30 ابريل 2024
الاحتجاجات على العنصرية بأميركا وأوهام الحلول أمام الفلسطينيين
اليوم، ونحن نتابع ونتضامن مع ثورة المواطنين الاميركيين ذوي البشرة السمراء في الولايات المتحدة، والتي بدأت نتيجة لمقتل جورج فلويد من قبل الشرطة الأميركية، وما يجسده هذا الحدث من عنصرية ممنهجة ضد السود والسكان الأصليين عمومًا في أميركا، يتحتم علينا النظر والتعلم مما يحدث، فبعد أكثر من مئتي سنة على تأسيس الولايات المتحدة، إلا أنها ما زالت دولة للبيض الأوروبيين دون غيرهم من المواطنين، والذين عادة، وبالرغم من عددهم أو تاريخ وجودهم في أميركا، يُنظر إليهم بوصفهم أقليات، وما زال التمييز والعنصرية هما المحددان للامتيازات والحقوق والمراكز في هذه الدولة.
ويعتبر النظر إلى هذا التاريخ مهمًّا في ما يخص الحلول المطروحة للقضية الفلسطينية، الحالة الأميركية تشكل برهانَا على أن أي دولة تؤسس من قبل كيان استيطاني استعماري على حساب السكان الأصليين لا يمكن أن تكون دولة للجميع، أو أن يكون النضال من خلال مؤسساتها ممكنًا.
اليوم ينقسم ما يسمى باليمين واليسار الإسرائيلي بشأن ما يدعى "خطة" الضم، وهو بالأصح فرض الاستيطان الاستعماري على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال. وبالنسبة إلى اليسار الرافض للخطوة، فإن هذه الخطة ستُفشل خيار الدولتين وعملية السلام مع السلطة الفلسطينية، إذ إن بعض ما يدعى باليسار المتشدد يرى أن هذه الخطوة قد تكون جيدة، حيث إنها تفتح الطريق أمام خيار الدولة الواحدة.
كما أن اليمين أيضًا منقسم تجاه هذه الخطة بين مرحب بها على أن تؤدي لاحقًا إلى تهجير الفلسطينيين وبسط سلطة إسرائيل على كامل الأراضي، بينما اليمين الأكثر تشددًا يرفض الأمر لأن المسألة بالنسبة له أنه لا يمكن مشاركة الأرض مع الفلسطينيين، فـ"إما نحن أو هم"، كما أعلن أحد أهم وجوه المعارضة اليمينية، بتسلئيل سمو تريش، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز: "إما أن يكون المستقبل للمستوطنين أو لدولة فلسطين، لكن ليس للاثنين معًا". ولعلّ الانقسام هنا ليس جوهريًّا، ففي الأساس هناك اتفاق على وجود هذه الدولة بهويتها اليهودية الاستيطانية الاستعمارية وهناك التبنّي الكامل لهذه الهوية، فالاختلافات تقوم فقط على العلاقة مع الفلسطينيين، هل نعطيهم بعض الحقوق، أم نمحوهم من الوجود؟
ضمن هذه الآراء الإشكالية بطبيعتها، يأتي الضغط على الفلسطينيين للتفكير في خيارات لا يختلف معظمها كثيرًا عمّا هو مطروح من قبل ما يسمى باليسار الإسرائيلي، سواء في حل الدولة أو الدولتين. وفي الحقيقة، فإنّ التفكير في موضوع الدولة حاليًا، بالنسبة للفلسطينيين، هو إعاقة للحل العادل للفلسطينيين. إن "الدولة" المطلوبة بشكليها المطروحين لا يمكن أن تحقق أي نوع من العدالة في ظل وجود أيديولوجية صهيونية حاكمة، لذا فإن القبول بأن تكون جارًا لدولة، هي بالأساس ترى وجودك تهديدًا لوجودها، وتعتمد على إخضاعك كوسيلة لاستمرارها واستمتاع مواطنيها بالأمن والرفاه الاقتصادي، أمر غير ممكن. فقد أثبت هذا الحل فشله بالنسبة للفلسطينيين منذ تأسيس السلطة الفلسطينية واتفاقية أوسلو عام 1993.
