرة كحد أدنى".
وأضاف أبو سارة "الخراب والتدمير في الريف الدمشقي مرعب، وسوء الخدمات من قمامة في الشوارع ونقص المواد الغذائية وارتفاع الأسعار على أشده، ولعل الطامة في الوقت والذل الذي نعانيه على الحواجز كلما ذهبنا وعدنا إلى مركز العاصمة".
ويقول عيسى الشامي "قلما ترى أبنية مهدمة في ريف دمشق أو دمشق خالية من أسرة مشردة هاربة من الموت، وارتفاع أسعار إيجارات البيوت، ومن رأى غير الذي يسمع".
وروى الشامي لـ"العربي الجديد" قصة "الحجي اللبناني" الذي يتحكم بالسوريين في منطقة برزة البلد ومساكن برزة شمالي العاصمة دمشق، حيث يطلب الأمن الحصول على توقيع جهة مختصة لمن يريد بيع أثاث منزله بغرض الهروب أو السفر أو إخلاء منزله، وتفاجأ الشامي أن الجهة المختصة هو الحجي اللبناني التابع لحزب الله، (شخص ينهي المعاملات الحكومية بشكل غير مشروع)، إذ يطلب رشوة ويوقع على ورقة كي يستطيع النازح الخروج من بيته.
وأشار عيسى إلى أن الحجي يتخذ مقراً دائماً، مقابل مجمع خدمات برزة في مدخل "عش الورور".
وبذلك ينضم النازحون في الداخل السوري إلى مأساة نزوح الملايين في أرجاء المنطقة، وإذا كان اللاجئون للدول المجاورة في الأردن ولبنان وتركيا وغيرها، يجدون بعض الاهتمام من أنظمة هذه الدول، إلا أن نظام الأسد يبتز النازحين في الداخل للحصول على مكاسب اقتصادية.
ويبلغ عدد السوريين الذين أجبروا على ترك منازلهم؛ نتيجة القصف والتهديم 4.25 مليون سوري بحسب تقرير سابق للأمم المتحدة.
وبلغ حجم الدمار بحسب دراسة سابقة "للاسكوا" في حلب نصف منازلها، وتقدر بنحو 424 ألف منزل، وتحتاج إلى إعادة بنائها أو ترميمها لنحو 187 مليار ليرة (1.2 مليار دولار)، وريف دمشق ثانياً بعدد منازل مهدمة بلغت 303 آلاف منزل، تحتاج إلى إعادة بنائها 145 مليار ليرة (950 مليون دولار)، وحمص ثالثاً بعدد منازل بلغت 200 ألف منزل، تحتاج إلى إعادة بنائها لنحو 97 مليار ليرة (630 مليون دولار).
وبلغ عدد المنازل المهدمة في جميع المدن السورية بنحو 1.7 مليون منزل، تحتاج إلى إعادة بنائها أو ترميمها؛ لتكون صالحة للسكن نحو 700 مليار ليرة سورية (4.55 مليار دولار).