مع أنّ زين الدين عصام مهنّا، من بلدة العيسوية، وسط القدس المحتلة، لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، إلاّ أنّه انضمّ إلى العشرات من أطفال القدس، الذين كانوا ضحايا الاعتقال والاحتجاز، وحتى الإبعاد عن مساكنهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي. إذ يعيش زين الدين، تجربة غريبة عن عالم الأطفال، فهو كان ضحية قوات الاحتلال التي قرّرت إبعاده عن منزله في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، عقب اعتقاله واحتجازه لساعات.
زين الدين مهنا، تلميذ في الصف الثامن الأساسي، هو بكر والديه، ولديه شقيقان آخران. اعتُقل من دون سابق إنذار من منزله في العيسوية، في الخامس والعشرين من يوليو/تموز، ومكث في الاحتجاز والتحقيق في مركز لشرطة الاحتلال، في شارع صلاح الدين بالقدس المحتلة، من الساعة التاسعة صباحاً وحتى السادسة من مساء يوم اعتقاله. تعرّض خلالها للتحقيق والاستجواب والصراخ، من قبل محقّقيه، بعدما اتهموه برشق الحجارة على دوريات الاحتلال التي تقتحم بلدة العيسوية يومياً، وتستهدف أطفالها وشبّانها بالاعتقال والاحتجاز بشكل متكرّر.
يقول والده، عصام مهنا لـ"العربي الجديد": "لم يخبرنا الاحتلال متى قام زين الدين برشق الحجارة؟ وأين حدث ذلك؟ لقد خطفوه من المنزل، وبعد ساعات طويلة أطلقوا سراحه إلى منزل عمته في حيّ الصوانة إلى الشمال الشرقي من البلدة القديمة من القدس، بعد أن قرّروا إبعاده عن مسكنه وعائلته في العيسوية لمدة خمسة أيام، اعتباراً من الخامس والعشرين من يوليو/تموز وحتى الثلاثين منه.
تمّ التواصل بين زين الدين وعائلته، عبر الهاتف، في اليومين الأولين، كما قال والده، بعدها تمكّنت والدته من زيارته والاطمئنان على حاله في منزل عمته، التي استضافته عندها ليقيم طيلة فترة الإبعاد.
حكاية زين الدين، كما يقول والده، هي حكاية أطفال كثيرين. من بينهم من هو دون سن السادسة، تعرّض للاعتقال والضرب والاحتجاز والتحقيق، وما حدث مع نجله زين الدين، ليس مستغرباً، وهو ليس أفضل من آباء كثيرين عايشوا معاناة أطفالهم وأبنائهم مع الاعتقال أو الاستشهاد. ويضيف الوالد: "كل شيء متوقع من هذا الاحتلال، فهو احتلال غاشم ظالم".
مع ذلك، لا يخفي الوالد شعوره بالألم، وهو يرى بكره بعيداً عن منزله وعن عائلته، ويقول: "صحيح أنه في منزل عمته يلقى الرعاية والاهتمام، لكن بيته هو المكان الصحيح الذي يجب أن يكون فيه".
ومع اعتقال زين الدين وإبعاده عن مسكنه، يستعيد والده ما حدث قبلاً مع الطفل، قيس فراس عبيد (6 أعوام)، الذي كان استدعي للتحقيق في الثلاثين من يوليو/ تموز من العام المنصرم، وذلك بحجة "إلقاء الحجارة" باتجاه مركبة تابعة لقوات الاحتلال، خلال اقتحامها لبلدة العيسوية.
وفي اليوم ذاته، تمّ استدعاء طفل آخر من أطفال بلدة العيسوية، وهو محمد ربيع عليان، البالغ من العمر 4 أعوام ونصف العام، بالحجة والذريعة ذاتها. ويقول والد الطفل زين الدين: "إنّ استهداف أطفالنا بالإبعاد والاعتقال لن يرهبنا، رغم أنّها تترك أثراً في نفوس الأطفال".
يُشار إلى أنّ محاكم الاحتلال الإسرائيلية كانت أصدرت خلال السنوات الأربع الماضية، أحكاماً بحق نحو ثلاثين طفلاً، غالبيتهم من القدس، ومن بين هؤلاء، الطفل أحمد مناصرة، الذي حُكم عليه بالسجن الفعلي لمدة تسع سنوات ونصف السنة.
ومنذ بدء شرطة الاحتلال باستهداف بلدة العيسوية في القدس قبل أكثر من عام، تمّ اعتقال أكثر من 600 فتى وشاب في البلدة، ثلثهم من القاصرين، وبعضهم عمره أقلّ من 12 سنة، بينما أصدر الاحتلال خلال العام المنصرم، ما يزيد على 120 قراراً بالحبس المنزليّ على قاصرين، و19 قراراً بإبعاد أطفال عن منازلهم.
ووفقاً لمعطيات مؤسسات حقوقية، ومنها لجنة أهالي الأسرى في القدس، و"مركز بيتسيلم لحقوق الإنسان" (وهو مركز إسرائيلي حقوقي)، فإنّ هذه الاعتقالات والتحقيقات تعتبر مخالفة للقانون، حيث تُظهر سجلات الاعتقالات والشهادات كيف يتم اقتياد القاصرين، إلى مركز شرطة الاحتلال ليلاً، باستخدام القوة واستجوابهم من دون حضور والديهم.
ونقلت منظمة "بتسليم" في تقرير نشرته مطلع العام الجاري 2020، عن طفل يبلغ من العمر 13 عاما قوله: "إنّ أربعة من أفراد شرطة الاحتلال اقتحموا منزل عائلته في ظلّ غياب والديه، وأمسك أحدهم به من رقبته وضرب رأسه بالأريكة، ثم ضرب رأسه بشيء صلب يعتقد أنّها قنبلة غاز".
ووفق الطفل في إفادته لـ"بتسيلم"، فإنّ الخوف تملّكه حينها، ومن ثم قام جندي من جنود الاحتلال بإخراجه من المنزل وسط بكاء إخوته الصغار، وتم اقتياده للتحقيق معه في مركز قريب، ثم تمّ لاحقاً استدعاء والده للمكان واستجوابه، وإطلاق سراحه بعد عدّة ساعات.
وينصّ القانون الإسرائيلي على عدم اعتقال القاصرين أو استجوابهم ليلاً، أو أن يتم اعتقالهم من مؤسسات تعليمية، وأن يتم التحقيق معهم في حالات الاعتقال الأخرى بوجود والديهم، ومنع الإضرار بهم.