لذا فإن استمرار السلطة الفلسطينية بالمطالبة بدولة، أو التمسك بخيار الدولتين، هما أمران يعبران عن ضعف وعدم إدراك للمصلحة الفلسطينية.
إن النموذج الأميركي أكبر مثال على أن حل الدولة الواحدة لا يمكن أن يكون حلًّا. والداعون إلى هذا الخيار من الفلسطينيين يأملون في أن يكون العامل الديموغرافي لصالح الفلسطينيين في إحداث تغيير في هيكلية الدولة وشكلها، وبالتالي في إيجاد حل دائم، كما يأمل الكثيرون منهم في بناء حالة من التضامن مع اليسار الإسرائيلي، وتشكيل حركة حقوقية تسعى لتحقيق المساواة والعدالة.
وما يتناساه هؤلاء هو أن اليسار الإسرائيلي، في غالبيته العظمى، وفي الأساس، هو فقط أقل تطرفًا من اليمين، ولكنه ليس رافضًا لطبيعة الدولة ويهوديتها، فالرافضون الحقيقيون لطبيعة الدولة لا يمكن ان يتمكنوا من البقاء فيها، أو أن يقبلوا بأن تكون هويتهم هي عنوان قتل وتشريد المزيد من الفلسطينيين.
إن القبول بحل الدولة الواحدة، ضمن المعادلة الحالية، يعني القبول بهوية الدولة وما تمثله، بينما النضال للتغيير من الداخل من خلال حركة حقوقية سلمية مطروح كبديل. والإشكالية هنا هي في أن هذا لن يكون حلًّا واردًا بالنسبة لغالبية الأحزاب الإسرائيلية، لذا فإن التعويل عليه بدون خطة تدرس كيفية الوصول بالأساس لهذا الحل، ضمن الواقع الحالي، هو تعويل غير صحيح. أي حل لا ينطلق بداية من رفض ومواجهة لأيديولوجيته ومؤسساته المختلفة القائمة على العنصرية سيكون مصيره الفشل، أو على الأقل المزيد من القتل والتهجير والقمع للفلسطينيين.
كما أن هذا الحل، مثل حل الدولتين، ينطوي على تنازل من الفلسطينيين. ولعل تبرير حالات التنازل عادة بأن الفلسطينيين يقدمون الحلول إلا أن إسرائيل ترفضها، مبرر غير مقنع، والصحيح ان الفلسطينيين المنادين بهذه الحلول ينطلقون من ضعف الوضع الفلسطيني، وهذا المنطق إشكالي في الأساس. وقد يكون وضع الموقف الرسمي ضعيفًا ضمن موازين القوى العالمية الحالية، لكن هذا لا يعني استمرارية الوضع كما هو عليه إلى الأبد، وإن مصدر قوة الفلسطينيين هو الإيمان بعدالة قضيتهم والالتزام بمسارات المقاومة المختلفة.
لا أعلم ما إذا كان على الفلسطينيين تقديم حلول لكيان استيطاني استعماري اقترف جرائم تجاه الفلسطينيين قد تمكنه من الاستمرار بجرائمه بأشكال اخرى؟ إذًا، ما الذي على الفلسطينيين فعله؟ بدأت هذا المقال بالمثل الأميركي ليكون مثلًا لنا، ولأن قبولنا بأي من الحلّين أو أحدهما لا تكون فيه شروطنا مفروضة يعني أنّنا نريد لأحفادنا وأحفادهم مستقبلًا شبيهًا بما يعانيه السود والسكان الأصليون اليوم. المسألة المهمة هي أن يعود الفلسطينيون عن فكرة الدولة بالأساس كمطلب أوليّ، لأن فلسطين ليست عباره عن حدود، وثيقة سفر، مطارات وقصر رئاسة. لقد قلّص مطلب الدولة من أهمية القضية وحوّلها من نضال لمجابهة الاستعمار الاستيطاني إلى صراع بين طرفين متساويين. لا ينبغي على الفلسطينيين التمسك بحل واحد أو اثنين، أو بشكل معين من النضال، كل الخيارات يجب أن تكون مفتوحة أمام شعب يحارب الاستعمار، وليس دولة تحاول أن تحصل على الحد الأدنى من شروط البقاء. كل الخيارات يجب أن تكون مفتوحة أمام شعب يحاول الوصول إلى الحرية وليس إلى "امتيازات" مواطَنة وجنسية.
