وقال تاسك، في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الأيرلندي، ليز فارادكار، خلال زيارته للعاصمة الأيرلندية، مساء أمس، إن الاتحاد الأوروبي سيتبع سياسة "أيرلندا أولاً" بهدف الحفاظ على عملية السلام في الجزيرة الأيرلندية.
ويأتي هذه التحذير الأوروبي بعد أن ظهرت تصريحات من الحكومة البريطانية تعكس نيتها بالتراجع عن الاتفاق الأولي الذي تم التوصل إليه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والذي تعهدت فيه بريطانيا بعدم نصب "الحدود الصلبة" مع الجمهورية الأيرلندية.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي قد اعتبرت أن هذا التعهد كافٍ للانتقال إلى المرحلة الثانية من مفاوضات "بريكست"، رغم عدم الدخول في تفاصيل كيفية تطبيق هذه التعهدات.
وكان أعضاء الحكومة البريطانية، من مؤيدي البريكست المشدد، وعلى رأسهم وزير الخارجية، بوريس جونسون، قد لمحوا إلى نيتهم التخلي عن هذا التعهد، لكونه لا يتطابق مع رغبة الحكومة البريطانية في الخروج الكلي من السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الجمركي.
وكان الاتحاد الأوروبي قد اقترح أن تكون أيرلندا الشمالية جزءاً من الاتحاد الجمركي، أو أن تلتزم بمعايير الاتحاد الأوروبي على أقل تقدير. ويسمح هذا الخيار بتجارة سلسة بين شطري الجزيرة الأيرلندية، ويتجنب نصب الحدود الصلبة فيها، وهو مطلب أساسي للحفاظ على "اتفاق الجمعة العظيمة" الذي أنهى الحرب الأهلية في أيرلندا الشمالية.
لكن بريطانيا ترى في تطبيق معايير مختلفة في أيرلندا الشمالية تنازلاً عن سيادتها، وتهديداً لوحدة أراضيها، وتمهيداً لنقل أيرلندا الشمالية من المملكة المتحدة وضمها إلى الجمهورية الأيرلندية.
وبينما كانت بريطانيا قد اقترحت بداية اللجوء إلى تقنيات متطورة تسمح بسير سلس للتجارة على الحدود، يرى الاتحاد الأوروبي أن هذا المقترح لم يتم تجريبه من قبل ولا يمكن تطبيقه عملياً.
ويبقى البديل العملي أن تلتزم المملكة المتحدة، بمجملها، بمعايير الاتحاد الأوروبي التجارية كلياً، سواء ظلت في الاتحاد الجمركي أو لا، إلا أن مؤيدي "البريكست المشدد"، والذين يهيمنون حالياً على قرار الحكومة البريطانية، يرفضون هذا الخيار، لكونه يحد من قدرة بريطانيا على الدخول في اتفاقيات تجارية تتطلب الافتراق عن المعايير الأوروبية.
وحمّل تاسك بريطانيا مسؤولية هذا الطريق المسدود، مشدداً على ضرورة التزامها بتعهدها في المفاوضات الأولية بعدم إقامة الحدود الصلبة في الجزيرة الأيرلندية.
وقال: "نرى اليوم أن الحكومة البريطانية ترفض حدوداً تنظيمية وجمركية في البحر الأيرلندي، وترفض الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة. وبينما يجب علينا احترام هذا الموقف، نتوقع أيضاً من بريطانيا أن تقترح حلاً محدداً وواقعياً لتجنب الحدود الصلبة".
وتابع تاسك: "طالما أن بريطانيا لا تمتلك تصوراً للحل، من الصعب جداً تخيل تحقيق أي تقدم حقيقي في مفاوضات بريكست. إن كان أحدهم في لندن يتوقع أن المفاوضات ستتناول مواضيع أخرى قبل القضية الأيرلندية، فسيكون ردي: أيرلندا أولاً".
وذكر تاسك بأهمية اتفاق "الجمعة العظيمة"، التي تمر ذكراها في العشرين من الشهر المقبل، والتي تم تمريرها بأغلبية الأصوات في شطري الجزيرة الأيرلندية: "يجب أن نعترف بالقرار الديمقراطي الذي اتخذته بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016، مثلما يجب علينا أيضاً أن نعترف بالقرار الديمقراطي الذي تم اتخاذه في الجزيرة الأيرلندية عام 1998".
ويسعى المفاوضون البريطانيون للانتقال إلى المحادثات التجارية لمرحلة ما بعد بريكست، إذ ستحدد هذه المفاوضات طبيعة العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي مستقبلاً. ويرغب البريطانيون في أن تبدأ هذه المفاوضات بعد اجتماع المجلس الأوروبي بعد أسبوعين في نهاية الشهر الحالي.
إلا أن تصريحات المجلس الأوروبي تعارض هذه التوقعات البريطانية، كما يتوقع الاتحاد الأوروبي أن يتم التوصل إلى اتفاقية بريكست تحدد تفاصيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بما فيها معضلة الحدود الأيرلندية، بحلول أكتوبر/ تشرين الأول العام الحالي، بحيث تمنح البرلمانات الأوروبية الوقت الكافي لتصديق الاتفاقية قبل خروج بريطانيا من الاتحاد رسمياً في مثل هذا الشهر العام المقبل.