الاتفاق الأوروبي التركي حول اللاجئين يترنّح: سيناريوهات لخطط بديلة

22 مايو 2016
لا يزال المهاجرون يتدفقون نحو الجزر اليونانية(دان كيتوود/Getty)
+ الخط -
على الرغم من صعوبة تنفيذ الاتفاق الأوروبي ـ التركي بشأن اللاجئين، تُعقد بعض الآمال على ما يتم العمل عليه في العاصمة البلجيكية بروكسل، إذ تُبذل جهود لإنقاذ الصفقة والالتزام بالاتفاق مع أنقرة وسط تزايد التهديدات التي تُطلق من الجانب التركي والتلويح بفتح "الأقفال" للمهاجرين كبداية النهاية لرفض توثيق العلاقات والتعاون مع الاتحاد الأوروبي. 

ويأتي ذلك، على الرغم من تأكيد أنقرة، مراراً، أن عضوية الاتحاد هدف استراتيجي لها ومصدر لاستقرار المنطقة. لكن تبقى المشكلة في المطلب الأوروبي وهو الاعتراف بالإطار القانوني المعتمد في أوروبا مع ما يتطلبه هذا الأمر من إجراء تركيا لتعديلات تشمل حزمة حماية البيانات وقانون مكافحة الإرهاب.

وتتزامن هذه التطورات مع تصويب آخرين على الاتفاق كونه منذ البداية كان مشكوكاً بترتيباته الدستورية، والدليل على ذلك الترنّح الذي يعيشه هذا الاتفاق، أخيراً، بسبب ما يعتبره بعضهم "السياسة الأوروبية الكارثية" في هذا الملف.

في غضون ذلك، تعاني المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، من ضغوط من معظم الأحزاب الألمانية وفي مقدمتها الائتلاف الحاكم، باعتبار أنّها العرّابة الأساسية لهذا الاتفاق. ويتهم بعض الأحزاب المستشارة الألمانية بتعريض أوروبا للابتزاز. وكانت ميركل قد دافعت، أخيراً، خلال المنتدى الأوروبي في وزارة الخارجية في برلين، عن الاتفاق قائلة إنّ "الاتفاق مع أنقرة أنقذ حياة كثيرين منذ دخوله حيّز التنفيذ، وهذا ما يؤكد أهمية إبرامه وتطبيقه، وعلى دول الاتحاد الأوروبي بذل المزيد من الجهود المشتركة بهذا الاتجاه".

ويخشى معارضون تبعات الاتفاق مع تركيا بعدما هددت أوروبا علناً بإرسال اللاجئين إلى دول الاتحاد، متسائلين عن جدوى هذا النوع من الشراكة. وقال رئيس الحزب الاجتماعي المسيحي، الشريك في الائتلاف الحاكم، هورست زيهوفر، إن "الاتفاق سمح بتعزيز الحضور والتأييد للحزب اليميني الشعبوي (البديل من أجل ألمانيا)". في المقابل، دافع وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، عن الاتفاق، مؤيداً المستشارة الألمانية، ومؤكداً ضرورة الالتزام به. وطالب شتاينماير تركيا بالرد على القضايا والنقاط المفتوحة في الاتفاق، لافتاً في حديث صحافي إلى المصلحة التي من الممكن لأنقرة أن تجنيها من إبرام الاتفاق، ومنها إعفاء مواطنيها من تأشيرة الدخول إلى أوروبا.

في موازاة ذلك، يطالب عدد من المسؤولين بعدم انصياع أوروبا لتركيا التي يرون أنه يتوجب عليها أن تتحمل مسؤولياتها تجاه سياسة اللجوء، مؤكدين أنه "لا أحد يعلم ما يحل باللاجئين بعد مغادرتهم إلى تركيا كون الرعاية والحماية الموجودة غير كافية"، على حد قولهم. ويطالب هؤلاء الاتحاد الأوروبي أن يقرر استلام زمام المبادرة وعدم التخفيف من المعايير الخاصة للنظام من دون تأشيرة، وعدم المساومة على الحقوق والمبادئ الأساسية الأوروبية. كما يدعون إلى أن تحرّر أوروبا نفسها من هذه الصفقة، ومن الاعتماد على تركيا "لأن أيّ حلّ أوروبي مستقل من شأنه أن يكون وسيلة أفضل وأكثر إنسانية، شرط أن يرتبط بالعمل والجهد". ويضاف إلى ذلك، حسن إدارة وتنشيط العمل ضمن النقاط الساخنة على الأراضي اليونانية، على أن تتم موافقة الدول الأعضاء بشأن الأشخاص المنوي ترحيلهم، بحسب هذه الرؤية.