ويعتبر النظر إلى هذا التاريخ مهمًّا في ما يخص الحلول المطروحة للقضية الفلسطينية، الحالة الأميركية تشكل برهانَا على أن أي دولة تؤسس من قبل كيان استيطاني استعماري على حساب السكان الأصليين لا يمكن أن تكون دولة للجميع، أو أن يكون النضال من خلال مؤسساتها ممكنًا.
اليوم ينقسم ما يسمى باليمين واليسار الإسرائيلي بشأن ما يدعى "خطة" الضم، وهو بالأصح فرض الاستيطان الاستعماري على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال. وبالنسبة إلى اليسار الرافض للخطوة، فإن هذه الخطة ستُفشل خيار الدولتين وعملية السلام مع السلطة الفلسطينية، إذ إن بعض ما يدعى باليسار المتشدد يرى أن هذه الخطوة قد تكون جيدة، حيث إنها تفتح الطريق أمام خيار الدولة الواحدة.
كما أن اليمين أيضًا منقسم تجاه هذه الخطة بين مرحب بها على أن تؤدي لاحقًا إلى تهجير الفلسطينيين وبسط سلطة إسرائيل على كامل الأراضي، بينما اليمين الأكثر تشددًا يرفض الأمر لأن المسألة بالنسبة له أنه لا يمكن مشاركة الأرض مع الفلسطينيين، فـ"إما نحن أو هم"، كما أعلن أحد أهم وجوه المعارضة اليمينية، بتسلئيل سمو تريش، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز: "إما أن يكون المستقبل للمستوطنين أو لدولة فلسطين، لكن ليس للاثنين معًا". ولعلّ الانقسام هنا ليس جوهريًّا، ففي الأساس هناك اتفاق على وجود هذه الدولة بهويتها اليهودية الاستيطانية الاستعمارية وهناك التبنّي الكامل لهذه الهوية، فالاختلافات تقوم فقط على العلاقة مع الفلسطينيين، هل نعطيهم بعض الحقوق، أم نمحوهم من الوجود؟
ضمن هذه الآراء الإشكالية بطبيعتها، يأتي الضغط على الفلسطينيين للتفكير في خيارات لا يختلف معظمها كثيرًا عمّا هو مطروح من قبل ما يسمى باليسار الإسرائيلي، سواء في حل الدولة أو الدولتين. وفي الحقيقة، فإنّ التفكير في موضوع الدولة حاليًا، بالنسبة للفلسطينيين، هو إعاقة للحل العادل للفلسطينيين. إن "الدولة" المطلوبة بشكليها المطروحين لا يمكن أن تحقق أي نوع من العدالة في ظل وجود أيديولوجية صهيونية حاكمة، لذا فإن القبول بأن تكون جارًا لدولة، هي بالأساس ترى وجودك تهديدًا لوجودها، وتعتمد على إخضاعك كوسيلة لاستمرارها واستمتاع مواطنيها بالأمن والرفاه الاقتصادي، أمر غير ممكن. فقد أثبت هذا الحل فشله بالنسبة للفلسطينيين منذ تأسيس السلطة الفلسطينية واتفاقية أوسلو عام 1993.
لذا فإن استمرار السلطة الفلسطينية بالمطالبة بدولة، أو التمسك بخيار الدولتين، هما أمران يعبران عن ضعف وعدم إدراك للمصلحة الفلسطينية.
