الاحتفاظ بحق الدهشة في حديقة كيب تاون

لا أدري لماذا قرر دليلنا السياحي أن تكون الحديقة النباتية "كرستينبوش" هي أولى محطاتنا في هذه المدينة الساحرة، كيب تاون في جنوب أفريقيا، بالرغم من أنّ القائمة تضم نقطة التقاء المحيطين الهندي والأطلسي "سي بوينت" وجبل الطاولة، وجزيرة روبن حيث قضى الرئيس الراحل المناضل نيلسون مانديلا شطراً هاماً وملهماً في حياته.

هنا يقتصر الحديث على الطبيعة وهذا التنوع المدهش للنباتات، والتركيز القوي على زراعة النباتات المحلية، ما جعلها أجمل حدائق أفريقيا، وواحدة من أكبر الحدائق النباتية في العالم المكرسة للنباتات الأصلية. تأسست "كرستينبوش" عام 1913 لتعزيز وحفظ وعرض النباتات الغنية والمتنوعة من جنوب أفريقيا، فهي تضم أكثر من 7000 نوع، بما في ذلك العديد من الأنواع النادرة والمهددة من النباتات.

تقول الوثائق إنّها أكثر من حديقة، فهي جزء من المحمية الطبيعية. تمتد نحو 36 هكتاراً، عند السفح الشرقي لجبل الطاولة، على بعد 13 كم فقط من وسط مدينة كيب تاون.





في المدخل، لفتت لغتنا العربية سائحين عربيين، فهرعا نحونا. كانا رجلاً وابنه ظلا يرتادان الحديقة منذ ثلاثة أعوام في شغف الآتين من أعماق الصحاري إلى جنة صغيرة صنعها الإنسان ليحتفظ لنفسه بحق الدهشة. ترافقنا ثلاث ساعات لم نتمكن خلالها من مسح عُشر مساحة الحديقة، ودنو الغروب يدعوك لمشاهدة أجمل لوحات الطبيعة عن ارتفاع شاهق من جبل الطاولة، فمضينا إليه.





بين مجموعات النباتات في الحديقة ترى أحد عمالها ينسل في خفة ونشاط في لباسه الأخضر، حتى لا يشغلك، يجمع ما خلفّه الزائرون في السلال الأنيقة، أو يطعم الطيور المقيمة بالحديقة. لفت نظري من يدفع أمامه عربة الاطار الواحد، ورفيقه يحمل أوراقاً يتدارسانها قبل وضع مقدارٍ موزون من تراب أسود تحت سيقان الشجيرات، فدفعني الفضول لسبر غور الأمر، وتبعتهما بعد انتهاء عملهما إلى ركن قصي من الحديقة، فإذا بمعمل متكامل لمعالجة نفايات الحديقة، وإنتاج سماد مخصب عضوي طبيعي، بطريقة علمية تبرع أحدهما بشرحها لي، بعدما تأكدا من وجهتي، واهتمامي بالأمر.