سيطر المشهد الاحتفالي بتسليم الضابط المصري السابق المتهم بالإرهاب، هشام عشماوي، من مليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر إلى المخابرات المصرية، على وسائل الإعلام الرسمية المصرية والمملوكة للأجهزة السيادية والموالية للسلطة، وكذلك صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الزاخرة باللجان الإلكترونية الموالية للنظام، بما يعبّر عن نقلة نوعية في الأداء التسويقي لأعمال المخابرات العامة كجهاز بات يشكّل قلب دائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعقل المدبر لنظامه الحاكم، بعد سنوات من الانزواء واختيار الابتعاد عن الأضواء في عهود سابقة. الاحتفاء الرسمي بعملية تسليم عشماوي الممسوك منذ 8 أشهر، والذي كان القبض عليه في الأساس قد تمّ بأيدٍ ليبية بدعم استخباراتي ومعلوماتي مصري، جاء لافتاً للنظر، لا سيما أنه انطوى على "تلميع" مبالغ فيه للقاء مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل مع حفتر، الموصوف في مصر بـ"قائد الجيش الوطني الليبي". مع العلم أنها المرة الأولى التي يوصف فيها عباس كامل رسمياً بأنه "وزير". وهو الرجل القوي المصاحب للسيسي كمدير لمكتبه ثم كبير لدائرته الحاكمة منذ 2013 وحتى الآن.
مصادر حكومية وأخرى أمنية مطلعة على ما يدور في كواليس دوائر النظام المختلفة، روت لـ"العربي الجديد"، المستجدات التي أدت لخلق هذا المشهد الاحتفالي المبالغ فيه، إلى حد تعليق السيسي بنفسه على تسليم عشماوي والحديث عنه كإنجاز كبير. على الرغم من أنه كان يروج منذ القبض عليه لدور مصر الكبير في ذلك، وعلى الرغم من أن السيسي أشار أكثر من مرة لضرورة تسلمه من الليبيين، في وقت لا توجد في شرق ليبيا أي ضمانات لمحاكمة صارمة لعشماوي أو التحقيق معه بصورة احترافية، كما يتمنى المصريون للحصول على أكبر قدر من المعلومات والأسرار عن تفاصيل عمل الجماعات المسلحة المتشددة بين مصر وسورية وليبيا في السنوات الثماني الأخيرة.
وكشفت المصادر أن "هذه الاحتفالات تهدف في الأساس لتدعيم مركز وسلطة وتأثير ضابط المخابرات محمود عبد الفتاح السيسي، نجل الرئيس المصري، الذي يشغل عضوية المكتب الفني لمدير المخابرات العامة منذ 2013، ولكنه في الأشهر الستة الأخيرة أصبح رئيساً لمجموعة تنسيقية محدودة بين رئاسة الجمهورية، والمخابرات، والرقابة الإدارية، تعمل على تنفيذ العديد من الخطط والأهداف بإشراف مباشر من السيسي، وبصورة تتجاوز صلاحيات عباس كامل شخصياً".
أضافت المصادر أن "علاقة العمل الثلاثية بين السيسي الأب والسيسي الابن (محمود) وعباس كامل تشهد تطوراً كبيراً، فللمرة الأولى يصبح هناك طرف ثالث يشارك بصورة مؤثرة في إدارة الأجهزة السيادية مع الرئيس ومدير مكتبه. وعلى ما يبدو يتمتع السيسي الابن بطموحات كبيرة ومساحة من الصلاحيات تتجاوز حد أن يكون وكيلاً لبعض الأعمال أو عيناً لوالده في المخابرات، كما كان في عهد مدير الجهاز السابق خالد فوزي الذي أطاح السيسي به قبل انتخابات الرئاسة الماضية".
ومن بين الملفات التي يديرها محمود السيسي بشكل شخصي، توحيد إدارة وسائل الإعلام التي استحوذ عليها جهاز المخابرات تحت ستار شركة "إعلام المصريين" التي يديرها ظاهرياً المنتج الفني تامر مرسي، بالإضافة إلى ملف الترويج لإنجازات الجهاز والنظام ككل. ومن هنا رأت المصادر أن "محمود السيسي أدار حدث تسليم عشماوي بطريقة دعائية مليئة بالمبالغات، لمحاولة إيهام الرأي العام بتحقيق إنجاز استثنائي من ناحية، وتوجيه رسائل للشخصيات والدوائر المرتابة منه داخل المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى من جهة أخرى، مفادها أنه يحظى بضوء أخضر لإدارة المشهد كما يشاء، فضلاً عن توجيه رسالة ولاء إيجابية تجاه عباس كامل نفسه للتأكيد على ودية العلاقة بينهما حتى الآن".
وذكرت المصادر أن "محمود السيسي هو المسؤول المباشر عن اختيار الإعلامي والمحامي خالد أبو بكر تحديداً لتقديم الحدث من المطار ومقابلة عشماوي. وهي المقابلة التي أثارت سخرية واسعة بين المتخصصين، وكذلك في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب افتقارها للمهنية والمعلوماتية وسطحيتها، فضلاً عن أن نجل السيسي هو الذي أمر ببث الحدث على القنوات المملوكة للمخابرات وحدها من دون قنوات التلفزيون المصري للتأكيد على (الأسبقية) التي بات يحظى بها في هذه الفترة من عهد والده".
واللافت للنظر أن المصادر أجمعت على ترجيح أن يكون لمحمود السيسي دور تنفيذي أكبر في المستقبل في الرئاسة والمخابرات، قياساً بحجم وأهمية الملفات التي يديرها، فإلى جانب الإعلام والترويج الدعائي الذي يستعين فيه بعدد من الإعلاميين الموثوقين لديه بغض النظر عن وجهة نظر أجهزة الأمن الأخرى فيهم، يشرف محمود السيسي على ملف استثمارات الجهاز التي تقول المصادر إنها ستشهد تنوعاً في الفترة المقبلة في مجالات مختلفة بما فيها الاستثمار العقاري والمنشآت السياحية والإنتاج الزراعي.
ومحمود السيسي هو ثاني أبناء السيسي من حيث السن، أما النجل الأكبر مصطفى فهو عقيد بالرقابة الإدارية وبرز في العامين الأخيرين كواحد من أهم المسؤولين الصاعدين فيها بعد إعادة هيكلتها، أما النجل الأصغر حسن والمتزوج من ابنة رئيس الأركان السابق محمود حجازي، صديق السيسي الذي أطاح به على خلفية حادث الواحات الإرهابي في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، فكان يعمل بقطاع البترول وتم نقله العام الماضي إلى المخابرات العامة أيضاً.