إن النموذج الأميركي أكبر مثال على أن حل الدولة الواحدة لا يمكن أن يكون حلًّا. والداعون إلى هذا الخيار من الفلسطينيين يأملون في أن يكون العامل الديموغرافي لصالح الفلسطينيين في إحداث تغيير في هيكلية الدولة وشكلها، وبالتالي في إيجاد حل دائم، كما يأمل الكثيرون منهم في بناء حالة من التضامن مع اليسار الإسرائيلي، وتشكيل حركة حقوقية تسعى لتحقيق المساواة والعدالة.
وما يتناساه هؤلاء هو أن اليسار الإسرائيلي، في غالبيته العظمى، وفي الأساس، هو فقط أقل تطرفًا من اليمين، ولكنه ليس رافضًا لطبيعة الدولة ويهوديتها، فالرافضون الحقيقيون لطبيعة الدولة لا يمكن ان يتمكنوا من البقاء فيها، أو أن يقبلوا بأن تكون هويتهم هي عنوان قتل وتشريد المزيد من الفلسطينيين.
إن القبول بحل الدولة الواحدة، ضمن المعادلة الحالية، يعني القبول بهوية الدولة وما تمثله، بينما النضال للتغيير من الداخل من خلال حركة حقوقية سلمية مطروح كبديل. والإشكالية هنا هي في أن هذا لن يكون حلًّا واردًا بالنسبة لغالبية الأحزاب الإسرائيلية، لذا فإن التعويل عليه بدون خطة تدرس كيفية الوصول بالأساس لهذا الحل، ضمن الواقع الحالي، هو تعويل غير صحيح. أي حل لا ينطلق بداية من رفض ومواجهة لأيديولوجيته ومؤسساته المختلفة القائمة على العنصرية سيكون مصيره الفشل، أو على الأقل المزيد من القتل والتهجير والقمع للفلسطينيين.
كما أن هذا الحل، مثل حل الدولتين، ينطوي على تنازل من الفلسطينيين. ولعل تبرير حالات التنازل عادة بأن الفلسطينيين يقدمون الحلول إلا أن إسرائيل ترفضها، مبرر غير مقنع، والصحيح ان الفلسطينيين المنادين بهذه الحلول ينطلقون من ضعف الوضع الفلسطيني، وهذا المنطق إشكالي في الأساس. وقد يكون وضع الموقف الرسمي ضعيفًا ضمن موازين القوى العالمية الحالية، لكن هذا لا يعني استمرارية الوضع كما هو عليه إلى الأبد، وإن مصدر قوة الفلسطينيين هو الإيمان بعدالة قضيتهم والالتزام بمسارات المقاومة المختلفة.
لا أعلم ما إذا كان على الفلسطينيين تقديم حلول لكيان استيطاني استعماري اقترف جرائم تجاه الفلسطينيين قد تمكنه من الاستمرار بجرائمه بأشكال اخرى؟ إذًا، ما الذي على الفلسطينيين فعله؟ بدأت هذا المقال بالمثل الأميركي ليكون مثلًا لنا، ولأن قبولنا بأي من الحلّين أو أحدهما لا تكون فيه شروطنا مفروضة يعني أنّنا نريد لأحفادنا وأحفادهم مستقبلًا شبيهًا بما يعانيه السود والسكان الأصليون اليوم. المسألة المهمة هي أن يعود الفلسطينيون عن فكرة الدولة بالأساس كمطلب أوليّ، لأن فلسطين ليست عباره عن حدود، وثيقة سفر، مطارات وقصر رئاسة. لقد قلّص مطلب الدولة من أهمية القضية وحوّلها من نضال لمجابهة الاستعمار الاستيطاني إلى صراع بين طرفين متساويين. لا ينبغي على الفلسطينيين التمسك بحل واحد أو اثنين، أو بشكل معين من النضال، كل الخيارات يجب أن تكون مفتوحة أمام شعب يحارب الاستعمار، وليس دولة تحاول أن تحصل على الحد الأدنى من شروط البقاء. كل الخيارات يجب أن تكون مفتوحة أمام شعب يحاول الوصول إلى الحرية وليس إلى "امتيازات" مواطَنة وجنسية.