الاحتفال والأعياد الإسلامية بين الإيجاز والتحريم

01 اغسطس 2015
التقاليد هي الجزء الأهم (Getty)
+ الخط -
في شهر رمضان يتساءل الكثيرون: ماذا عن الاحتفال والاحتفاء به؟ هل إظهار الفرح به مباح؟ أم أن علينا أن نصوم وكفى؟ وهل إقامة المهرجانات والموائد أمر لا غبار عليه من الناحية الشرعية أم أن المسألة فيها قولان؟ والسؤال الأهم: ما هو حكم الاحتفال بالمناسبات الإسلامية كالهجرة وميلاد النبي (صلى الله عليه وسلم) وليلة النصف من شعبان وليلة القدر؟

هل يجوز الاحتفال بها أم أن الأمر كما يرى دعاة السلفية اليوم أن مثل هذه الاحتفالات لا تجوز بحال من الأحوال، لأنها بدعة مستحدثة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؟
وإزاء التضارب في الإجابة عن هذه الأسئلة، تجد العامة أنفسها في حيص بيص، فبأي الآراء تأخذ؟ أتميل إلى الأيسر الأسهل؟ أم تنحاز إلى فئة المتشددين؟ أم تأخذ طريقاً وسطاً. ومع الحيرة والتردد نرى لسان حالها يقول: احتفال أم لا احتفال؟ هذا هو السؤال!
الأصل هو الإباحة.

من المعروف في الفقه الإسلامي أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص بتحريمها أو كراهيتها. وليس في الشرع ما يمنع من أن تكون هناك مناسبة يحتفل بها، ولا صلة للاحتفاء بهذه المناسبة وبين البدعة التي يدندن حولها بعض أدعياء السلفية، فإن البدعة المردودة هي ما أُحدث على خلاف الشرع، لقول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، أي أن من أحدث فيه ما هو منه فهو مقبول غير مردود. وقد أقر النبي العرب على احتفالاتهم بذكرياتهم وأيام انتصاراتهم في الجاهلية، وتغنيهم في مناسباتها بمآثر قبائلهم. ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان بغناء يوم بُعاث)، ولم يذكر رواة الحديث أنه أنكر عليها هذا.

ومن المعروف أيضاً أن البدع تكون في العبادات لا العادات. وحتى البدع التي تكون في العبادات ليست كلها من الضلالات، وفقاً لرأي الإمام الشافعي. فقد روى البيهقي بإسناده في (مناقب الشافعي) عن الشافعي أنه قال: "المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما: ما أُحدث مما يخالف كتاباً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة.

والثاني: ما أُحدث من الخير لا خلافَ فيه لواحدٍ من هذا، وهذه محدثةٌ غير مذمومة. وقد قال عمر (رضي الله عنه) في قيام شهر رمضان (يعني صلاة التراويح): نعمت البدعةُ هذه، يعني أنها محدثةٌ لم تكن، وإذا كانت فليس فيها ردٌّ لما مضى".


ما أكثر الأعلام الذين أجازوا الاحتفالات؟
لو أخذنا الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وسلم) كمثال على المناسبات الإسلامية التي أجازها كثير من أعلام المسلمين، نجد أن الإمام السيوطي، ذهب في كتابه (الحاوي للفتاوي) إلى أن الاحتفال بمناسبة مولد النبي بدعة حسنة لا شيء فيها. يقول في رسالته (حسن المقصد في عمل المولد): "عندي أن أصل عمل المولد، الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) وما وقع في مولده من الآيات، ثم يُمدُّ لهم سماطٌ يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يُثاب عليها صاحبها؛ لما فيها من تعظيم قدر النبي (صلى الله عليه وسلم)، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف".

وبمثل ما قاله السيوطي قال العز بن عبد السلام، فرأى أن ذلك وإن لم يُعهد في عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) والرعيل الأول فإنه من البدع المندوبة. يقول: "وهو (أي المولد)، وما يكون فيه من طعام، من الإحسان الذي لم يُعهد في العصر الأول، فإنَّ إطعامَ الطعامِ الخالي من اقتراف الآثام إحسانٌ، فهو من البدع المندوبة".

والقارئ لكتب التراث الإسلامي يستطيع أن يستخلص منها العديد من النصوص التي تبيح الاحتفالات بالمناسبات الدينية وغير الدينية. ومن الذين أفتوا بجواز هذه الاحتفالات علماء معروفون بطول قاماتهم العلمية، من بينهم: ابن حجر العسقلاني، وابن كثير، وتقي الدين السبكي، وأبو شامة المقدسي، وشمس الدين السخاوي، وابن حجر الهيثمي، والشوكاني، والقسطلاني.

ومن الطريف أن ابن تيمية، الذي يرى الكثيرون أنه بلغ الغاية في التعصب، وأن في آرائه شدة زائدة، كان كلامه ليّناً في قضية الاحتفالات، على عكس ما هو متوقع منه. ففي الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وسلم)، التي يبدّعها سلفيو اليوم، نراه في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) يؤكد على أن الاحتفال بمولده (صلى الله عليه وسلم) فيه أجر عظيم لفاعله إذا حسن قصده. يقول: "وكذلك ما يُحدثه بعض الناس، إما مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبةً للنبي وتعظيماً له. والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع... واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خيرٌ لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضاً شرٌّ من بدعة وغيرها... فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجرٌ عظيم، لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد".


القائلون بالمنع
ومع ذلك، هناك من يتعصب في رأيه في مسألة الاحتفالات إلى درجة تكفير من يدعو إليها أو يشارك فيها أو يؤمن بأنها ليست من جوهر الدين في شيء، ويقسم أنها بدعةٌ محدثةٌ لا تجوز ولا تحل مهما كان الدافع والقصد من ورائها. وحجتهم في ذلك أن البدعة الحسنة غير جائزة، لأنها زيادة في الدين، والزيادة في الدين كالنقص منه، والدين قد اكتمل بنزول القرآن ووفاة النبي (صلى الله عليه وسلم). وفي ضوء ذلك، يرى متشددو السلفية اليوم أن مثل هذه الاحتفالات لا تجوز بأي حال من الأحوال.

وأقرأ أيضاً:البيروتيون أيضاً يحيون "منتصف شعبان"



المساهمون