وفي هذا الإطار، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ما أتى على لسان مقرر الأمم المتحدة لحقوق المهاجرين، فرانسوا كريبو، عند زيارته اليونان أخيراً، حيث تحدث عن أعمال احتجاز مهاجرين، مؤكداً أنه إجراء غير قانوني. ولفت كريبو إلى أن "الاتفاق لا يعدو كونه سياسياً، وليس له أي قوة قانونية ملزمة"، مطالباً بضرورة تقاسم المسؤولية بشكل أفضل بين دول الاتحاد الأوروبي وزيادة الدعم المالي لليونان. مع العلم، أنّه تم الحديث، قبل فترة وجيزة، عن خطة بديلة قوامها جعل جزر يونانية مراكز لاستقبال اللاجئين في حال الإخفاق في تنفيذ مدرجات الاتفاق مع تركيا، وعدم التزام أنقرة بالبنود 72 كشرط لإلغاء تأشيرات الأتراك إلى أوروبا. وهو ما عبر عنه صراحة رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، قائلاً إنه "إذا كانت استراتيجية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هي منع الأتراك من السفر بحرية إلى أوروبا، فعليه توضيح ذلك لشعبه، هذه ليست مشكلتنا".

هذا التصريح يؤكد أنّ أوروبا ليست بصدد تقديم تنازلات لتركيا متمسكة بضرورة قيام أنقرة بواجباتها على اعتبار أن الأمر يتعلق بمصداقية أوروبا وعليها الالتزام بالشروط. وقد تم تمديد مهلة تطبيق البنود إلى أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إذ المطلوب من أنقرة أن تعدّل قانون مكافحة الإرهاب الأكثر حساسية من الناحية السياسية، خصوصاً أنه ينصّ على إمكانية ملاحقة المعارضين وأصحاب الرأي، فضلاً عن قضية حرية الصحافة. وهو ما يعتبره الأوروبيون لا يتناسب مع المعايير المعتمدة لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فضلاً عن كونه أحد مطالب البرلمان الأوروبي.

ويشدد خبراء أوروبيون على أن الحل يبقى في أذهان زعماء الاتحاد الأوروبي من خلال العمل على استكشاف الأخطاء وإصلاحها، معتبرين أن إغلاق حدود شينغن (منطقة تضم 26 دولة أوروبية ألغت جواز السفر وضوابط الهجرة على الحدود المشتركة الداخلية في ما بينها) مستحيل. ويرى هؤلاء أن التضامن الأوروبي يستحق كل هذا العناء، على أن يضمن الاتحاد هذه المرة وسيلة للاتفاق على مفتاح توزيع اللاجئين في حال فشل الاتفاق مع تركيا، مع أفضلية نقل اللاجئين مباشرة من تركيا إلى الدول الأوروبية، وتفادي الاستنسابية في التعاطي مع الملف، والحفاظ على التضامن والمسؤولية، والاستعداد، ولو بالحدّ الأدنى، بقبول أعداد قليلة من اللاجئين، ووقف التعنت كما هو حاصل مع المجر. ويضاف إلى ذلك، التأكيد على ضرورة مراقبة الحدود الجنوبية لشينغن وساحل شمال أفريقيا في الوقت الراهن، نتيجة التخوف من أن يتوافد آلاف اللاجئين من ليبيا إلى لامبيدوزا وصقلية الإيطاليتين.

ولا يغفل هؤلاء الخبراء التساؤل عن الهدف من إضعاف ميركل بطريقة غير مسؤولة، في ظل تراجع حضور الحزب الاشتراكي الديمقراطي ثاني أكثر الأحزاب شعبية في ألمانيا، وتقدم الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" إلى المركز الثالث، متفوقاً على أحزاب تقليدية أخرى. ويأتي ذلك، في الوقت الذي تفصل بريطانيا، أسابيع عدة، عن تقرير مصيرها بشأن الخروج من الاتحاد، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يُدخل أوروبا في أخطر أزمة منذ نشأتها.

ويضاف إلى كل ذلك السياسة المتبعة من قبل البنك المركزي الأوروبي لمنع انهيار الدول الجنوبية من منطقة اليورو، إلى جانب شبح المرشح الرئاسي الجمهوري، دونالد ترامب، الذي يظهر استراتيجية انعزالية للولايات المتحدة في حال وصوله إلى البيت الأبيض. ويضاف إلى كل ذلك، السياسة المضطربة لأوروبا مع روسيا حول الوضع في كل من أوكرانيا، وجورجيا، ودول البلطيق، والتي تبيّن أن هناك أطرافاً ترغب في إضعاف حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وهذا ما يتطلب، وفقاً للمراقبين، من أولئك الذين يدعون تمثيل القيم المحافظة، ضبط النفس لأن الوضع خطير، ويجب أن تبقى ألمانيا حصناً للاستقرار.