رغم مرور 62 عامًا على مجزرة كفر قاسم، لا تزال النيابة العسكرية الإسرائيلية ووزارة الخارجية والأمن والرقابة العسكرية، ترفض الكشف عن الوثائق والمحاضر للمجزرة، ومنها خطة "خَلَد"، بادعاء أن الكشف سيضر بأمن الدولة وبعلاقاتها الخارجية، في حين يتوقع أن يصدر قرار محكمة الاستئناف العسكرية بعد شهرين تقريبًا.
وعقدت يوم أمس الأحد الجلسة النهائية لمحكمة الاستئناف العسكرية في تل أبيب، للبت في دعوى تقدم بها المؤرخ آدم راز، بالشراكة مع اللجنة الشعبية، يطالب من خلالها بالكشف عن المحاضر التي ما زالت سرية لجلسات محاكمة جنود حرس الحدود الذين نفذوا مجزرة كفر قاسم، إضافة إلى الاطلاع على الأحراز والوثائق والبيانات المادية المختلفة ذات العلاقة، وخاصة كل ما يرتبط بـخطة "خلد"، والتي أشارت الكثير من المصادر إلى أنها وضعت لطرد سكان منطقة المثلث الفلسطينيين تحت غطاء العدوان الثلاثي الكثيف على مصر.
وحضر الجلسة وفد من اللجنة الشعبية في كفر قاسم، برئاسة الشيخ إبراهيم عبد الله صرصور، وأبناء الشهداء: حمد الله يوسف صرصور، ويوسف عبد عيسى، ومحمد أحمد فريج، وأعضاء اللجنة الشعبية: عناد إبراهيم أبو الحسن، وزاهر صالح صرصور، وممثل البلدية وعضوها سليمان إبراهيم عقيلي، وممثلو موظفي البلدية: نادر سليم عامر وإبراهيم صالح بدير، وآخرون.
ولا تزال محكمة الاستئناف تنظر في القضية منذ عام ونصف العام، والتي رفعها راز بعد أن رفض أرشيف الجيش له مراجعة المواد السرية المتعلقة بالمجزرة.
وثمة قرابة 600 صفحة، من نحو ألفي صفحة، هي عدد صفحات محاضر جلسة محكمة مجزرة كفر قاسم التي ما زالت سرية للغاية، والتي لا يمكن الحصول عليها أو الاطلاع على فحواها ومضمونها إلا بقرار من رئيس محكمة الاستئناف العسكرية.
واقترفت مجزرة كفر قاسم يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول في عام 1956 على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي مع بدء العدوان الثلاثي على مصر، وأسفرت عن استشهاد 49 فلسطينيًا من النساء والرجال والأطفال العزل، كانوا عائدين إلى بيوتهم من حقول القرية.
ووقعت المجزرة بالتزامن مع فرض الاحتلال، وفق روايته الرسمية، طوقًا أمنيًا ونظام منع التجول على قرى ما يسمى بالمثلث الجنوبي، الذي يضم قرى عربية في داخل الأراضي المحتلة، والمحاذي للخط الأخضر، الفاصل عن الضفة الغربية، الواقعة تحت الإدارة الأردنية آنذاك، تحسباً من الرد الأردني مع بدء العدوان، ولضمان الهدوء الأمني في منطقة المثلث.
من جهته، أكد رئيس اللجنة الشعبية في كفر قاسم أن تعامل إسرائيل مع بلدته على وجه الخصوص منذ وقوع المجزرة، ومع المجتمع الفلسطيني على وجه العموم، "يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن العقلية ذاتها التي ارتكبت المذبحة قبل 62 عامًا، هي التي ما زالت المسيطرة على السلوك الإسرائيلي في المجالين المدني والأمني على حد سواء. لذلك يأتي مطلب بلد الشهداء من المحكمة العسكرية الكشف عن كامل المحاضر ذات العلاقة بالمجزرة طبيعيًا جدًا من أجل ضمان ألا تتكرر مرة أخرى"، مضيفًا أن "إصرار إسرائيل على رفض الكشف عن المحاضر بدعوى المس بأمن الدولة وعلاقاتها الخارجية، كما جاء على لسان النيابة العامة، هو أصدق شاهد على أن إسرائيل لم تستخلص العبر ولن تتعلم الدرس".
وأردف قائلًا: "من العجيب أن تنعقد جلسة المحكمة العسكرية في ظل قانون القومية الذي تدعمه الحكومة ورئيسها بكل قوة، والذي يهدف إلى محو ما تبقى من الحقوق الأساسية المحدودة جدًا للمواطن الفلسطيني كفرد وكمجموع قومي، الأمر الذي يخيفنا من جهة، ويفرض علينا مواصلة النضال بكل الطرق المشروعة من أجل حماية أنفسنا أمام تغول الدولة بكل مؤسساتها".
بدوره، تطرق إبراهيم جابر، الباحث والمؤرخ مؤلف كتاب "الجرح القسماوي"، إلى أهداف خطة "خلد"، قائلًا إن "تفاصيلها الكاملة غير معروفة، ولكن هي وضعت عشية حرب 1956 العدوان الثلاثي على مصر، وكان الهدف منها القيام بعمل في قرية كفر قاسم. كانت صغيرة في عام 1956، عدد سكانها 1600. هدف الخطة الأكبر أن يؤدي هذا الأمر هو إدخال الخوف في منطقة المثلث الجنوبي والشمالي، ومساحتها 300 كيلو متر مربع، وتفريغها من سكانها، على أساس أن هذه المنطقة ليست بعيدة عن البحر، ومن أجل توسيع حدود الدولة ليكون عندها نوع من أنواع العمق الاستراتيجي، عبر توفير خطوط دفاعية متقدمة للجيش الإسرائيلي في حال تعرضت لهجوم من قبل الدول العربية، لكنها فشلت".
وعن تخوفات إسرائيل من كشف الوثائق، فيعزو جابر ذلك إلى كون الضحايا "مواطنين إسرائيليين، بمعنى أن الدولة تقتل مواطنيه، ما يعني أننا نعيش في ظل أشبه بالحكم العسكري وفي ظل دولة عنصرية".
أما السبب الآخر، كما يرى جابر فهو أن كشف المواد السرية "ربما يفتح ملف التعويضات المادية على كبره، لمن لا يزالون على قيد الحياة من أبناء وبنات الشهداء"، ويضيف إلى ذلك عاملًا آخر ذا أبعاد تاريخية، فكشف الحقائق "قد يؤكد أن الدولة اعترفت رسميًا على أن ثمة قرارًا من الأطراف الرسمية الحكومية بالتعامل مع سكان كفر قاسم بهذه القسوة التي بلغت حد القتل، ثم محاكمة المجرمين صوريًا".
وعلى المستوى السياسي والإعلامي، فيعتقد جابر أن هذا الأمر قد يوظف ضد الحكومة الإسرائيلية، "إذ من الممكن هنا ربط الماضي بالحاضر بأن هذه الدولة أقيمت على الدم والقتل".